أكد موقع ميدل إيست آي البريطاني أن الإمارات تعاقب تونس على خطيئة الديمقراطية، واعتبر الموقع في مقال نشره الاثنين أن القرار الإماراتي بمنع التونسيات جميعا دون استثناء من السفر لدبي عبر الناقلة الجوية الإماراتية لن يكون الأخير في سياق سياسي متصل تنتهجه أبوظبي بشكل غير عفوي تجاه تونس منذ الإطاحة بنظام بن علي في 2011. وأكد أن هذا القرار سخيف ويمثل إهانة للمرأة التونسية بصفة خاصة وامتهانا لكرامة الشعب التونسي علی وجه العموم، حيث ما زالت السلطات الإماراتية ترى أن طرد الشعب التونسي للديكتاتور خطيئة لا تغتفر.
وتساءل الموقع البريطاني “ما هو الهدف من منع جميع النساء التونسيات بمن فيهم الرضّع من الصعود إلى الناقلة الإماراتية حتی إذا كانت متوجهة إلی مطار آخر؟ كيف نبرر فصل الزوجات عن أزواجهن وأولادهن وحتی آبائهن كما حصل في مطار قرطاج؟ أليس هذا خرقا للمواثيق الدولية؟.
واعتبر الموقع أن الرسالة الضمنية الموجهة من خلال هذا الإجراء أن كل امرأة تونسية مجرمة بالشبهة ووحدها الخطوط الجوية الإماراتية التي تقرر صعودها من عدمه إلی الطائرة. وأشار إلى أن سلطات أبوظبي لم يشف غليلها بعد من تونس وهي مصرة علی معاقبتها علی خطيئة الثورة والديمقراطية فكل القرائن تؤكد أن الإمارات تناصب تونس العداء بشكل مفضوح وهو ما كان معلوما لدی الطبقة السياسية ولكنه غير واضح بشكل جيد للرأي العام سواء التونسي أو العربي.
تهديد الديمقراطية
وأضاف الموقع البريطاني أن ما يؤرق الإمارات هو رسالة الأمل التي بعثتها الثورة التونسية إلی الجماهير العربية بالقدرة علی تغيير الأنظمة بشكل سلمي من خلال الاحتجاج المدني فثورة سيدي بوزيد عرت مساوئ الأنظمة العربية وهشاشتها أمام الإرادة الشعبية عكس ما صورته الديكتاتوريات العربية بأنها أساطير لا تقهر، منوها بأن تونس كانت مهد الثورات ولا زالت تعطي العالم دروسا في الديمقراطية، حيث تمكنت من إجراء أكثر من استحقاق انتخابي شفاف ونزيه انبثقت عنها مؤسسات وهيئات دستورية ورقابية وبرلمان يضمن التنافس السياسي بين الكتل والأحزاب.
ونوه الموقع البريطاني بأن الإمارات تری في هذه النجاحات الديمقراطية تهديدا مباشرا لأمنها لا يمكن غض الطرف عنه، بالرغم من أن تونس معروفة بسياستها الخارجية المحايدة والرصينة وتتجنب أي مناوشة أو تصادم مع الدول العربية، فالتونسيون يؤكدون علی الدوام أن ثورتهم كانت وطنية خالصة لمعالجة مشاكلهم الداخلية ونموذجهم الثوري خاص وليس للتصدير، وبالرغم من ذلك ما زالت أبوظبي مصرة علی ترصد المسار الديمقراطي التونسي والسعي إلی تقويضه بكل الطرق ومهما كانت التكاليف.
وسائل الفوضى
وأوضح الموقع أن كل الوسائل استعملت لتأجيج الصراعات وبثّ الفوضی في فترة المخاض الثوري للبرهنة أمام العالم على أن الديمقراطية والثورة التونسية مرادفان للفوضی والتراجع الاقتصادي، فقد سعت الإمارات في مرحلة أولی إلی اختلاق الأزمات وإثارة القلاقل السياسية وبث الفتنة في صفوف الفرقاء بتغذية الاستقطاب والاحتقان الشعبي وضرب السلم الاجتماعي وفي مرحلة ثانية سعت أبوظبي إلی محاولة استنساخ النموذج الانقلابي المصري بطرق جديدة من خلال اللعب علی هشاشة التجربة التونسية الوليدة وانتهازية بعض الأطراف السياسية والاندفاع الساذج للبعض الآخر بتغذية الصراعات السياسية في انتقال ديمقراطي صعب غير أن تونس تمكنت من تجاوز سنة 2013 العصيبة من خلال سياسة التوافق وهو ما دفع بسلطات الإمارات إلی تغيير ساحة المعركة بمحاولة زرع بذور الفتنة داخل الأحزاب والكتل النيابية .
رسالة مفضوحة
واعتبر الموقع البريطاني أن غاية الإمارات من كل هذا هو توجيه رسالة نحو القوی العالمية الفاعلة بأن الديمقراطية لا تتناسب وخصوصية الدول العربية التي لا تحكم إلّا بالحديد والنار لفرض الاستقرار وحماية المصالح الغربية في المنطقة، ونبه الموقع إلى أنه تجب متابعة تصريحات أتباعها ووكلائها في تونس والتمعّن في برامجهم السياسية الإقصائية لفهم طبيعة الدور الذي تلعبه الإمارات في تونس، فمع التجانس الشعبي التونسي وغياب الطائفية الدينية ركز وكلاء الإمارات علی تغذية الصراعات الإيديولوجية وخاصة ضد الإسلاميين من خلال التشويه الإعلامي بشراء ذمم الإعلاميين وتمويل القنوات التلفزيونية والإذاعية ومراكز البحوث والدراسات لبث اليأس والإحباط لدی الرأي العام ودفع التونسيين إلی الكفر بالثورة والحنين إلی الجلاد بن علي .
خطر على المنطقة
وأشار الموقع البريطاني إلی أن الإمارات قد تحولت إلی خطر علی نفسها وعلی المنطقة بأكملها بسبب سياسات السلطات الإماراتية المنسجمة تماما مع الموقف الإسرائيلي وتعاملها مع أحزاب اليمين المتطرف واللوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة وباقي الدول الغربية الذين يعتبرون الدول العربية دولا متخلّفة ومنفلتة لا يمكن التحكّم فيها وكبح جماحها إلّا من خلال حكم عسكري وجنرالات علی غرار السيسي في مصر وخليفة حفتر في ليبيا. واختتم بالقول إن المؤامرات الإماراتية ومحاولات ضرب التجربة الديمقراطية التونسية لن يزيد التونسيين إلا إصرارا علی بقاء النموذج الثوري التونسي منارة مشعّة علی كل العالم، فالنار التي اشتعلت في جسد البوعزيزي هي التي أنقذت التونسيين من الذل والهوان وهي التي أذابت أغلال الخوف ولن يدخر التونسيون جهدا في حماية مكتسبات الثورة ومسارها الديمقراطي .