أفريقيا برس – تونس. دعت الأمم المتحدة السلطات التونسية للإفراج عن الوزير السابق القيادي في حركة النهضة نور الدين البحيري والموظف السابق بوزارة الداخلية فتحي البِلدي، أو توجيه الاتهام إليهما وفق الإجراءات القانونية، وفي غضون ذلك أحيلت قيادات أمنية للتقاعد، استمرارا لسلسلة من الإعفاءات والإقالات من مناصب عليا.
وقالت ليز ثروسيل المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان -ومقرها جنيف- للصحفيين الثلاثاء “لقد عمّقت الأحداث التي شهدتها تونس خلال الشهر الماضي من قلقنا، البالغ أصلا، بشأن تدهور وضع حقوق الإنسان في هذا البلد”.
وأضافت ثروسيل “أشارت السلطات إلى أنه (البحيري) متهم بجرائم تتعلق بالإرهاب. ومع ذلك، فإننا نعلم أنه لم يتم بعد إبلاغ محاميه رسميا بالتهم الموجهة إليه”.
وأكدت أن “رجلا آخر اعتقل في اليوم نفسه وفي ظروف مماثلة دون معرفة مكانه حتى الرابع من يناير/كانون الثاني” في إشارة إلى فتحي البِلدي الذي عمل مستشارا لوزير داخلية أسبق ينتمي لحركة النهضة.
من حقبة بن علي
ورأت المفوضية أن هاتين الواقعتين “تعكسان ممارسات غير مسبوقة منذ عهد (زين العابدين) بن علي، وتثيران تساؤلات جدية بشأن عمليات الخطف والاختفاء القسري والاعتقالات التعسفية”، وفقا لما قالته ثروسيل.
وتابعت المتحدثة “نحث السلطات على الإسراع بالإفراج عن الرجلين أو توجيه الاتهام إليهما وفق معايير الإجراءات الجنائية”.
وكانت عناصر أمنية بزي مدني قد أوقفت البحيري نائب رئيس حركة النهضة في 31 ديسمبر/كانون الأول الماضي واقتادته إلى مكان لم تفصح عنه، وهو ما استنكرته حركة النهضة ووصفته بالاختطاف.
ونقل البحيري بعد ذلك بيومين إلى وحدة العناية المركزة في مستشفى بمدينة بنزرت، إذ يعاني من أمراض ضغط الدم والسكري والقلب، وهو مضرب عن الطعام منذ اعتقاله.
وقد أعلن وزير الداخلية توفيق شرف الدين أن البحيري والمسؤول السابق بوزارة الداخلية فحتي البِلدي وضعا قيد الإقامة الجبرية لتُهَم تتعلق بـ”شبهة إرهاب” ترتبط باستخراج وثائق سفر وجنسية تونسية لسوري وزوجته بـ”طريقة غير قانونية”.
ورفضت صحةَ هذا الاتهام كلٌّ من حركة النهضة (صاحبة أكبر كتلة برلمانية بـ53 نائبا من أصل 217) وعائلة البحيري وهيئة الدفاع عنه، ووصفته بـ”المسيس”، مطالبة بالإفراج الفوري عنه، ومحمّلة الرئيس التونسي قيس سعيد ووزير داخليته المسؤولية عن حياة البحيري.
وقالت المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إنه “علاوة على تصرفات قوى الأمن الداخلي، فإننا نشعر بالقلق إزاء تضييق الخناق على المعارضة في تونس، وخاصة الاستخدام غير النزيه لقوانين مكافحة الإرهاب، وتزايد اللجوء إلى المحاكم العسكرية من أجل محاكمة المدنيين”.
تقاعد وجوبي
وفي تلك الأثناء، قالت مصادر أمنية مطلعة إن وزير الداخلية التونسي توفيق شرف الدين أحال إلى التقاعد الوجوبي عددا من القيادات الأمنية على رأسهم كمال القيزاني الذي شغل منصب سفير تونس في البحرين.
وأكدت المصادر نفسها أن القيزاني أوقف على ذمة التحقيق في قضايا مرتبطة بالأمن القومي.
وقد أعلنت وزارة الداخلية، الثلاثاء في بيان، أن الوزير توفيق شرف الدين، أشرف على أشغال المجلس الأعلى لقوات الأمن الداخلي الذي انعقد يوم الاثنين 10 يناير/كانون الثاني الجاري، وقالت إن المجلس ناقش ملفات عدة من بينها الوضع الأمني العام بالبلاد وتعزيز التنسيق من أجل التصدي للإرهاب والبتّ في 6 ملفات إحالة إلى التقاعد الوجوبي، دون أن تذكر أسماء المَعنيين بذلك.
من جهتها، قالت وسائل إعلام تونسية إن من بين المحالين إلى التقاعد الوجوبي شخصيات عملت بإدارة الحدود والأجانب، ومشرفين أمنيين على سفارات تونسية في الخارج، ومديرا عاما سابقا بوزارة الداخلية.
وتأتي هذه الإحالة ضمن سلسلة من الإقالات والإعفاءات لعدد من المسؤولين والقيادات في مناصب عليا بالدولة التونسية منذ 25 يوليو/تموز الماضي، حين فرض الرئيس قيس سعيد إجراءات استثنائية من بينها تجميد أعمال البرلمان وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وإقالة رئيس الوزراء وتعيين حكومة جديدة.
وترفض غالبية القوى السياسية والمدنية في تونس -ومن بينها حركة النهضة- تلك الإجراءات وتصفها بأنها انقلاب على الدستور، بينما تؤيدها قوى أخرى ترى فيها تصحيحا لمسار ثورة 2011 التي أنهت حكم زين العابدين بن علي.
من هو فتحي البلدي؟
عمل فتحي البلدي (56 سنة) قبل الثورة مسؤولا أمنيا في قسم إدارة الحدود والأجانب بوزارة الداخلية، وتعرض للاعتقال سنة 1991 في عهد نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي بتهمة الانتماء إلى تنظيم محظور (حركة النهضة)، وقضى 6 سنوات و8 أشهر في السجن، إلى أن أفرج عنه عام 1997.
بعد ثورة 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، ومع إصدار قانون العفو التشريعي العام سنة 2011، أعيد فتحي البلدي إلى منصبه وتقلّد منصب مستشار وزير الداخلية، علي العريض، في حكومة حمادي الجبالي.
ما علاقته بالبحيري؟
يؤكد هشام البلدي، شقيق فتحي البلدي، للجزيرة نت، عدم انتماء أخيه إلى أي جهة سياسية “في الماضي أو في الحاضر”، وأن “اسمه حُشر في عهد النظام السابق نظرا لارتباطاته الأسرية ببعض الأسماء التي تنتمي للنهضة”.
كما نفى شقيقه بشدة ما عدّها إشاعات عن قربه من قياديين كبار في حركة النهضة، من بينهم نور الدين البحيري، مؤكدا أنه “كان اجتماعيا وتربطه علاقات طيبة مع الجميع”.
وانتقد إحالة شقيقه إلى التقاعد الإجباري بتبريرات رآها “واهية” مثل “الولاءات، ووصف ذلك “بالعبث الذي يحدث في صلب وزارة الداخلية منذ الثورة إلى اليوم”.
هل “اختُطف”؟
تقول عضوة هيئة الدفاع عن فتحي البلدي المحامية لطيفة الحباشي إنه “اختُطف” يوم الجمعة 31 ديسمبر/كانون الأول 2021، الساعة العاشرة والنصف صباحا، من أمام منزله في محافظة أريانة (شمال غرب العاصمة)، على يد عناصر أمنية بزي مدني، واقتيد إلى جهة غير معلومة حتى الآن.
وتعدّ المحامية موكلها “مختطفا ومختفيا قسريا”، لأسباب مجهولة، إذ لا يوجد أي إذن قضائي “بسلب حريته”.
وتؤكد الحباشي للجزيرة نت عدم وجود أي اتهام موجّه للبلدي، وأن هيئة الدفاع عنه أُعلِمت فقط بأنه “يمكن أن يكون قد وُضع قيد الإقامة الجبرية”، دون التمكن من الاطلاع على قرار فرض هذا الإجراء عليه أو على أي وثيقة تثبت أنه قيد هذه الإقامة.
وتقدّمت هيئة الدفاع بشكاوى متعددة محلية لدى وكلاء الجمهورية بمنطقة تونس الكبرى، وأخرى دولية لدى فرق العمل المعنية والتابعة لمنظمة الأمم المتحدة بعنوان “الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري”.
وأشارت المحامية لطيفة الحباشي إلى أن الدولة التونسية “باختطافها” المواطن فتحي البلدي قامت بخرق القوانين الوطنية، وعلى رأسها الأمر رقم (550) لسنة 2011، المتعلق بالمصادقة على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، واتفاقية الأمم المتحدة التي تعدّ الإخفاء القسري “جريمة ضد الإنسانية”، و”تمنع احتجاز أي شخص في مكان دون إذن قضائي ودون تمكين محاميه من زيارته ومن العناية الطبية اللازمة”.
زيارة مشروطة
وبعد طلب مركز الحرس الوطني ببرج العامري بمحافظة منوبة (شمال شرق) من أسرة البلدي إحضار بعض المستلزمات له، وصلت الأسرة مع هيئة الدفاع عنه وشاهدين عدليين، الأربعاء الخامس من يناير/كانون الثاني الجاري، إلى المركز ولم يسمحوا إلا لعائلته بلقائه مشترطين عدم سؤاله عن مكان اعتقاله، وفق محاميته.
وحسب المحامية، أُحضر فتحي البلدي من مكان آخر، “وذلك يعني أنه ليس محتجزا في المركز المذكور، وأنهم حتى الساعة يجهلون مكان إخفائه”.
وعن حالته الصحية، يقول شقيقه هشام إنهم تمكنوا من مقابلته نصف ساعة فقط، ولم يكونوا بمفردهم، وإن فتحي أعلمهم بأنه تلقى “نوعا ما” معاملة لائقة، وأن “ظروف إقامته عادية ومتواضعة ومرضية”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس