افريقيا برس – تونس. السيّد وزير الخارجية الأسبق الحبيب بن يحي ، في 30 ديسمبر 2001 ، تمّ العثور على المرحوم علي السعيدي ، مدير إدارة المنظّمات الدّولية بوزارة الخارجية آنذاك ، مدفونا تحت متر و نصف من التراب في منزل امرأة اتُّهمتْ بقتله مع أختها و ابنها القاصر . تمّ الحكم على المرأتين بالمؤبّد .
سي الحبيب ، كان مساعدك و الشخصية الثالثة في وزارتك قد غادر مكتبه يوم الإربعاء 12 ديسمبر 2001 نحو قفصة ، بعد مكالمة هاتفية . قال إنّه مستعجل و لن يبطئ . مرّت الأيام و أطلقت زوجتُه المغربية صيحات فزع منذ 15 ديسمبر بلغ صداها وكالة الأنباء الفرنسيّة و بدأت صحف محلّية تتناول “اختفاء موظّف الخارجية” في تغطية هي من أغرب ما حصل في تاريخ الصحافة التونسيّة . بين 30 ديسمبر 2001 و 2 جانفي 2002 ، كان البحث البوليسي قد انتهى و أوقف المتّهمون و أدينوا و خُتم التحقيق القضائي بانتظار المحاكمة .
بعد إذنك سيّدي الوزير ، أنت كنتَ تعرف علي السّعيدي جيّدا عندما كان من أشرس معارضي بن علي حتى سنة 2000 . الوثيقة المصاحبة تثبت أنك كنت تتابعه و تتابع علاقتي به قبل التحاقه بوزارتك و لا بدّ أنك علّقْتَ آمالا عريضة على إمكانية تحسين علاقات السلطة بالمجتمع الأهلي الدّولي بفضل علاقات علي السعيدي الواسعة في الوسط الجمعياتي الدّولي . نودّ هنا سيدي الوزير أن نترك جانبا المسار القضائي و الصّحفي الرّسمي و نستذكر معك ما بقي في ذهنك من قصّة علي السعيدي الذي ترك طفلا إسمه سامي كان عمره 10 أعوام عند مقتل والده بتلك الطّريقة الشّنيعة ، و أنت قد بلغْتَ من الكبر عتيّا وتعرف و لا شكّ ما يفيد بلادنا و الحقيقة من هذه القضية التي لا نبالغ إذا قلنا إنها من سلسلة حشّاد و صالح بن يوسف و الهادي شاكر و المهدي بن بركة و و سواهم من ضحايا الجرائم السياسية الشّهيرة في منطقتنا .
سيّد الحبيب بن يحي ، في خصوص دوركم المباشر : هل كانت مصالح الرّئاسة هي التي تطلب منك متابعة نشاط علي في المهجر ؟ ماذا كانت مساهمتك في إقناعه بالعودة إلى تونس وهل كان منصبه إلى جانبك مكافأة على انسلاخه من المعارضة ؟
في آخر ديسمبر أصدرت وزارتك بلاغا تعلم فيه بتغيّب معاونك و بإعفائه نظرا لعدم وجود سبب شرعي لتخلّفه عن شغله في الوزارة . كانت تلك على حدّ علمي سابقة فريدة في تاريخ الإدارة العليا في البلاد . هل أنت من أصدر البلاغ أم أُصْدِر باسمك ؟ و في الأعمّ هل تابعْت اختفاء علي السعيدي تلك المدّة و ما كان موقف القصر ووزارة الدّاخلية ناحيتك كونك عَرْف الضّحيّة المباشر؟
صدر بلاغ نعي رسمي في جريدة لابراس الرسمية و لكنّ عائلة الفقيد تبرّأت منه و على أية حال لم يحضر الدّفنَ أحدٌ من طرفكم كوزير الإشراف و لا من طرف غيركم من الحكومة ، فماذا كانت مساهمتكم في تلك المناسبة ؟ في وقائع القضية عموما : كيف كانت أخبار المختفي تصل إلى صحفٍ بعينها قبل وفاته و بعدها ؟
ما رأيكم في تزامن “المجلس الجهوي” الإستثنائي و غير المبرمَج مسبقا لولاية قفصة برئاسة بن علي مع لحظة تغييب علي السعيدي يوم 12 ديسمبر 2001 ؟ و بشكل أوضح ، هل يُعْقَل أن يكون ذلك مصادفة ، خاصّة أن المصادر الرسمية نقلتْ عن بن علي ثناءه على “قفصة الوفية للتغيير” و تحذيره لمن كان غير ذلك في خطابه إلى المجلس الجهوي المذكور ؟
أنت تابعْتَ عن قرب نشاط علي السعيدي في أصقاع العالم (فيينا ، ديربان ، بيكين ، أوتاوا ، جينيف ، باريس …) و خاصّة لجهة كشف انخراط بن علي وإخوته في “الكسكس كونّكشن” في 1992 . بكلمة سي الحبيب : هل دفع علي ثمن تحدّيه لبن علي في شكل تصفية ثأر شخصي ؟؟
شكرا على تعاونك في إنارة مواطن الظّلّ في التاريخ السياسي التونسي الحديث ولعلّ ذلك يفيد في تطوير الحياة العامّة باتجاه تنقيتها من الممارسات المَخْزِنية المافياوية المغرقة في الإنحطاط . اقرأ أيضا: في ذكرى اغتيال علي السعيدي ، هل يتحرّر ضمير شهودنا على العصر قبل فوات الأوان
و يخصّ حديثُنا هذا كذلك في خصوص علي السعيدي و غيره من الضحايا السّادة كمال مرجان و محمد النّاصر و مجموعة القديم أحمد عياض الودرني و عبد الله القلال و الصادق شعبان و فتحي عبد الناظر و محمد جغام و حامد مليكة و عبد الحميد العابد و القائمة مفتوحة و سوف نسائلهم تباعا على أساس إسهاماتهم المكتوبة أو المصوّرة في وقائع طبعتْ العهد البائد . كلّ هؤلاء متقدّمون في السّنّ و بعضهم اعترفوا بثورة الشّعب و قاموا بمراجعات عميقة جعلتهم ينسجمون مع المشهد السياسي الجديد و حتى يعلنون افتخارهم بما أنجزه شعبهم في 14 جانفي ، مثل ما فعل ذلك ين محمد الغرياني و محمد الناصر منذ فجر الثّورة . مع تحيات خالد مبارك