أفريقيا برس – تونس. قال السياسي والمرشح الرئاسي السابق ومؤسس حزب التيار الديمقراطي محمد عبو، إن تونس تعيش حالة اختناق سياسي واقتصادي واجتماعي غير مسبوقة، “بعد أكثر من 4 سنوات من الانقلاب الدستوري الذي حدث في 25 يوليو/تموز 2021.
وتحدث عبو عن غياب القانون، وانعدام الثقة في القضاء والإدارة، وتراجع الأمل في أي إصلاح حقيقي. كما اعتبر أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر طويلا في دولة مثل تونس، تفتقر إلى الموارد الطبيعية التي تسمح للأنظمة الاستبدادية بالاستمرار عقودا.
وشكك عبو بإمكانية بقاء الرئيس قيس سعيد في الحكم حتى 2029، أو تعديل الدستور لتمديد ولاياته، مؤكدا أن استمرار النهج الحالي سيقود إلى مزيد من العزلة الداخلية والخارجية، وأن “التغيير بات حتميا”، دون أن يحدد شكله أو توقيته.
بين الثورة والتغيير السلمي
ورفض عبو الدعوة إلى العنف أو الثورات الدموية، مؤكدا أنه لا يتمنى أن يدفع التونسيون ثمن التغيير بأرواحهم. لكنه في الوقت ذاته شدد على أن حق مقاومة الاستبداد مشروع، وأن تحرك الشعوب غالبا ما يأتي بصورة غير متوقعة، كما حدث في 2010.
وأكد أن الحل يجب أن يكون تونسيا-تونسيا، قائما على خلق رأي عام واسع يضغط من أجل إنهاء ما وصفه بـ”العبث بالدولة”، وإعادة المسار الديمقراطي على أسس سليمة، مع الاستفادة من أخطاء الماضي.
رسالة إلى الرئيس
ووجه محمد عبو رسالة مباشرة إلى الرئيس قيس سعيد، دعاه فيها “إلى إدراك أن صورته اهتزت، وأن البلاد لم تعد تحتمل مزيدا من القرارات الشعبوية والنصوص الغامضة، في ظل غياب قضاء مستقل وإدارة محايدة”.
وقال إن بقاء السلطة ليس غاية في حد ذاته، وإن الخروج “من الباب الكبير” عبر تهدئة الأوضاع، وإطلاق الحريات، وتنظيم انتخابات حقيقية ونزيهة، قد يكون السبيل الوحيد لإنقاذ البلاد.
قراءة نقدية
وقدم محمد عبو قراءة نقدية شاملة لمسار تونس منذ 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، بمناسبة الذكرى الخامسة عشرة لاندلاع الثورة التونسية، محملا السلطة الحالية مسؤولية ما وصفه بـ”القطيعة الكاملة مع مكتسبات الثورة ودولة الاستقلال”، ومؤكدا أن البلاد تعيش اليوم وضعا سياسيا وقانونيا واقتصاديا أسوأ مما كان عليه قبل إجراءات 25 يوليو/تموز 2021.
و استعاد عبو خلال حوار مع “الجزيرة مباشر” من تونس، محطات الثورة ومسار الانتقال الديمقراطي، معتبرا أن سقوط نظام زين العابدين بن علي أدخل البلاد في مسار جديد اتسم بوجود انتخابات وحريات وصحافة مستقلة، رغم ما شابه من أخطاء وإخفاقات. وقال إن تلك المرحلة، على علّاتها، كانت تمثل حدا أدنى من الديمقراطية الظاهرة، قبل أن يتم الانقلاب عليها لاحقا.
تركيز مطلق للسلطة
وتوقف عبو عند قرارات 25 يوليو/تموز 2021، موضحا أنه كان من بين من رأوا آنذاك ضرورة اللجوء إلى إجراءات استثنائية في إطار الفصل 80 من الدستور، على أساس أنها مؤقتة وتهدف إلى إعادة تصحيح مسار الدولة في ظل ما وصفه بحالة الانسداد السياسي والفوضى. لكنه شدد على أن ما حدث لاحقا تجاوز بكثير هذا الإطار، ليتحول إلى استحواذ كامل على السلطة.
وقال إن الرئيس قيس سعيد، بعد أن استتب له الأمر وفي ظل غياب أي مقاومة فعلية من المؤسسات أو الشارع، ألغى عمليا كل مؤسسات الدولة، واحتفظ بالسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، عبر المراسيم والقرارات، وصولا إلى صياغة دستور جديد وانتخابات شكلية، على حد وصفه، يتحكم هو في نتائجها ومخرجاتها.
ووصف ما جرى بأنه يمثل قطيعة مع كل إيجابيات الثورة وحتى مع بعض إيجابيات دولة الاستقلال، مشيرا إلى أن السلطة الحالية أعادت إنتاج أسوأ ممارسات الماضي، لكنها بصورة أكثر حدة، رغم رفع شعار “لا رجوع إلى الوراء”.
القضاء في قلب الأزمة
وبحسب عبو فإن ما جرى مع القضاء، منذ 2021 يعد بمثابة “القضاء الكامل على استقلال القضاء”. وأوضح أنه رغم وجود إشكاليات سابقة وتدخلات حزبية محدودة قبل 25 يوليو/تموز، “فإن الوضع الحالي أخطر بكثير”، حيث بات القضاء، وفق تعبيره، خاضعا للتهديد والترهيب، مع إحالات وسجون وقرارات تفرض من أعلى هرم السلطة.
وقال إن محاكمات الفساد اليوم فقدت معناها، لأن من يشرفون عليها –بحسب تعبيره– تحوم حولهم شبهات، ما يفقدها أي مصداقية، ويحولها إلى أداة سياسية لتصفية الخصوم. واعتبر أن هذا المسار دمر الثقة في الدولة ومؤسساتها، وأعاد البلاد إلى ممارسات استبدادية لم تعرفها حتى في بعض فترات ما قبل الثورة.
النخب السياسية
ولم يعف عبو النخب السياسية من المسؤولية، معتبرا أن جزءا منها ساهم، بدافع الانتقام أو الحسابات الأيديولوجية، في تهيئة المناخ لما جرى، سواء بالصمت عن الفساد والتسيب قبل 25 يوليو/تموز، أو بتبرير الإجراءات الاستثنائية خارج الأعراف الدستورية.
وأكد أن الأزمة في تونس لم تكن يوما ما محصورة في حركة النهضة أو أي طرف سياسي بعينه، مشددا على أن الفساد، والمال السياسي، والإفلات من العقاب، هي أمراض بنيوية ضربت الحياة السياسية والديمقراطية في عمقها. وقال إن استهداف حركة النهضة أو غيرها لا يحل المشكلة، لأن أي طرف آخر قد يعيد إنتاج نفس الممارسات إذا لم تفرض سيادة القانون على الجميع.
المصدر: الجزيرة
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس





