أفريقيا برس – تونس. إنها أقل واجب تجاه أهلنا بغزة ومهمة حضارية”.. هكذا وصف فنانون وأكاديميون تونسيون مشاركتهم في أسطول الصمود العالمي الذي يتوجه إلى قطاع غزة في محاولة لكسر الحصار الإسرائيلي، وأكدوا إصرارهم على خوض الرحلة “المحفوفة بالمخاطر”.
وتحول ميناء سيدي بوسعيد بالعاصمة التونسية إلى منصة يلتقي فيها المودعون لذويهم وأصدقائهم، قبيل انطلاقهم ضمن أسطول الصمود في رحلة مشوبة بالمخاوف، بهدف كسر الحصار الإسرائيلي المفروض على الفلسطينيين في قطاع غزة.
وتحاصر إسرائيل قطاع غزة منذ 18 سنة، وبات نحو 1.5 مليون فلسطيني من أصل حوالي 2.4 مليون بالقطاع، بلا مأوى بعد أن دمرت حرب الإبادة مساكنهم.
وفي تصريحات أدلوا بها، أجمع فنانون وأكاديميون مشاركون في الأسطول، أن مشاركتهم “سلمية رافضة للعنف الإسرائيلي، وضد استمرار الحصار على غزة وتجويع أطفالها”.
وحتى مساء الأحد، غادرت 16 سفينة ضمن “أسطول الصمود”، موانئ قمرت وبنزرت وسيدي بوسعيد بتونس، في طريقها إلى قطاع غزة لمحاولة كسر الحصار الإسرائيلي، بحسب ناشط بارز في الأسطول، بينما يرتقب انطلاق السفن الراسية في ميناء سيدي بوسعيد للالتقاء في عرض البحر المتوسط، ثم التوجه لغزة.
والسبت، أعلنت اللجنة الدولية لكسر الحصار عن غزة، انطلاق أول سفينة ضمن أسطول الصمود العالمي من ميناء بنزرت، متوجهة نحو قطاع غزة.
ويضم “أسطول الصمود العالمي” حاليا قرابة 50 سفينة متجمعة بموانئ تونسية، من ضمنها قافلة مغاربية تضم 23 سفينة، بالإضافة إلى 22 سفينة أجنبية، على متنها مشاركون من عدة دول في أوروبا وأمريكا اللاتينية، إضافة إلى الولايات المتحدة، وباكستان، والهند، وماليزيا، بحسب متحدثين وناشطين بالأسطول.
فرصة لا تفوت
وقال الممثل التونسي محمد مراد: “أشارك في هذا الأسطول لأنه أقل الواجب، إذ أشاهد منذ نحو عامين ما يحدث في غزة (إبادة إسرائيلية)، وأول فرصة جاءتني لتقديم الدعم لأهلنا هناك لابد أن أغتنمها”.
واعتبر الرحلة ضمن الأسطول “فرصة لا يمكن تفويتها، لتقديم الدعم لأهلنا في غزة، وعدم السكوت عن الظلم والقهر الذي يتعرضون له”.
وبشأن الاستهداف المحتمل من الجيش الإسرائيلي للأسطول، قال مراد: “أي شخص يقرّر الذهاب يعرف المخاطر المنتظرة، لكنه ينتظر أفضل شيء وهو الوصول إلى غزة وكسر الحصار الإسرائيلي وتقديم الإعانات إلى أهلنا في غزة”.
وأضاف مراد: “التهديدات منتظرة ونعرف أنهم (الإسرائيليون) لن يسكتوا، ولكن الأهم أنه لا يوجد أحد تراجع، والجميع يريد الذهاب، وهذا زادنا ثباتا على الموقف وتحديا للذهاب”.
ورغم وجود “نقص نسبي في عدد المؤثرين والفنانين من تونس في الأسطول”، وفق مراد، إلا أن “الموضوع لم يعد موضوع فن أو عمل، بل هو موضوع إنساني، ومن يحس بإنسانيته أكثر من غيره هو المتحمس للذهاب”.
ومحمد مراد ممثل تونسي مواليد 1990 بتونس العاصمة، شارك في أفلام عديدة ومسلسلات تونسية أشهرها “ناعورة الهواء”، و”تاج الحاضرة”، و”الفلوجة”، وهي مسلسلات تابعها ملايين التونسيين.
أبسط واجب
في السياق نفسه، قال مغني الراب التونسي محمد أمين حمزاوي: “هذا أبسط واجب إنساني تجاه ما يقع في غزة، لذلك يجب أن أكون موجودا في أسطول الصمود، خاصة وأن الأطفال بغزة يموتون جوعا بسبب الحصار الإسرائيلي”.
ومصرا على المشاركة رغم المخاطر، أضاف حمزاوي: “لا يمكن أن يكون لي صفاء ذهني إلا بالمشاركة في هذا الأسطول”
ورجح حمزاوي وهو صاحب أغنية “حوماني” الشهيرة “أن تضربنا إسرائيل، ولكن من الغباء أن تضرب شخصا يقوم بواجب إنساني”.
مهمة حضارية
أما الأكاديمي التونسي سعيد بوعجلة قال: “أشارك في أسطول الصمود العالمي لأن مشاركتنا ضرورية لكسر الحصار الإسرائيلي، وهي مشاركة حازمة أيضا لأننا في حالة تحوّل حضاري”.
وأضاف بوعجلة: “نحن مقبلون على مرحلة ستكون الهندسة والإخراج فيها شرقي بامتياز، ونحن في مهمة حضارية أمام عربدة وتوحّش التحالف الصهيو- إمبريالي”.
وتابع الأكاديمي: “لا يسعنا إلا أن نرفع العقل والحضارة وقيم الإنسانية لمواجهة هذه الغطرسة المنقطعة النظير، وسلاحنا ومبادرتنا حضارية عقلانية بامتياز”.
وأدان “العنف العبثي الذي يمارسه الصهيوني (إسرائيل) برعاية وتوجيه من (الرئيس الأمريكي دونالد) ترامب”.
ووجه رسالة إلى ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قائلا: “انتهى عصر العبث والعربدة، وسيسود العلم والحضارة، وسينكفئ منطق التهور والتوحش”.
ونهاية أغسطس/ آب الماضي، انطلقت قافلة سفن ضمن الأسطول من ميناء برشلونة الإسباني، تبعتها قافلة أخرى فجر 1 سبتمبر/ أيلول الجاري، من ميناء جنوة شمال غربي إيطاليا.
وفي 7 سبتمبر الجاري، بدأت السفن القادمة من إسبانيا وإيطاليا ضمن “أسطول الصمود” بالوصول إلى سواحل تونس، تمهيدا للتوجه إلى غزة لكسر الحصار الإسرائيلي وفتح ممر إنساني لإيصال مساعدات لإغاثة الفلسطينيين المجوعين.
وبحسب مصادر اعلامية ومتحدثين باسم أسطول الصمود، فإن الأسطول يضم عشرات السفن ومئات المشاركين من 47 دولة عربية وغربية، بينهم سياسيون بارزون وفنانون وبرلمانيون.
وتعد هذه المرة الأولى التي يبحر فيها هذا العدد الكبير من السفن مجتمعة نحو غزة، في حين اعترضت إسرائيل في السابق سفنا منفردة متجهة للقطاع، واستولت عليها ورحّلت الناشطين على متنها.
ومنذ 2 مارس/ آذار الماضي، تغلق إسرائيل جميع المعابر المؤدية إلى غزة مانعة أي مواد غذائية أو أدوية أو مساعدات إنسانية، ما أدخل القطاع في مجاعة رغم تكدس شاحنات الإغاثة على حدوده.
وتسمح إسرائيل أحيانا بدخول كميات محدودة جدا من المساعدات لا تلبي الحد الأدنى من احتياجات المجوعين ولا تنهي المجاعة، لا سيما مع تعرض معظم الشاحنات للسطو من عصابات تقول حكومة غزة إن إسرائيل تحميها.
وبدعم أمريكي، ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة، خلّفت 64 ألفا و905 قتلى، و164 ألفا و926 مصابا من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، ومجاعة قتلت 425 فلسطينيا بينهم 145 طفلا.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس