عاملات الزراعة في تونس يكسرن حاجز الصمت للدفاع عن حقوقهن

53
عاملات الزراعة في تونس يكسرن حاجز الصمت للدفاع عن حقوقهن
عاملات الزراعة في تونس يكسرن حاجز الصمت للدفاع عن حقوقهن

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. كسرت عاملات القطاع الزراعي في تونس حاجز الصمت، حيث اخترن طريق الاحتجاج للدفاع عن حقوقهن المنهوبة، ولتذكير السلطة بضرورة الالتزام بتعهداتها تجاههن، والمضي في تطبيق الوعود الحكومية التي مازلت مجرد حبر على الورق.

ونفذت عاملات الزراعة في مدينة جبنيانة التابعة لولاية صفاقس تحركات احتجاجية على مدار يومين متتالين، للمطالبة بتفعيل المرسوم المتعلق بصندوق الحماية الاجتماعية على أرض الواقع، والقطع مع أشكال العمل الهش والتهميش، وضمان حقوق العاملات الأساسية، وأبرزها الحق في أجور متساوية مع الذكور، ووسائل نقل آمنة، وتغطية صحية.

وأوضحت منيرة بن صالح المنسقة الوطنية لعاملات الزراعة في مدينة جبنيانة في حديثها لـ”أفريقيا برس” أن “هذه الاحتجاجات نتيجة عدة تراكمات، حيث أن وضعية المرأة الريفية هي وضعية مهينة، فهي إلى الآن لا تتمتع بتغطية صحية لضمان حقها في العلاج، وأجرها مازال زهيدا، إضافة إلى ما تتعرض له من مخاطر أثناء تنقلها اليومي إلى العمل في شاحنات مكتظة وغير آمنة”.

وتابعت “هؤلاء النساء يشعرن بالظلم والاستغلال وغياب المساواة، فهن يعملن في ظروف قاسية في الصيف والشتاء دون رقابة”.

ولفتت إلى أنه “منذ أربع سنوات، قامت 400 عاملة زراعية في مدينة جبنيانة بتنفيذ تحرك احتجاجي للمطالبة بتحسين أوضاعهن المعيشية، ومنذ ذلك الحين نترقب التفاعل الحكومي، وقد بدأنا في التعريف بهذه القضية أكثر للرأي العام”.

وأوضحت أن “مطالب العاملات اليوم هو تطبيق المرسوم الخاص بصندوق الحماية الاجتماعية”.

وعلقت “صحيح إحداث هذا الصندوق خطوة إيجابية، لكن التلكؤ في تنفيذه يفاقم من معاناة العاملات، لا يتطلب هذا المرسوم مزيد من الانتظار أكثر، ويجب تفعيله في أقرب وقت”.

ورأت أنه “رغم دور المرأة الريفية في توفير الأمن الغذائي بالبلد، إلا أن الحكومات المتعاقبة مازالت لا تعترف بمهنتهن، وتعتقد أنه “حان الوقت للاعتراف بدورهن الكبير في دعم الاقتصاد والقطاع الزراعي بالخصوص”.

وكانت الحكومة التونسية قد أحالت مشروع قانون ضمن قانون الموازنة لسنة 2025، يرمي إلى إنشاء أوّل صندوق للحماية الاجتماعية للعاملات بالقطاع الزراعي، الذي من شأنه أن يضمن التغطية الاجتماعية، وكذلك تحقيق الدمج الاقتصادي للعاملات في هذا القطاع.

وأبدت العاملات استيائهن من مماطلة الحكومة في تطبيق تنفيذ هذا القانون رغم حجم المخاطر اللاتي يتعرضن لها يوميا خلال تنقلهن إلى العمل إلى الحقول عبر عربات وشاحنات غير آمنة، الأمر الذي ينجم عنه وقوع حوادث مرور وسقوط ضحايا وجرحى بين فترة إلى أخرى.

وسجل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وقوع حوالي 87 حادثا منذ سنة 2015 حسب إحصائياته الأخيرة، وقد خلفت هذه الحوادث وفاة 65 ضحية وإصابة 955 عاملة بجروح متفاوتة. كما سجل المنتدى وقوع حادثين منذ مطلع يناير الجاري في ولاية سيدي بوزيد التي تحتل المرتبة الأولى في ترتيب الجهات الأكثر تسجيلا لحوادث نقل عاملات الزراعة.

وتستنكر الأوساط الحقوقية في تونس سياسة المماطلة التي تنتهجها الحكومات لإيجاد حل لوضعية المرأة الريفية الهشة، حيث لم توفر الحكومات المتعاقبة منذ ثورة يناير التمويلات اللازمة لتنفيذ هذه القوانين.

وأشار ناظم الفقي، مدير النيابة الجهوية للاتحاد الوطني للمرأة التونسية بصفاقس، في حديثه مع “أفريقيا برس” إلى أن “احتجاجات العاملات في جبنيانة، تأتي للتنديد بالوضع المتردي للمرأة العاملة بالقطاع الزراعي وسط صمت حكومي مريب ومستمر”.

وتابع بالقول “في الواقع هو موضوع شائك وتتداخل فيه عديد الأطراف، مثلا مسألة النقل، هناك وعود حكومية بتحسينه وتأمين نقل العاملات، في حين أن تطبيقه في الواقع يبدو صعب، حيث لا يمكن توفير النقل في المسالك الزراعية ولا يمكن كذلك تتبعها”.

وأبرز أنه “رغم الأجر الزهيد، إلا أنه العاملة في القطاع الزراعي مضطرة للقبول به باعتبار أنه مورد رزقها الوحيد”.

وكشف أن “مساعدات الدولة المالية لهذه الطبقة الهشة لا تسمن ولا تغني عن جوع (240 دينار)، حيث تشمل هذه المنحة مصاريف الأكل والسكن والعلاج والدراسة وبقية المصاريف الأخرى، لذلك تجد المرأة الريفية نفسها مجبرة على العمل وتحمل ظروفه القاسية”.

ورغم حزمة الإجراءات الاجتماعية في قانون الموازنة الجديد والتي تهدف إلى تحسين واقع المرأة الريفية، إلا أن بقاءها مجرد حبر على ورق وعدم دخولها حيز التنفيذ يشكل خيبة أمل بالنسبة للعاملات الزراعيات، حسب ما ذكره الفقي.

وتستبعد أوساط سياسية قدرة الحكومة على تطبيق هذه الإجراءات بسبب ما تعانيه البلاد من ضائقة اقتصادية، إضافة إلى ضعف الإرادة السياسية لإيجاد حل لهذا الملف الذي لا تضعه على رأس أولوياتها.

وأكدت النائبة هالة جاب الله في حديثها مع “أفريقيا برس” أن “البرلمان في انتظار وصول المقترح الحكومي الخاص بالنساء الزراعيات ومناقشته بشكل معمق ثم المصادقة عليه، وقد رصدنا بعض الإخلالات في مشروع القانون المقترح، التي قد تسبب لهن بعض المتاعب”.

وشرحت بالقول “سنواجه صعوبة في تطبيق القانون الخاص بإحداث صندوق الخدمات الاجتماعية الذي مازال يتطلب مزيد من الوقت، الأمر الذي سيجعل المرأة العاملة بالقطاع الزراعي تضطر للبقاء في المنظومة القديمة رغم هشاشتها الاجتماعية، حتى لا تخسر المساعدة المالية الزهيدة التي تقدمها لها الدولة”.

واعتبرت أن “القانون الجديد لا يكفي لضمان حقوق العاملات الزراعيات، وأنه على الدولة التوجه نحو مقاربة تشاركية لإصلاح أوضاع هذه الفئة الهشة من المجتمع”.

واستنتجت أن “المرأة العاملة بالقطاع الزراعي هي ضحية الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد، وعلى الدولة الوعي بحجم معاناتها”.

وحسب مؤشّر التنمية الزراعية في تونس، الذي نشرته وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري سابقا، فإن المرأة الريفية تمثّل نسبة 35 في المئة من مجموع النساء التونسيات، و58 في المئة من اليد العاملة في الريف، مع ذلك، فإن 8 في المئة فقط من العاملات الزراعيات يتمتعن بالتغطية الاجتماعية، وأغلبهن يعملن خلال العمل الموسمي أي بشكل مؤقت.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here