شكاوى من غياب ضمانات المحاكمة العادلة في تونس

25
شكاوى من غياب ضمانات المحاكمة العادلة في تونس
شكاوى من غياب ضمانات المحاكمة العادلة في تونس

بسمة بركات

أفريقيا برس – تونس. مع اقتراب موعد محاكمة المتهمين في ملف “التآمر على أمن الدولة”، الذي أوقفت السلطات التونسية بموجبه، منذ فبراير/ شباط 2023، قيادات وشخصيات سياسية وإعلامية، لا سيما من المعارضين للرئيس قيس سعيّد، أكد محامون وسياسيون أن شروط المحاكمة العادلة في تونس غير متوفرة حالياً، فيما دعا بعضهم إلى مقاطعة جلسات المحاكمة، المقررة في الرابع من مارس/ آذار المقبل، نظراً إلى عدم احترام الإجراءات والقانون. تشمل المحاكمة أغلب أطياف المعارضة التونسية، من بينهم زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، والأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، والأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي المعارض غازي الشواشي. وتعتبر المعارضة أن هذا الملف لا يعدو كونه محاكمة سياسية لإسكات صوت المعارضة.

ورغم أن تهمة “التآمر على أمن الدولة” لا تشمل التهم الموجهة لرئيسة الحزب الحر الدستوري عبير موسي، المسجونة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، فقد دعت في بيان، الجمعة الماضي، المحامين إلى عدم تمثيلها في القضايا المثارة ضدها (منها الإساءة للهيئة العليا المستقلة للانتخابات وإثارة الفوضى) بسبب الإجراءات الصادرة عن “مرفق قضائي مسيّر خارج إطار الدستور”. من جهته، قال القيادي في التيار الديمقراطي هشام العجبوني، على صفحته في منصة فيسبوك أول من أمس السبت، إنه “يتفق تماماً مع موقف عبير موسي المتمثّل في دعوة المحامين والمحاميات لعدم الترافع عنها أمام المحاكم التونسية، لأن شروط المحاكمة العادلة في تونس غير متوفّرة”. وعبّر عن تضامنه “المطلق معها في ما تتعرّض له من مظلمة وتعسّف في تطبيق القانون”.

وأوضح العجبوني أن “محاكمات الصحافيين محمد بوغلاب وسنية الدهماني ومراد الزغيدي وبرهان بسيس، والسياسيين (الأمين العام للاتحاد الشعبي الجمهوري) لطفي المرايحي وعبير موسي و(رئيس حزب عازمون) العياشي الزمال و(القيادي بحركة النهضة ووزير العدل الأسبق) نور الدين البحيري، على سبيل الذكر لا الحصر، أثبتت أن مرافعات المحامين، على تميّزها، لا تقوم إلا بإضفاء شرعية على قضاء يفتقد إلى الاستقلالية والنزاهة والذّوق، ويصدر فيها القضاة أحكامهم تحت الضغط وسيف الإعفاء ومذكّرات العمل المسلّطة عليهم”. واعتبر أنه “على أبواب محاكمة المتهمين في ما يسمى بقضية التآمر على أمن الدولة، إذ إن الجلسة الأولى يوم 4 مارس/ آذار 2025″، يتعين “على محامي الدفاع والمتهمين في القضايا السياسية وقضايا الرأي الإعلان عن مقاطعة جلسات المحاكمات واعتبارها غير شرعية”. هذه المقاطعة، وفق العجبوني، يجب أن تستمر إلى أن تُحترم معايير المحاكمة العادلة في تونس “ويسترجع القضاء جزءاً من استقلاليته عبر إرساء المحكمة الدستورية وتركيز مجلس أعلى للقضاء يُنتخب من القضاة ويحرّر إدارة المرفق القضائي، ولو جزئياً، من سلطة وزيرة العدل (ليلى جفال)”.

ملاحقات سياسية

من جهته، شدّد القيادي في حركة النهضة محسن السوداني، على أن “أغلب الملاحقات القضائية ذات صبغة سياسية، خصوصاً بعد 25 يوليو/ تموز 2021 (تاريخ بدء الإجراءات الاستثنائية لسعيّد من تعليق البرلمان وحل مجلس النواب والمجلس الأعلى للقضاء ولاحقاً تغيير الدستور)”. وأوضح أن “الموقوفين في ما يعرف بقضية التآمر مضى على سجنهم نحو عامين من دون أن توجد أي أدلة تثبت أي شيء ضدهم”.

أما في ما يتعلق بالقضاء، فأشار السوداني إلى “ما حصل لـ57 قاضياً جرى عزلهم بمجرد قرار (من سعيّد عام 2022)، ورغم إنصاف القضاء الإداري لهم وطلبه إرجاعهم إلى مناصبهم، إلا أن ذلك لم يحصل”. وبرأيه، فإن ذلك يثير “شكوكاً حول استقلالية القضاء”. وعن تأثير ذلك على المحاكمة العادلة في تونس، أوضح أنه “أصبح بعض القضاة يمتنع عن ترؤس بعض القضايا خوفاً من العقوبات المسلطة من السلطة التنفيذية، فيما يخشى البعض الآخر الضغوط، وبالتالي أصبحت هناك حالة من الخوف في صفوف القضاة، ما قد يؤدي إلى غياب شروط المحاكمات العادلة”.

وبشأن دور المحامين، لفت السوداني إلى أن “العديد من المحامين يترافعون عن المتهمين، ويقدمون البراهين والأدلة وسط مرافعات ذات أسس قانونية، لكن لا تؤخذ بعين الاعتبار في نهاية الأمر، ما يجعلهم يفقدون الثقة تماماً بالقضاء”. وأضاف أن ذلك “دفع بعض المتهمين، كرئيس البرلمان المنحل راشد الغنوشي، إلى رفض حضور المحاكمات والتحقيقات بسبب الشكوك في استقلالية القضاء وغياب الثقة به، ما يزيد من تعميق الأزمة السياسية”. وبيّن السوداني أنه ليس مع المقاطعة التامة للجلسات، مضيفاً أنه “ربما يمكن ذلك لجلسة أو اثنتين للاحتجاج وإشعار الرأي العام بغياب المحاكمة العادلة في تونس”. واعتبر أنه “مع ذلك، لا بد من مواصلة حضور المحامين وإطلاع الرأي العام على ما يحصل، والمطالبة بجلسات علنية لمثل هذه القضايا، لأن العلنية والكشف عن طبيعة هذه الملفات يخدمان القضايا، خصوصاً في قضايا تصل عقوبتها إلى الإعدام”.

غياب المحاكمة العادلة في تونس

بدورها، اعتبرت دليلة مصدق، عضو هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين، وشقيقة القيادي في جبهة الخلاص جوهر بن مبارك الذي يشمله ملف “التآمر”، أن “أكبر إهانة تحصل للمحامي هي أن يصبح عمله ودفاعه من دون أي قيمة ومن دون أي نتيجة”. وأوضحت أنه “في غياب القضاء المستقل، يصبح دور المحامين من دون فائدة، وكأنه تبييض للمحاكمات السياسية”، مضيفة أن “هناك حالة إحباط ويأس كبيرة (لديهم)، خصوصاً أنهم عاجزون عن القيام بدورهم لأن الأحكام أصبحت شبه جاهزة وتصدر وفق قرارات سياسية ومن دون وجود أي جريمة”. وبيّنت أن “تغييب الرأي العام وسرية المحاكمات يجعلانها صورية ومن دون أي معنى”. وعن طريقة الاحتجاج على هذه المحاكمات، قالت إن “بعض المحامين اختار عدم المشاركة في محاكمات صورية ومقاطعة القضاء، مثل لجنة الدفاع عن الغنوشي”. ولفتت مصدق إلى أنهم (هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين) “ما زالوا يدرسون قرار الحضور من عدمه، أي المقاطعة في جلسة قضية التآمر، وهو ما سيتحدد لاحقاً”.

كذلك، رأى المحامي صابر العبيدي، أنه في “جلّ القضايا السياسية وقضايا الرأي”، لا توجد ضمانات لتحقيق المحاكمة العادلة في تونس. واعتبر أن “المسألة تحوّلت إلى مسرحية، إذ سواء كان هناك ترافع من قبل المحامين أو لا، فإن النتيجة واحدة”. وأوضح أنه في قضية نائب رئيس حركة النهضة نور الدين البحيري التي يترافع فيها، “فإنه يحاكم على تدوينة أثبت الاختبار الفني (البحث) أنها غير موجودة ورغم انسحابهم (المحامين)”، نظراً إلى غياب المحاكمة العادلة في تونس، “فقد حوكم بعشر سنوات سجناً، فما بالنا بملف التآمر؟”. أما في الملف الحقوقي وقضايا الرأي والقضايا السياسية، فباعتقاد العبيدي أن “جل جهود المحامين من الزيارات المتتالية والإنابة والترافع تكاد لا تفضي إلى أي نتيجة”، مضيفاً أن “حضورهم للترافع أصبح يشعرهم بالحرج وكأنهم جزء من مسرحية”. وأشار إلى أنه “مع المقاطعة الجماعية، سواء للمتهمين أو المحامين، طالما لم تتوفر شروط المحاكمة العادلة في تونس”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here