في عيدهن الوطني.. نساء تونس يطالبن بالحفاظ على مكاسب المرأة

10
في عيدهن الوطني.. نساء تونس يطالبن بالحفاظ على مكاسب المرأة
في عيدهن الوطني.. نساء تونس يطالبن بالحفاظ على مكاسب المرأة

أفريقيا برس – تونس. أحيت نساء تونسيات، اليوم الوطني للمرأة، على غير المشهد المألوف في كل عام، حيث نظّمن مسيرة نسوية انطلقت من شارع الاستقلال وصولا إلى شارع الحبيب بورقيبة. لم تكن اللافتات المرفوعة تحمل عبارات تكريمية احتفالا بالمرأة، بل كانت تحمل صرخة احتجاجية.

بدعوة من منظمات وجمعيات حقوقية ونسوية، لم تخرج النساء هذه المرة للاحتفاء بالذكرى التي خُصصت منذ عقود لتكريمهن، بل كان رفضا قاطعا للاحتفال في ظل ما يصفنه بـ”تآكل المكاسب” و”تصاعد التهديدات” التي تهدد موقع المرأة التونسية في المجتمع.

بالنسبة للكثيرات، تحوّل هذا اليوم من مناسبة رمزية للفخر، إلى لحظة احتجاجية للتعبير عن الغضب من سياسات ووقائع يعتبرنها انتكاسة تاريخية لما تحقق للمرأة التونسية منذ الاستقلال.

وأفادت مصادر اعلامية في تونس أن المشاركات رفعن شعارات ترجمت غضبهن واستيائهن، من قبيل: “حريات حريات للنساء السجينات”، “نسوية نسوية، ضد الهجمة الرجعية”، “شغل، حرية، كرامة وطنية”، و”مساواة مساواة للنساء والجهات”.

وكانت الهتافات تتردد بقوة في الشوارع الضيقة المؤدية إلى قلب العاصمة، في مشهد أعاد إلى الأذهان تظاهرات نسوية سابقة، لكنه حمل هذه المرة نبرة أكثر تحديا وإصرارا على المواجهة.

ويأتي هذا التحرك وسط أجواء سياسية واجتماعية مشحونة، حيث تواترت في الأشهر الأخيرة تقارير عن انتهاكات لعدد من النساء السجينات شملت سجن شخصيات بارزة في مجالات مختلفة، من بينها المحامية سنية الدهماني، والصحفية شذى الحاج مبارك، والناشطة في مجال الهجرة سلوى غريسة، والناشطة الحقوقية شريفة الرياحي.

وبموازاة ذلك، سجلت منظمات المجتمع المدني ارتفاعا في حوادث قتل النساء وتصاعد موجة العنف الأسري والمجتمعي ضدهن، رغم وجود قوانين رائدة في المنطقة، مثل القانون عدد 58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة.

وترى الجمعيات النسوية أن هذه التطورات تكشف فجوة متزايدة بين النصوص القانونية والتطبيق الفعلي، وتؤكد أن المكتسبات التي ظلت لعقود تمثل استثناءً في المحيطين العربي والإقليمي لم تعد محصنة كما كانت، لذلك، كان النزول إلى الشارع في هذا اليوم رسالة مزدوجة: “رفض لما تصفه الناشطات بالتواطؤ مع العنف الممنهج، وتأكيد أن الحركة النسوية في تونس ما زالت قادرة على التعبئة والدفاع عن القضايا التي ترى أنها جوهرية لاستمرار دولة الحقوق والحريات”.

نساء تونس غاضبات

ومن قلب المسيرة النسوية التي جابت شوارع العاصمة، قالت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، رجاء الدهماني: “خروج النساء في اليوم الوطني للمرأة جاء هذه السنة في سياق مختلف، إذ قررت الجمعيات النسوية تحويل المناسبة إلى وقفة احتجاجية ضد ما وصفته بـ”الهجمة الرجعية” التي تستهدف مكتسبات المرأة”.

وشددت على أن “المسيرة التي نظمتها “جبهة النساء والمساواة” (ائتلاف جمعيات نسوية) تحمل رسالتين أساسيتين: الأولى أن الجمعيات النسوية تعمل بشكل موحّد لا منفرد، والثانية أن النزول إلى الشارع هدفه الدفاع عن حقوق النساء بشكل شامل، في ظل تصاعد جرائم قتل النساء، والعنف السيبراني، وتردي الأوضاع الصحية، وتراجع جودة التعليم والنقل، وإقصاء النساء من الفضاء السياسي، إضافة إلى ملاحقة الناشطات والزج بهن في السجون”.

وأضافت الدهماني: “نحن اليوم، وبمناسبة العيد الوطني للمرأة، فتحنا ملف مجلة الأحوال الشخصية بسبب ما تتعرض له النساء من تهديدات على مواقع التواصل الاجتماعي، وما نشهده من هبة مجتمعية قائمة على شعارات وأفكار مغلوطة حول هذه المجلة، التي نعتبرها جزءًا من مسار الحداثة والتنوير في تونس، حتى قبل صياغة أول دستور بعد الاستقلال”.

وأوضحت الدهماني، أن القوانين التونسية التي كانت محل فخر على الصعيدين العربي والإقليمي باتت شبه مجمّدة ولم يقع تطويرها، مشيرة إلى أن الجمعية تملك مشاريع قوانين مكتوبة وجاهزة للنقاش مع البرلمان، غير أن “أبواب البرلمان موصدة والحوار مقطوع بيننا وبين مؤسسات الدولة”.

وشددت على حاجة النساء في تونس إلى مزيد من القوانين التي ترفع التمييز وتحقق المساواة التامة، مذكّرة بالقانون عدد 58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، والذي وصفته بـ”ثورة تشريعية” ما زال تطبيقه يتعثر في المحاكم بسبب ما تعتبره “مرجعيات ثقافية ذكورية لدى القضاء التونسي”.

وأكدت الدهماني أنها “لا تدعو إلى تغيير مجلة الأحوال الشخصية، لما تتضمنه من مكاسب مهمة حفظت حياة التونسيات والتونسيين، ووصفتها بأنها علم البلاد والمرجعية الثقافية لتونس، لكنها في المقابل طالبت بمراجعة بعض الأحكام التمييزية، وعلى رأسها مسألة الميراث”.

وأشارت إلى أن “النساء يمثلن الحلقة الأضعف في ظل التفقير وتراكم الأزمات الاقتصادية وارتفاع الفوارق في الأجور وفرص العيش الكريم”، معتبرة أن “إقرار المساواة في الإرث بات ضرورة لحماية كرامة المرأة وتمكينها اقتصاديا، وهو مشروع قانون قدمته جمعيتها إلى البرلمان ولم تتم المصادقة عليه حتى الآن”.

مطالب بإطلاق سراح سجينات رأي

وقالت الناشطة النسوية نائلة الزغلامي: “جاء الاحتفال باليوم الوطني للمرأة هذا العام مثقلا بالغياب، حيث افتقدت المسيرة حضور مناضلات وناشطات من المجتمع المدني والإعلامي والنقابي والسياسي، غيبتهن ـ حسب قولها ـ الإيقافات”.

وأضافت: “جئنا اليوم لنرفع الصوت ونردد شعار: “مساواة، مساواة، إطلاق سراح كل السجينات”، مشيرة إلى أنهن يطالبن بقضاء مستقل ومحاكمات عادلة للنساء الموقوفات، اللواتي تعتبر أن قضاياهن “مفبركة ولا تستند إلى أي دليل إدانة”.

وأكدت الزغلامي أن “الناشطات اللواتي يقبعن اليوم خلف القضبان لسْن دعاة عنف، بل على العكس هن “دعاة حوار وداعمات لفئات هشة في المجتمع”، معتبرة أن “النشاط الحقوقي الذي يقمن به لا يستدعي الزج بهن في السجون”. وشددت على أن “الناشطات سيواصلن رغم التضييق المناصرة والحشد وإعداد التقارير ورفع التوصيات، إلى جانب النزول المتكرر إلى الشارع، من أجل إيصال صوتهن إلى أصحاب القرار السياسي، قائلة: “لقد بحّ صوتنا، لكننا لن نصمت”.

خريجات الجامعات يطالبن بحق التشغيل

وتزامنت هذه المسيرة النسوية مع تحرك احتجاجي آخر قادته مجموعة من العاطلات عن العمل من خريجات الجامعات، أتين من مختلف المحافظات للمطالبة بحقوقهن في التشغيل والانتداب في القطاعين العام والخاص.

ورفعت المشاركات شعارات تندد بما وصفنه بـ”التهميش الممنهج” وإقصاء الكفاءات النسائية من سوق العمل، مؤكدات أن “الاحتفاء بعيد المرأة لا معنى له في ظل واقع اقتصادي واجتماعي يثقل كاهلهن بسنوات من البطالة والفقر”.

ومن قلب الوقفة الاحتجاجية، قالت كريمة عمارة، البالغة من العمر 43 سنة والعاطلة عن العمل منذ أكثر من عقد: “اليوم عيد المرأة بطعم المرارة، لا نشعر أنه عيد بسبب أوضاعنا الاقتصادية المتردية نتيجة طول سنوات البطالة. أنا صاحبة شهادة عليا، لكن لم أنل حظي في التشغيل”.

وأضافت عمارة: “النساء خريجات الجامعات هن اليوم أكثر فئة مهمشة من طرف الدولة، والعشرات منهن تجاوزت بطالتهن العشر سنوات، فجئنا إلى شارع الحبيب بورقيبة لا للاحتفال، بل للمطالبة بحقهن في العمل والعيش الكريم”.

وأوضحت عمارة أن “الوعود الحكومية لم تتحول إلى سياسات فعلية، وأن الدولة تتباهى في المحافل الدولية بمكانة المرأة التونسية وما تحقق لها من قوانين وتشريعات، في حين أن “الواقع بعيد كل البعد عن الخطب الرنانة والنصوص المكتوبة على الورق”، على حد تعبيرها.

وبينت أن شعورها بالتهميش وصل حد أنها “لا تشعر بالانتماء إلى هذا الوطن”، خاصة في ظل غياب أي أفق للتشغيل واستمرار سياسة الانتظار.

وتعكس حالة كريمة واقعا أوسع، إذ تشير أحدث بيانات المعهد الوطني للإحصاء في تونس إلى أن معدل بطالة النساء بلغ نحو 21% في الربع الأول من عام 2025، مقارنة بـ12% لدى الرجال، مع تسجيل معدلات أعلى بكثير في صفوف حاملات الشهادات العليا، حيث تصل النسبة بينهن إلى أكثر من 37%.

ويرى مراقبون أن استمرار هذه الأوضاع يهدد بتقويض المكاسب القانونية التي حققتها المرأة التونسية، إذ لا يمكن الحديث عن مساواة فعلية أو تمكين اقتصادي في ظل فجوة واسعة في فرص العمل والدخل.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here