قيس سعيد أمامنا والاتحاد ورائنا، فأين المفر؟

قيس سعيد أمامنا والاتحاد ورائنا، فأين المفر؟
قيس سعيد أمامنا والاتحاد ورائنا، فأين المفر؟

افريقيا برستونس. حمدي مسيهلي شخصيا أرغمت نفسي على التفاؤل بمستقبل جديد حين انتخب قيس سعيد على رأس البلاد، قلت لنفسي لعله سيصنع من تونس رواندا جديدة فقد فقدت الأمل تماما في أن نصبح دبي أخرى لذلك قررت أن أحلم حلما واقعيا يمكن تحقيقه، خاصة بعد تسونامي التفاؤل الذي ضرب تونس بعد فوزه بالانتخابات، قلت أيضا لعله سيكون نلسون مانديلا جديد، سوف يخمد نيران الصراعات والنزاعات الداخلية ويدعو للهدوء واللحمة الوطنية ثم سيحرك كل الخيوط الدبلوماسية الممكنة ليأتي بالأموال والاستثمارات أو على الأقل يأتينا ببضع الاف جرعات من التلقيح، طبعا لم أتصور انه سيقاطع التجمعات السياسية والاقتصادية الكبرى ويكتفي باستعراضات شعبية ركيكة في الأحياء الشعبية.

لم اتصور أننا سنصبح مصدرا للسخرية بفضل طلعاته ورسائله ولغته العربية الجاهلية، لم أتصور أن تونس معه ستكون بهذا القدر من اليتم الاقليمي والدولي، لم أتصور أنه سيكون آخر الرؤساء تهنئة للأشقاء والأصدقاء وآخرهم حتى في التعزية، لم أنتظر ان تكون زياراته مقتصرة على الأسواق والجوامع والمقاهي الشعبية، لم أكن اتصور انه سيخرج ليلا للبحث عن شخص أوهمه أنه اشترى بيضة فقط عشاء لأولاده، لم أتصور أنه سيضع أكثر الشخصيات السياسية فشلا وافلاسا متحدثين غير رسميين باسمه مثل رمز البؤس السياسي زهير المغزاوي و القومجي سالم لبيض و هيكل المكي صاحب القولة الشهيرة “لنعش في كوكب قيس سعيد انه كوكب جميل” ومحمد بن عمار صاحب البشرى الكاذبة بأن الرئيس سيجلب اللقاح من روسيا وبقية تلك الجوقة القومية الفاشلة التي توقف تفكيرها في فترة السبعينات، لم أتخيل أنه سيصبح الأب الحنون لسامية عبو المالكة الحصرية لحقوق الحديث عن الفساد والمفسدين، ورياض جراد ذلك الطالب الثورجي الفاشل الذي ألبسوه جبة كرونيكور متزلف للرئيس ليصبح مصدرا للأكاذيب الغبية، هؤلاء المتزلفون الذين تركوا كل مصائبنا الاقتصادية وتحولوا إلى أبواق للرئيس.

حلمت بأن يصبح الرئيس صوتا للهدوء والرصانة، لم نطلب منه الكثير، خطاب هادئ وعمل في صمت وكلمات تعطينا بعض الأمل في ما تبقى من هذا الوطن الموبوء سياسيا ونقابيا، حلمت بأنه سيقول للطبوبي كفانا اضرابات غبية ووحشية وذبحا للبلد وسيقوم بنفسه بزيارات فجئية للمؤسسات التي تفوح منها رائحة الفساد وما أكثرها ويريهم العين الحمرا، حلمت بأن يعطينا الحلول عوض تدميرنا نفسيا وعصبيا بالحديث عن الغرف المظلمة ومؤامراتها وتخطيطاتها دون أن يكشف يوما أين تقع هذه الغرف ومن يملك مفاتيحها، ثم تذكرت أنه ينتظر تعثر البغلة في العراق ليقوم بكل هذا وأن اللحظة لم تأت بعد وأنه وجد نفسه بالصدفة في مكان لا يفقه عنه شيئا.

ينام الرئيس في سلطنته البرتقالية، ويهددنا شقيقه بأنه لن تغمض لنا جفون بعد اليوم، بينما ترتع النقابات في بلاد “بلاش أمالي”، أي تصريح حكومي لا يعجب “ابناء حشاد” كفيل باعلان اضراب مغلق أو مفتوح واعتصام حتى تتحقق “المطالب الشرعية”، فالاتحاد هو المالك الحصري لأرقام منصة اطلاق الاضرابات، تلك الشبيهة بمنصة اطلاق الصواريخ النووية، الفرق أن الكثيرين في الاتحاد يملكون الأرقام ويضغطون عليها بمناسبة أو دون مناسبة، حتى في اطار “نبزة” مع مسؤول.

لا أحد من حقه انتقاد الاضرابات التي يقوم بها الاتحاد، فحق الاضراب مقدس والاتحاد فوق أي نقد والنقابيون معصومون من الخطأ والاضرابات ضرورية لمنع الحكومة العميلة من بيع المؤسسات العمومية لتركيا وقطر، هكذا يفكر سكان ساحة محمد علي، وطبعا أي منتقد فهم حتما نهضاوي سلفي حاقد موالي لتركيا وقطر ويستهدف نضالات الاتحاد ويعمل مع قوى الإمبريالية، هم لا يصدقون أن هناك من يخاف على هذا البلد من اضراباتهم وديكتاتوريتهم النقابية، هم لا يصدقون أن كهذه الذبيحة المسماة تونس قد جفت دماؤها وأكل لحمها ولم يبق فيها شيء، هم غير مستعدون لتركها لحالها، ولن يتركوها إلا بعد نهش آخر عظم فيها حتى يتيقنوا حينها أنها لم تعد صالحة للاستهلاك النقابي.

لا يحب النقابيون الاصلاحات، هي كلمة تسبب لهم حساسية مفرطة، لا تصدقوا كلامهم حين يقولون انهم يضربون خوفا على مصير الشركة ودفاعا في ديمومتها، هم يضربون لزيادة غنائمهم تحت مسمى المرفق العمومي الذي يعشقونه كونه مستباحا ليلا نهارا، دون أن يكونوا مطالبين لا بالعمل ولا الانتاج.

الحكومة كذلك تخاف الاصلاحات، تخاف اثارة غضب اتحاد الشغل، تخاف الحديث عن مؤسسات موبوءة نقابيا ومهنيا وماليا، يخاف رئيس الحكومة من الاتحاد، لذلك هو يوقع يمينا ويسارا، عشرات الاتفاقيات والزيادات والترقيات والبلد مفلس تماما، شيء لا يحدث حتى في أقوى البلدان اقتصاديا، هو يوقع فرحا مسروراً والاتحاد يعلن الاضراب تلو الآخر في مؤسسات مفلسة قضى موظفوها على ميزانياتها وتضخ فيها الحكومة أموالا جديدة لتوزع من جديد على الموظفين، طبعا لا أحد يتحدث عن الانتاج والانتاجية، عن الفساد المستشري، عن التشغيل الوهمي والوظائف الخيالية، عن التغول النقابي، عن المال السائب، فالاعلام مهتم ب”بطولات” عبير موسي و بالقضاء على النهضة وتنحية الغنوشي وطريقة التصدي لمحاولة بعض الأطراف ضرب قيم الحداثة، الاعلاميون يخافون ويرتعبون من الاتحاد أيضا، حتى أن منشطين من الوطنية بلعا لسانهما تماما حين قال أمامهما سمير الشفي أن عدد الاضرابات في عهد بن علي أكبر من عددها بعد الثورة، طبعا اعتراهما الرعب من مجرد نقاش هذا التصريح المضحك، هؤلاء الاعلاميون الذين يتحولون من ارانب أمام قيادات الاتحاد إلى أسود حين يحاورون اطرافا أخرى، فالاتحاد أقوى قوة في البلاد، قوة الاضراب تلو الاضراب لإنقاذ المؤسسات، نعم هم يضربون لينقذوا المؤسسات المفلسة، تأكدوا حتى لو جاء اللقاح سينفذون اضرابا مفتوحاً عن تلقيح المواطنين وسيبتزون الحكومة لتنفيذ مطالبهم التي لا تنتهي.

الجميع يتحدث عن المصلحة العليا للبلاد، طبعا هم يكذبون، فكل واحد منهم “شيطانه في جيبه” وكلهم ينهشون في هذا البلد تحت مسمى الديمقراطية والحرية النقابية والنضالات الوهمية والشعارات الشعبوية، احقاقا للحق هم أذكياء، يعرفون أنهم أمام شعب عاطفي ساذج عاشق للأكاذيب والشعارات الغوغائية وبيع الريح للمراكب، لذلك هم لا يصارحونه بأنه شعب كسول متواكل كافر بالعمل يعشق اللقمة الباردة والمسمار في حيط ويفتخر بالتحيل على الدولة واحتقار القانون، هم يشجعون على النوم فوق جراية في مدخل وزارة وعلى غلق الفانات والمطالبة بوظيفة عمومية وراتب قار وزيادات سنوية، هم يتماهون مع شهوات هذا الشعب ورغبته في قطعة من الكعكة العمومية التي تسيل لعاب الجميع.

حقيقة لا ندري ماذا نفعل، أمامنا رئيس متشنج منفعل دائما زاد في تقسيمنا وزاد في يتم هذا البلد المسكين، ومتحدثون غير رسميون باسمه لا حلول لديهم إلا استقالة الحكومة لأن رئيسها خرج من بيت طاعة سلطانهم، وورائنا اتحاد لا يمل من الاضرابات والاعتصامات وذبح الاقتصاد من الوريد إلى الوريد، ومازال يوهمنا أن هناك دولا ساذجة مستعدة لشراء مؤسسات فاسدة مفلسة ميتة سريريا، لا ندري ماذا فعلنا حتى نستحق وضعية سريالية كهذه وأي حل قادر على إنقاذ ما تبقى مما يسمى دولة، لا أدري لماذا يعتقد الكثيرون أن بقية الأمم تحسدنا على تجربتنا الديمقراطية، وعلى تعدديتنا الحزبية، وعلى حريتنا النقابية، لا أظن أن الشعوب الأخرى تحسدنا على رئيس لا يفعل شيئا إلا التهديد والوعيد وعلى دولة تحولت لزريبة يفعلون فيها ما يشاؤون، لا أدري كيف يمكن لأشخاص توقف نموهم الفكري في الماضي أن ينقذوا هذا البلد الموبوء، لا أدري كل هذا في انتظار معجزة قد تأتي، ولا أتصورها ستأتي.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here