تونس: سعيّد يعلن وضع أحكام انتقالية ويبقي على الإجراءات الاستثنائية

51

أفريقيا برستونس.  أكد الرئيس التونسي قيس سعيّد في خطاب ألقاه في محافظة سيدي بوزيد باستمرار التدابير الاستثنائية التي أقرها في 25 من تمّوز/يوليو الماضي، والتي جمد بمقتضاها أعمال البرلمان وتولى السطة في البلاد إثر إقالته رئيس الحكومة هشام المشيشي. وأضاف بأنه سيتم تكليف رئيس حكومة جديد. واعتمد سعيّد في ذلك على الفصل 80 من دستور 2014 .

أعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد أنّه سيكلّف رئيس حكومة جديد لكنّه سيبقي على الإجراءات الاستثنائية التي أقرّها منذ حوالي شهرين وجمّد بموجبها عمل السلطة التشريعية ومنح نفسه صلاحيات واسعة.

وقال سعيّد في خطاب ألقاه في محافظة سيدي بوزيد التونسية ، مهد ثورة 2011 إنّ “هذه التدابير الاستثنائية ستتواصل وقد تمّ وضع أحكام انتقالية وسيتمّ تكليف رئيس حكومة ضمن أحكام انتقالية تستجيب لإرادتكم”. وأعلن سعيّد في كلمته أنّه “سيتمّ وضع مشروع قانون انتخابي جديد”. وأضاف “إنّنا اليوم في مرحلة تاريخية” وهي تواصلٌ للثورة.

وفي 25 تمّوز/يوليو الفائت أعلن سعيّد تدابير استثنائية جمّد بموجبها عمل البرلمان وأقال رئيس الحكومة هشام المشيشي وتولّى بنفسه السلطة في البلاد. واستند سعيّد في قرارته على الفصل 80 من دستور 2014 الذي يخوّل رئيس الجمهورية اتّخاذ “تدابير استثنائية” إذا ما كان هناك “خطر داهم” يتهدّد البلاد.

وكان الرئيس التونسي لمّح في تصريحات سابقة إلى إمكانية تنقيح الدستور الذي أقرّ نظاماً سياسياً هجيناً يقوم على المزج بين النظامين البرلماني والرئاسي.

وسعيّد أستاذ قانون دستوري سابق وانتخب نهاية العام 2019 بغالبية فاقت السبعين في المئة من الأصوات ومنذ تولّيه الرئاسة دخل في خلافات مع البرلمان ورئيسه راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة احتدّت وتيرتها شيئاً فشيأ.

وينتقد مراقبون وحقوقيون القانون الانتخابي الذي أفرز في الانتخابات النيابية في العام 2019 برلماناً بكتل صغيرة ومشتّتة وتوجهات سياسية مختلفة ما أثّر على عمله لاحقاً وخصوصا في التوافق على المصادقة على القوانين.

“لن يعودوا أبدا”

وكانت حركة النهضة التي تمتلك أكبر كتلة في البرلمان (51 نائباً من مجموع 217) ندّدت بقرارات الرئيس، واصفة إياها “بالانقلاب على الثورة والدستور” ودعته للتراجع عنها مراراً، لكن سعيّد دائما ما يؤكد في تصريحاته أن “لا رجوع إلى الوراء”.

كما عبّر عدد من السياسيين والمختصّين في القانون عن مخاوفهم من أن يؤدّي تولّي سعيّد كلّ السلطات إلى حدوث “انحراف سلطوي” في تونس، البلد العربي الوحيد الناجي من تداعيات “الربيع العربي”.

“الشعب يريد حلّ البرلمان”

وفي سيدي بوزيد، المدينة التي انطلقت منها رياح “الربيع العربي” بشعار “الشعب يريد إسقاط النظام” بعدما أضرم الشاب محمد البوعزيزي النار في نفسه في 17 كانون الأول/ديسمبر 2010 احتجاجاً على معاملة الشرطة له ليتوفّى لاحقاً متأثراً بجراحه، هتف المحتشدون أمام سعيّد “الشعب يريد حلّ البرلمان”.

وأوضح سعيّد أنّ النواب “لن يعودوا أبداً” لأنّ البرلمان “كان حلبة صراع… شتم وعنف. كيف يمكن أن يكونوا ممثّلين للشعب وأصواتهم تباع وتُشترى؟”.

ولقيت قرارات سعيّد ترحيباً واسعاً من شريحة واسعة من التونسيين في 25 تمّوز/يوليو الماضي وقد خرج كثيرون منهم للاحتفال ولا سيّما بعد فرض منع السفر أو الإقامة الجبرية على العديد من الشخصيات والسياسيين ورجال الأعمال فضلاً عن توقيف وملاحقة نواب في البرلمان قضائياً بعد أن رُفعت عنهم الحصانة النيابية.

ودفعت هذه الإجراءات منظمات حقوقية دولية وتونسية للتعبير عن قلق “واضح وجليّ” من تراجع في الحريات في البلاد والتي كفلها الدستور.

وقال سعيّد “ليسمع العالم كلّه، الأحكام المتعلّقة بالحقوق والحريّات التي نصّ عليها الدستور ستبقى سارية المفعول، عملت على أن لا يتمّ المساس بأية حرية”.

وتظاهر مئات بينهم العديد من أنصار حزب النهضة في تونس العاصمة السبت ضدّ التدابير التي اتخذها سعيّد وردّدوا شعارات تطالب بالعودة إلى “الشرعية”. وسخر سعيّد من تلك التظاهرة، قائلاً “لم آت لوضع مسرحية كما رأيت منذ يومين مخرجها معروف وفاشل”.

تشكيل الحكومة

وحول ما يتمّ تداوله بخصوص تأخر تشكيل الحكومة ومرور الوقت، قال سعيد إنه “ترك الوقت يمر للفرز بين الوطنينين الأحرار وبين من باعوا الوطن، وحتى تسقط عن البعض آخر ورقة توت”، مؤكدا “وجود من كان فرحا لانتظاره منصبا أو مسؤولية”، ومبيّنا في الآن نفسه “أنّ القضية ليست قضية حكومة بل قضية منظومة كاملة سقطت أوراقها.. وكلما مرّ يوم إلا وتمّ حصر الفرز بين المواطنين الأحرار وغيرهم”.

توزيع الأموال لاثارة الفوضى

واتهم قيس سعيّد خصومه بالفشل “رغم توزيعهم للأموال”، مبيّنا أن قدومه إلى ولاية سيدي بوزيد، جاء، حسب قوله، “في الوقت الذي يلتقي فيه من يتآمرون على الوطن في النزل والمطاعم والأماكن التي تعودوا أن يتخفوا فيها”، متابعا القول “أتيت إلى هنا.. وليس للوقوف على مدارج المسرح البلدي وعرض مسرحيات كما رأيتم ذلك منذ يومين مخرجها معروف وفاشل.. رغم توزيع الأموال لم يحشدوا إلّا بضع العشرات، كما أنهم وزعوا الخمور في الخارج، ولم يأت اليهم إلا بعض المخمورين مثلهم”، وفق تعبيره.

وشدد على أنه “لا مجال للتراجع أبدا”، منتقدا حديث البعض عن “الحيرة أو الارتباك”، ومبيّنا أنّ “تلك طريقتهم لإدارة الأزمات التي يفتعلونها، إضافة إلى بث الفوضى والفتنة والشك والهلع والارتباك”.

منظومة العمل في تحسن

واعترف رئيس الجمهورية بأنه كان يتوقّع من بعض الأشخاص أن تكون أفعالهم كما صرحوا بها وتعهدوا بها أمامه، لكنه اكتشف منذ الأيام الأولى أن “الأهداف الحقيقية والمبطنة لمن يتظاهر بالصدق والحق، هي مزيد التنكيل بالشعب وبكل صوت حر في محاولة لاجهاض الثورة”.

واعتبر أن “القضية ليست قضية حكومة، بل قضية منظومة كاملة.. وكلما مر يوم إلا وبقي فقط المواطنون الأحرار.. والدليل على ذلك تحسن المنظومة العمومية، رغم العديد من سلبياتها، حيث تم في ظرف 3 أسابيع توفير الأكسجين واللقاحات وكل ما يحتاجه المواطنون، وسيبلغ عدد الملقحين الأسبوع القادم 5 ملايين، وهو ما لم يحدث سابقا”.

وأكد سعيد أنه اختار المجيء إلى ولاية سيدي بوزيد لأنها مهد الثورة، وللتأكيد على أنه مازال على العهد ولن يتراجع أبدا قيد أنملة عن شعار “الشعب يريد”، خاصة في ظرف تتتالى فيه التحديات، ومازالت تشهد فيه البلاد العديد من الأزمات المفتعلة، “وبالتالي فلا مجال للتراجع أو الحيرة أو الارتباك”، مشددا على أنه “لن يتخلى عن أهدافه إلا بالنصر.. فلا خيار إلا بالموت او الانتصار”، حسب تعبيره.

وأشار إلى أنه “هناك من يحاول بث الفوضى والفتنة في البلاد” وبث الشك والهلع والارتباك، معتبرا انه “لم يكن هناك انتقال ديمقراطي، بل انتقال من فساد إلى فساد”، وأن “الخطر مازال جاثما، ولا يمكن له أن يترك الدولة كدمية تحرك من وراء الستار”.

14 يناير يوم إجهاض الثورة

وقال رئيس الدولة إن التاريخ الحقيقي لثورة تونس هو يوم 17 ديسمبر 2010، اليوم الذي انطلقت فيه الثورة من ولاية سيدي بوزيد، لأن 14 يناير / كانون الثاني 2011، هو، وفق تقديره، “تاريخ إجهاض الثورة”، معتبرا أن قراراته يوم 25 يوليو، هي “حركة ثورية تصحيحية للانفجار الثوري الذي انطلق من سيدي بوزيد”.

وبين قيس سعيد أنه سيأتي اليوم الذي سيكشف فيه كل الحقائق بالوثائق والأرقام، لأنه الآن ملتزم بواجب التحفظ، ولكنه “لن يتعامل أبدا مع الخونة، وقد جاء يوم الحساب”، وأنه “اختار أن يتحمل المسؤولية في ظل احترام الدستور”، الذي قال إن من سنوه قد “وضعوه على مقاسهم”.

الحريات العامة

على صعيد متصل، لاحظ رئيس الجمهورية مخاطبا الجهات الداخلية والخارجية المؤكدة على ملف الحقوق والحريات، أن الأحكام التي نص عليها الدستور، والمتعلقة بالحقوق والحريات ستبقى، ولن يتم المساس بها، مؤكدا في حديثه عما تعرض إليه من نقد وتهجم من قبل بعض الأطراف، أنه “لم يمس بحق أي كان، ولم يرفع أي قضية على الإطلاق، لأن القضية قضية شعب وليست قضية شخص”.

وأوضح انه اتخذ القرار يوم 25 دون أن يعلم أحدا “ليكون مسؤولا أمام الله وأمام الشعب، ولشعوره بالمسؤولية وللحفاظ على الدولة”، حيث استدعى رئيس الحكومة إلى المكتب بقصر الرئاسة وطلب منه ألا يحضر الاجتماع، وهاتف رئيس مجلس النواب لتجنيبه عناء التنقل.

يشار إلى أن رئيس الجمهورية، قيس سعيد، قد وصل عشية الاثنين إلى ولاية سيدي بوزيد في زيارة غير معلنة، انطلقت باجتماع بوالي الجهة بمقر الولاية وسط تعزيزات أمنية كبيرة، وانتهت بكلمة ألقاها من أمام مقر الولاية.

وتجمع أمام مقر ولاية سيدي بوزيد مساء الاثنين عدد كبير من المواطنين الذين رفعوا شعارات الثورة “شغل حرية كرامة وطنية” وطالبوا بحل البرلمان ومحاسبة كل من تورط في سرقة ونهب الشعب وتعميق أزمته وبتطبيق القانون عدد 38 المتعلق بالانتداب الاستثنائي في القطاع العمومي للذين يفوق سنهم 45 سنة، والمطالبة بالتشغيل والتسريع في إنجاز المشاريع الكبرى المبرمجة في الجهة، وحل إشكالية المعهد النموذجي، وإقالة والي الجهة.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here