وليد التليلي
أفريقيا برس – تونس. تواترت في الأيام الأخيرة دعوات إلى المصالحة والحوار في تونس وتهدئة الأجواء المحتقنة. وجاءت هذه الدعوات من جهات متعددة، طالبت بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وتعديل المرسوم 54 الذي دخل بسببه عشرات الناشطين والمدونين والسياسيين إلى السجن.
وفي إطار الدعوات إلى المصالحة والحوار في تونس وجّه، الأربعاء الماضي، 60 نائباً طلباً جديداً بعرض مقترح قانون خاص بتنقيح المرسوم 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال. وقبلها بيومين، طالب عدد من النواب التونسيين، خلال الجلسة العامة للبرلمان، بالوحدة الوطنية وترسيخ استقلالية القضاء وإطلاق سراح كل من تعلقت قضيته بالرأي، من سياسيين ونقابيين وإعلاميين ومدونين ونشطاء، وتنقيح القوانين الزجرية في إدارة الاختلافات الفكرية أو السياسية، مؤكدين أن الوحدة الوطنية هي السبيل الأنجح لمجابهة التحديات المستقبلية، بعيداً عن المقاربة الأمنية والعقوبات وخطابات العنف وإغلاق الفضاءات العامة للنقاش، وعلى رأسها الإعلام.
وقال النائب المستقل ثابت العابد، في تصريح سابق، إن “هذه المبادرة تأتي في إطار ترسيخ الوحدة الوطنية”، مؤكداً أن “رئيس الجمهورية (قيس سعيّد) سبق له الحديث في عدة مناسبات عن الوحدة الوطنية، ولكنّ هناك شروطاً للوحدة الوطنية ويجب ألا تبقى مجرد شعارات، بل يجب أن تتحول إلى واقع ملموس”. غير أن رئيس البرلمان التونسي إبراهيم بودربالة اعتبر، في تصريح إذاعي الأربعاء الماضي، أن “كل الدعوات التي تنادي بتنظيم حوار وطني تهدف إلى الانقضاض على ما تم إنجازه بعد 25 يوليو/تموز 2021”.
وبمناسبة عيد الثورة في 14 يناير/كانون الثاني، قالت حركة النهضة، في بيان، “إننا في حركة النهضة نتمسك بضرورة إجراء حوار وطني جاد وشامل غير إقصائي بين كل القوى الوطنية من أجل إنقاذ تونس وفق برنامج ديمقراطي تشاركي”. وفي المناسبة ذاتها، طالبت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، في بيان، “باتخاذ إجراءات عاجلة لتنقية المناخ السياسي بإطلاق كل مساجين الرأي والتعبير والاحترام التام للحقوق والحريات”. وانضم إليهما، رئيس المجلس التأسيسي (الذي انتخب في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011) مصطفى بن جعفر، الذي اعتبر، في بيان، أن “البلاد تشهد اليوم تقسيماً جديداً بين الأخيار والأشرار والصلاح والفاسدين والوطنيين الصادقين والخونة المتآمرين”. وقال إن “أبرز سبيل للخروج من الأزمة الحالية هي المصالحة الوطنية، فهي الكلمة المفتاح لتحقيق السلم المجتمعي وإعادة رأب الصدع الذي يعيشه مجتمعنا”.
بعض أجنحة السلطة تدفع إلى المصالحة والحوار في تونس
واعتبر مراقبون أن هذه الدعوات المتعددة إلى المصالحة والحوار في تونس قد تكون مقدمة فعلية لحوار مرتقب، أو لتفكير داخل بعض أجنحة السلطة تدفع إلى التهدئة. فما جدية هذه الدعوات، وهل يتفاعل سعيّد معها، وما حاجته السياسية الفعلية لإجراء حوار مع معارضيه بعد الانتخابات الرئاسية في 6 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وإحكامه على المشهد بالكامل؟
مصادر من جبهة الخلاص الوطني والشبكة التونسية للحقوق والحريات، أبرز القوى المعارضة في البلاد، نفت وجود أي نوع من الاتصالات بين السلطة والمعارضة حتى الآن. وقال القيادي في جبهة الخلاص وحركة النهضة، رياض الشعيبي إن “الحوار أسلوب العقلاء لتجاوز الأزمة السياسية والاقتصادية التي تمر بها تونس، والمفترض أن المسؤولية تفرض على السلطة المبادرة بالدعوة لهذا الحوار على قاعدة المشترك الوطني وقيم التعايش السلمي”. وأكد الشعيبي أنه “رغم كل الإشاعات حول دعوة السلطة للحوار فإننا لم نستشعر أي مؤشر حول جدية هذه الشائعات، بل على العكس من ذلك تتواصل المحاكمات السياسية وتتوسع، كما تستمر كل الإجراءات التعسفية ضد المعارضة”.
وعن وجود اتصالات بشأن المصالحة والحوار في تونس بين السلطة وأي طرف سياسي من عدمه، أوضح الشعيبي أنه “يبدو أن فهم السلطة للحوار، إن حصل، سيكون ضيقاً بضيق الأفق الذي تنظر من خلاله للتنوع السياسي والاجتماعي في البلاد. لذلك لم يتلق أي طرف معارض مثل هذه الدعوة، ما يؤكد مرة أخرى عدم جديتها”. وأضاف: “الدعوة لأي حوار يجب أن تكون شاملة دون إقصاء أو تمييز، ليؤسس لوحدة وطنية حقيقية”. واعتبر الشعيبي أن هذه الدعوات “مجرد محاولة لامتصاص حالة الاحتقان التي تغزو المجتمع، وخطة للخروج من العزلة غير المسبوقة التي تعيشها السلطة، بما قلص من قاعدة شرعيتها السياسية والشعبية”.
وعما يدفع السلطة أساساً إلى هذه المصالحة والحوار في تونس وما حاجتها إليها، خصوصاً أنها تسيطر على المشهد بالكامل، قال الشعيبي إن “السلطة تعي عمق الأزمة التي تعيشها البلاد، لكنها تكابر من أجل استمرار سيطرتها على كل أجهزة الدولة. لكن أمام انسداد الأفق الداخلي وهبوب رياح التغيير الإقليمي، أصبحت مخاوف السلطة جدية، ما جعلها تبث شائعة الحوار الوطني للتلهي عن المطالب الاقتصادية والسياسية الحقيقية”. من جهته، أكد وسام الصغير، الناطق باسم الحزب الجمهوري (أحد مكونات الشبكة التونسية للحقوق والحريات)، أن “بيان عدد من النواب حول الحريات وإطلاق سراح سجناء الرأي من السياسيين والمدونين والنشطاء، يؤكد أنه حتى من داخل منظومة سعيّد هناك إقرار بأن هناك ضرباً للحريات”.
مجرد خطابات عن الحوار
وبيّن الصغير أن “الخطابات والتصريحات عن الحوار لا تزال مجرد تصريحات ولا يوجد أي أثر لها في الواقع. وللأسف المنظومة الحاكمة تقول شيئاً وتفعل العكس أحياناً، ونأمل ألا يكون ذلك مجرد بالون اختبار، وأن يكون خطوة عملية للذهاب في الوفاق والحوار الوطني وطي صفحة الماضي”. وأكد أنه “لا بد أيضاً من الحذر من أن هذه المقدمات قد لا تكون لها تداعيات عملية، لأنه في السابق كانت هناك عدة خطابات دون أي أثر لها في الواقع، وبالتالي ننتظر ونترقب ونأمل أن يكون للتصريحات والتسريبات أثر واقعي تعقبه خطوات عملية لتفعيلها”.
ونفى الصغير “وجود اتصالات أو تنسيق أو مقترحات عملية في هذا الاتجاه”. وقال: “هناك حديث وتأويلات بأن المعنيين بهذا الحوار هم من ساندوا 25 يوليو 2021، ومن ذهبوا في فكرة البناء القاعدي، وهناك من يرى أنه مجرد خطاب مقترن بالسياق السياسي”. ولفت إلى أن “هناك تسريبات عن بداية المحاكمات في 7 فبراير/شباط (المقبل) للمعتقلين السياسيين، ولكن هذا يبقى غير رسمي”، مؤكداً أن “المطلب الرئيسي الذي سنتمسك به هو أن تكون المحاكمات علنية، لنعرف الجرائم والأفعال المزعومة التي قامت بها الشخصيات السياسية”. وأضاف: “نطالب بمحاكمات علنية وإلا فستكون مهزلة في تاريخ تونس، باعتبار أنه مر عامان على سجن هؤلاء، في ظل التعتيم والظلم، وبالتالي مطلبنا هو محاكمات علنية ليطلع الرأي العام على هذه القضية التي ستظل وصمة عار”.
واعتبر الصغير أن “قيس سعيّد مطالب، رغم انعدام التوازن مع معارضة ضعيفة لأسباب عديدة، بمواجهة الإكراهات الاقتصادية والواقع الإقليمي والجيوسياسي الجديد بسبب ما وقع في سورية وخطر حصول عمليات إرهابية أو انتقال الشرارة إلى دول أخرى. وهناك الآن الجزائر والحديث عن مصالحة وطنية، يعني أن الدول التي تنظر بعمق للمشهد الإقليمي تتعامل باستباق لما قد يحصل في المنطقة، وسعيّد لوحده، وبجبهة داخلية مفككة يصعب عليه مواجهة التحديات، وبالتالي العقل والمنطق يفرضان ضرورة الاستعداد للمرحلة بتعزيز الجبهة الداخلية استعداداً لكل خطر خارجي يمكن أن يهدد الدولة”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس