عودة المدارس.. عبء جديد يفاقم أوضاع التونسيين

59
عودة المدارس.. عبء جديد يفاقم أوضاع التونسيين
عودة المدارس.. عبء جديد يفاقم أوضاع التونسيين

عادل الثابتي

أفريقيا برس – تونس. تأتي عودة المدارس في تونس منتصف سبتمبر/ أيلول الجاري لتضيف عبئا آخر يضاف إلى أعباء التونسيين الاقتصادية، بالإضافة إلى الخلافات المتواصلة بين “نقابة التعليم” ووزارة التربية والتي تؤثر على مستقبل أبنائهم التعليمي.

وأكد ناشطان تونسيان في المجتمع المدني أن العديد من العائلات اختارت التوجه إلى السوق الموازية لاقتناء الأدوات الدراسية منخفضة الثمن رغم مخاطرها الصحية.

وتقصد مئات العائلات التونسية منطقة السوق الموازية بأنهج إسبانيا وجمال عبد الناصر والجزيرة وسط العاصمة تونس لاقتناء ما تعرضه من كراسات ومواد مكتبية يحتاجها التلاميذ في مراحل التعليم الأساسي والإعدادي والثانوي.

ووفق وزير التربية محمد علي البوغديري في مؤتمر صحفي الاثنين، فإن “2 مليون و356 ألفا و630 تلميذا، يعودون الجمعة، إلى نحو 6 آلاف و139 مدرسة ومعهدا، فيما يكون عدد المعلمين والأساتذة 156 ألفا و234”.

مقدرة شرائية منهارة.

وقال رئيس المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك (مستقلة) عمار ضية: تضررت المقدرة الشرائية للتونسي أمام تواصل ارتفاع الأسعار”.

والثلاثاء، أعلنت السلطات التونسية ارتفاع التضخم خلال أغسطس/آب الماضي إلى 9.3 بالمئة، بعد أن كان بنسبة 9.1 بالمئة في يوليو/ تموز الفائت.

وفسّر المعهد الوطني للإحصاء (حكومي) في بيانات له، هذا الارتفاع بسبب “تسارع نسق الزيادة في الأسعار بين شهري أغسطس ويوليو لهذا العام.

وتشهد تونس أزمة اقتصادية حادة فاقمتها تداعيات تفشي جائحة كورونا، وارتفاع تكلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية إثر الأزمة الروسية الأوكرانية.

وأضاف ضية: “الأكيد أن العودة المدرسية لا يمكن أن تشذ عن هذا الاتجاه، بالتالي نجد اليوم، أن تكاليف العودة المدرسية ستكون مقلقة خاصة للشرائح الضعيفة والمتوسطة”.

وأردف: “اليوم نجد أن كلفة العودة المدرسية قياسا مع دخل العائلة يعتبر مرتفعا لذلك نلاحظ أن هناك تذمرا وإن كان بتفاوت لدى العائلات”.

وتابع ضية: “كلما كانت الوضعية العائلية أصعب كلما كان العجز أكبر وخاصة العائلات التي لها أكثر من تلميذ أو طالب”.

وقال: “نحن كمنظمة (الدفاع عن المستهلك) رصدنا الأسعار وتكلفة تلميذ سنة أولى ابتدائي بين محفظة وكتب وكراسات تصل إلى 200 دينار (66.6 دولارا) إذا ما اكتفينا بمواد ذات سعر منخفض أما إذا كان ولي الأمر يريد شراء مواد من أصناف أعلى فهذا الرقم يرتفع”.

“أما كلفة التلميذ في الإعدادي والثانوي فترتفع بين 300 دينار (100 دولار) و350 دينارا (116.6 دولارا) بالمقتنيات من الصنف العادي أو الرخيص”، وفق ضية.

اقتراض من البنوك

واعتبر ضية أن “ارتفاع تكاليف الدراسة في تونس يفسر لجوء العائلات التونسية التي تواجه هذه المصاريف للاقتراض من البنوك”.

وقال: “هذه المناسبة ليست مثل الأعياد التي يمكن الاستغناء عن مصاريفها بل فيها حتمية توفير المواد حتى يتابع التلميذ دروسه مثل بقية التلاميذ لذلك يلجأ التونسيون إلى الاقتراض”.

رضا الزهروني رئيس “الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ” (مستقلة) يوافق ضية بالقول “حتى وإن حافظت المواد على أسعارها العادية، المواطن سيواجه صعوبات بسبب وضع البلاد الاقتصادي الحالي وضعف المقدرة الشرائية”.

وقال الزهروني، إن “القلم والكراس والمحفظة ليسوا بمعزل عن ارتفاع أسعار فواتير الماء والكهرباء وغيرها من المواد الاستهلاكية ولكنه كله مرتبط ببعضه”.

وأضاف: “المواطن التونسي يلقى صعوبات في مواجهة مصاريف الدراسة وهذا له تأثير على نتائج أبنائه والرئيس (قيس سعيّد) أقر بذلك بالقول إن خريطة النجاح في الدراسة هي خريطة الفقر”.

وتابع الزهروني: “النجاح في الدراسة مرتبط بالقدرة المالية للعائلات وكلما تقلص هذا تقلصت حظوظ النجاح وكثر الانقطاع المبكر عن الدراسة”.

وكان الرئيس التونسي قيس سعيد انتقد خلال زيارة له للمركز الوطني البيداغوجي بالعاصمة تونس (حكومي مكلف بطباعة الكتاب المدرسي) ارتفاع أسعار الكراسات غير المدعمة بالقول “اليوم صار عندنا كراسات للأغنياء وأخرى للفقراء”.

وأكد الرئيس خلال كلمة في المركز على “ضرورة توفير الكراسات المدرسية لجميع التونسيين”.

السوق الموازية و”مخاطر” صحية

وقال ضية: “ضغط الغلاء أجبر الأولياء على اللجوء للسوق الموازية فعندما يكون ولي الأمر له تلميذ وجب عليه توفير المواد”، مشيرا إلى أن العديد من التونسيين سيلجأ إلى البحث عن توفير المستلزمات بأرخص الأسعار”.

وأضاف: “أعداد كبيرة من العائلات التونسية تقبل على الأسواق الموازية رغم أننا نبهنا ووزارة الصحة نبهت إلى أن هذه المواد المعروضة في أغلبها مجهولة المصدر ويمكن أن تكون من مواد بلاستيكية مسرطنة تضر بسلامة الأطفال، ولكن رغم التحذير نجد عليها إقبالا كبيرا لأن أسعارها أرخص”.

وتابع ضية “كمنظمة نتفهم اتجاه الأولياء لهذه الحلول، رغم تحذيراتنا لذلك قلنا هذه المواد المعروضة على قارعة الطريق على مؤسسات الدولة أن تخضعها للرقابة عند توريدها والتثبت من سلامتها لتكون غير مضرة، لأنه من الصعب إقناع الناس بعدم الاقتناء وهم في أشد الحاجة لذلك .

واعتبر ضية أن “هذا يحيل إلى ملف أكبر هو حجم السوق الموازية والثابت أن نسبة مهمة من الموازي موجودة في السوق التونسية”.

من ناحيته يقول الزهروني: “المواطنون وجدوا الحل في السوق الموازية… ولكن العائلة لابد أن تقتنع أن هذا الموضوع يحل بحسن التصرف وعليها ألا تضع نفسها في وضعية مالية حرجة والأبناء عليهم عدم الضغط على أوليائهم والمربون عليهم مراعاة ظروف العائلات بعدم الإجحاف في الطلبات والدولة لابد أن تكثف المراقبة وتتأكد من توفير الكراسات المدعمة”.

و أضاف: “الأهم أن النجاح ليس مرتبط بنوعية الكراسات أو الكتب سواء كانت جديدة أو قديمة بل مرتبط بأهداف المنظومة التربوية وبحرص ولي الأمر على متابعة ابنه وتوفير الراحة، خاصة المعنوية، لينجح”.

ويوافق الزهروني، ضية في خصوص مخاطر الاقتناء من السوق الموازية بالقول: “المواد المدرسية التي لا نعرف مصدرها لابد للمصالح المختصة للدولة مثل وزارات التجارة والصحة والداخلية تتأكد من سلامتها هذه المواد وتحد من خطورتها على العائلات والتلاميذ”.

مخاطر “نقابية”

الزهروني نبه إلى مخاطر أخرى تهدد السنة الدراسية المقبلة في تونس بالقول: “حسب ما لفت نظري فإن السنة الدراسية الماضية بدا وكأن النقابات رضخت إلى ضغط وزارة التربية ولكننا قادمون على ترحيل الأزمة إلى السنة الدراسية المقبلة.”

وأضاف الزهروني “جوهر المطالب المطروحة من النقابات لا تزال هي نفسها لأن مطالب المعلمين والأساتذة هي مالية، لهم استحقاقات يرون أن الدولة تعهدت بها ولم تنفذها”.

وتابع “هم (المعلمون) استجابوا لضغط الوزارة بعد إعفاء حوالي 300 مدير وحجب جرايات (رواتب) المعلمين والاستجابة وإعادة الأعداد لم تكن نتيجة توافق بل نتيجة ضغط”.

وفق الزهروني “من خلال متابعه مواقف النقابات نراها تلمح إلى أن السنة الدراسية المقبلة لن تكون مريحة”.

والإثنين، أعلن البوغديري، عدم التراجع عن قرار إعفاء مديري المدارس الذين حجبوا نتائج التلاميذ العام الدراسي الماضي، مؤكدا أن “التفاوض مع النقابات مستمر” حول مشاكل المعلمين.

وأضاف أنه “لن يتم التراجع أيضا عن حجب جرايات (رواتب) المعلمين الذين لم يمكنوا التلاميذ من أعدادهم (نتائجهم) نهاية السنة الدراسية الماضية (2023-2022)”.

وفي 23 يوليو/ تموز الماضي، قررت نقابة التعليم الأساسي تمكين التلاميذ من نتائجهم بعد حجب استمر طيلة الموسم الدراسي، ما قاد لأزمة مع وزارة التعليم وإعفاء 350 مدير مدرسة وحجز رواتب نحو 17 ألف معلم.

وأوضح البوغديري، أنه “سيتم تسديد شغور منصب نحو 170 مديرا من الذين تم إعفاؤهم من العمل” دون مزيد من التفاصيل.

والجمعة، طالبت نقابة التعليم الأساسي، السلطات التونسية بـ”العودة للمفاوضات الجدية والمسؤولة”، مطالبة في بيان، بـ”الإفراج الفوري عن أجور المدرسين والمدرسات”، مؤكدة “استعدادها التام للدفاع عن مكتسباتها ومطالبها”.

وتتمثل مطالب المعلمين الأخرى، وفق نقابتهم بتحسين أوضاع المعلمين المادية بزيادة أجورهم، بما يتناسب مع تراجع القدرة الشرائية، وغلاء الأسعار، مع إيجاد صيغة لتسوية وضعياتهم المهنية.

والجمعة، أعلنت الحكومة التونسية في بيان أنها أقرت “الترفيع في أجور خريجي الإجازة في علوم التربية لسنة 2023، وللمدرسين النواب (لم يحدد نسبة الزيادة)، مع توفير التغطية الاجتماعية، والترفيع بنفس النسبة في إطار العقود الخاصة بسد الشغورات الطارئة”.

وأشارت إلى أنها قررت كذلك “الترفيع في المساعدة المالية الخاصة بالعودة المدرسية لفائدة نحو 500 ألف تلميذ من أبناء العائلات المعوزة ومحدودة الدخل، من 50 إلى 100 دينار (16.17 ـ 32.34 دولارا)”، إضافة إلى “مساعدات موجهة لطلاب الجامعات والأطفال في المراحل الأولى من التعليم”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here