بقلم : كريم السليتي
شاهد ملايين التونسيين المناظرة الرئاسية بين المرشحين للرئاسة السيد قيس سعيد والسيد نبيل القروي، كما تابع هذه المناظرة التلفزية ملايين العرب في كل أنحاء العالم، لأنه حدث اعلامي استثنائي في الوطن العربي لم يسبقنا إليه أحد رغم إمكانياتهم الضخمة.
الحدث كان استثنائيا بكل المعايير، وكان محط أنظار العالم بأسره، لكن كانت هناك نقطة سوداء وحيدة في هذه المناظرة، وهي ضعف كفاءة الصحفيين اللذان أدارا المناظرة ورداءة جودة الأسئلة المطروحة على المتناظرين.
ربما تعودنا كمشاهدين على كفاءات عالمية عالية في قنوات الجزيرة و البي بي سي عربي وقنوات إم بي سي، ونعلم جيدا أن أفضل الكفاءات الصحفية في تونس إما إختارات المهجر أو خيرت الإبتعاد على الأضواء في ساحة إعلامية صارت تتشح بالسواد والحقد الايديولوجي والعمالة لمن يدفع أكثر. لكن هذا لا يبرر اختيار صحفيين أثبتا فشلهما في المناظرة التلفزية السابقة وهاهم بالأمس يعيدون الكرة وأسوأ بكثير مما فات.
تلعثم، أخطاء نحوية بالجملة، أخطاء اتصالية يندى لها الجبين من تكشير في وجه المتناظرين ومحاولة توجيههما بالأعين والأيدي وحتى بمقاطعتهما قبل انتهاء الوقت المخصص لطرح أسئلة خارج السياق.
الصحفيين لم يحسنا إدارة المناظرة حيث كانا في كل مرة يذكران المتناظرين بأنه بإمكانهما التفاعل مع بعضهما ولما تفاعلا مع بعضهما أوقفاهما. الارتباك كان سيد الموقف لدى الصحفيين حتى انهما أثرا على تدخلات المتنافسين للرئاسة.
أستبعد حقيقة أن يكون الصحفيين من الجسم الصحفي التونسي حيث أنهما على ما يبدو لم يحصلا على أي شهادة علمية في الصحافة.
الأمر لايقف عند هذا السوء فالأسئلة المطروحة أثارت كثيرا من الحبر على مواقع التواصل الاجتماعي. صياغة الأسئلة كانت ردئية بحيث لم تكن مفهومة حتى أن أحد المرشحين أصبح يصلح الأخطاء اللغوية لتلك الأسئلة.
ليس هذا فقط فالأسئلة كانت تنم عن عقلية فاشية استئصالية لتوجيه المرشحين للرئاسة نحو زاوية معينة، فهي أسئلة كانت لإثارة الفتنة بنفسها المتشدد الذي يحمل خطاب كراهية وإقصاء ضد شريحة كبيرة من التونسيين و ضد الحزب الفائز بالانتخابات في تونس.
السؤال المطروح الآن: من أعد تلك الأسئلة وكيف تم اختيار الاشخاص الذين صاغوها؟ والظاهر أن اللجنة المكلفة بصياغة الأسئلة تنتمي كلها لنفس العائلة الفكرية الفاشية التي رفضها الشعب في الانتخابات التشريعية لتمسكها بخطابها الذي يروج للكراهية والفتنة بين أفراد الشعب.
عندما يطرح السؤال حول بلعيد والبراهمي والجهاز السري المزعوم وكأنها حقيقة مفروغ منها ولا يتم السؤال عن الرضع الذي قتلوا وتم لملمة الموضوع دون معاقبة أحد. تعلم جيدا أن هناك أكثر من مكيال في طرح تلك الأسئلة.
ثم عندما توجه أسئلة لأحد المرشحين من قبيل الذين يدعمونك من السلفيين و الرجعيين. أليس هذا خطاب كراهية وإقصاء لشريحة من الشعب التونسي، أليس هذا الخطاب يحمل نعت التونسيين بنعوت مذهبية خطيرة تهدد السلم الاجتماعي؟
والسؤال الذي نطرحه كتونسيين لمؤسسة التلفزة التونسية: من أنتم حتى تطرحوا هذه الأسئلة الخطيرة المشحونة كرها واقصاء واسلاموفوبيا؟ألا يفترض فيكم الحياد التام والاستقلالية والمهنية؟
لماذا تحاولون توجيه المرشحين للرئاسة لإقصاء وكره عامة التونسيين لأن عامة التونسيين محافظون على دينهم وهويتهم وقد أثبتوا ذلك من خلال إقصاء من يروجون الفتنة وخطابات التفرقة والكراهية من أمثال من أعدوا تلك الأسئلة التي تقطر حقدا على التونسيين الملتزمين.
عندما تفشل التلفزة الوطنية في أن تكون محايدة في حدث اسثنائي بهذا الحجم فأتصور أن على المرشح الرئاسي الفائز أن تكون أولويته خلال المائة يوم الأولى هي تنظيف مؤسسة التلفزة الوطنية من أدران الحقد الايديولجي ومنعها من ترويج خطابات الكراهية والفتنة بين التونسيين وتعزيز قيم المهنية والحياد والاستقلالية الفكرية عن التيارات السياسية.