غضب في تونس إثر وفاة تلاميذ بسقوط جدار مدرسة

29
غضب في تونس إثر وفاة تلاميذ بسقوط جدار مدرسة
غضب في تونس إثر وفاة تلاميذ بسقوط جدار مدرسة

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. لقي ثلاثة تلاميذ بمدرسة “المزونة” التابعة لولاية سيدي بوزيد حتفهم، الاثنين، وذلك أعقاب سقوط جزء من حائط المدرسة أثناء إجرائهم حصة للتربية المدنية في ساحة المدرسة، في خطوة أثارت غضب التونسيين، وخلفت حالة من الاحتقان الاجتماعي بالجهة.

وقال الناطق باسم الدفاع المدني معز تريعة: “أدى سقوط جزء من جدار متداعٍ اليوم إلى مقتل 3 تلاميذ، تتراوح أعمارهم بين 18 و19 عامًا في معهد المزونة في سيدي بوزيد”. وأضاف تريعة أن تلميذين آخرين جرحا، ونقلا إلى المستشفى و”حالتهما خطيرة”.

وطوقت وحدات من الدفاع المدني مكان الحادث ومنع المرور بجانب السور المتداعي تجنبا لإصابات أخرى، وتعرضت مناطق المزونة والمكناسي منذ فترة تواتر الرجات الأرضية بقوة تتراوح ما بين 3 و4 درجات على سلم ريختر، ما يرجح فرضية تصدع جدران السور الخارجي للمعهد وانهياره لاحقا ليخلف ثلاثة ضحايا في صفوف الطلاب.

وأكد شهود عيان ” أن بوادر تصدع السور عقب تعرض المنطقة لرجات أرضية متتالية خلال المدة الماضية كانت ظاهرة للعيان غير أنه لم يتم تقدير الخطر الذي يمكن أن يحدثه بالقدر الكافي. وأكد المصدر ذاته أن رياحا قوية بالمنطقة اليوم قد تكون وراء التعجيل بسقوط السور المتداعي منذ فترة بسبب التصدعات والشقوق التي أصابته.

وتباينت آراء المسؤولين بخصوص أسباب تهاوي الحائط، بين من أرجح ذلك إلى العوامل الطبيعية بعد هبوب رياح قوية، وآراء أخرى كشفت بأن مباني المدرسة مهترئة منذ سنوات طويلة، وقد تم التنبيه إلى خطورة ذلك فيما تجاهلت المؤسسة التربوية التحذيرات بشأنها.

وتناقلت صفحات وسائل الاجتماعي صور الحادثة وسط حالة من الصدمة والحزن، ووسط الإجماع بضرورة محاسبة المسؤولين عن هذه الفاجعة.

وخلفت الحادثة المأساوية حالة من الاحتقان بولاية سيدي بوزيد، حيث تم “غلق الطريق الرئيسي وسط المدينة عبر إشعال العجلات المطاطية وغلق المحلات التجارية ورشق سيارة إدارية بالحجارة ثمّ تحطيمها”، وفق ما ذكرته وسائل إعلام محلية.

كما دعا الفرع الجامعيّ للتّعليم الثّانويّ والتّربية البدنيّة بالولاية إلى تعليق الدّروس في كافّة المدارس الإعداديّة والمعاهد بالجهة.

وأجمع الطيف السياسي والشعبي على أن الحادثة تعكس فشلا حكوميا في الاستجابة لمطالب سكان المدن الداخلية المتمثلة في التعليم والصحة والنقل، ورغم أنها مطالب بسيطة وضرورية إلا أن الحكومات المتعاقبة منذ ثورة يناير عجزت عن توفيرها.

وتكشف الحادثة عن تقصير وإهمال حكومي، حيث لم يكترث المسؤولين للتحذيرات المستمرة بضرورة صيانة المدارس القديمة والآيلة للسقوط، ولم تقدم على خطوات جدية لمعالجة مشكل البنية التحتية المتردية بالبلاد وخاصة بالجهات الفقيرة والمهمشة.

ويقول النائب محمد بن حسين في حديثه مع “أفريقيا برس” في البداية رحم الله شهداء العلم وتعازينا الحارة لعائلات شهداء المدرسة العمومية وتمنياتنا بالشفاء العاجل لأبنائنا المصابين حادثة سقوط الجدار الذي بان عليه أثر التشقق، وقد أعلن منذ مدة أنه يشكل خطرا على مرتادي المدرسة.”

وكشف بالقول “لقد نبه المسؤولين أنه يلزم التدخل لصيانته، ويبدو أن هناك من نشر قبل الحادثة صور الجدار وطالب بالتدخل ولكن غاب القرار والسبب هو مسؤول “لا مسؤول”، تحمل المسؤولية فأضاعها، قد يكون مدير لم يقم بواجبه أو معتمد جهة لم يتفقد المؤسسات العمومية مرجع نظره أو مندوب تربية لم يقم بالزيارات اللازمة أو والي جهة لم يقم بدوره.”

ورأى أن “هذه الحادثة وغيرها من تأخر التدخلات العاجلة يرجع بالأساس لغياب التنسيق بين مختلف الجهات المسؤولة كما يمكن أن يكون غياب التواصل وغلق المنافذ على المجالس المنتخبة والتضييق عليها سببا في عدم وصول المعلومة أو الضغط للتعجيل بالتدخل.”

وأردف “نحن في حاجة الآن والرئيس يرفع شعار البناء والتشييد إلى مسؤولين مجتهدين يبحثون عن الإشكاليات ويقومون بالتدخلات الضرورية وأخذ القرارات لا مسؤولين فاشلين عاجزين همهم الوحيد الجلوس وراء المكاتب الفخمة، وأخذ الصور ومكاتبهم مغلقة وآذانهم طرشى وعيونهم مغلقة عن المشاكل الحقيقية لأبناء شعبهم”.

ويضع الرئيس قيس سعيد الجهات الداخلية على رأس أولويات ولايته الثانية التي تنادي بضرورة المرور إلى الدولة الاجتماعية التي خصص لها حيزا مهما في موازنة الدولة، غير أن الفساد المستشري بالبلاد وغياب الكفاءة يقفان حجرة عثرة أمام طموحه في دولة اجتماعية عادلة.

وتعكس الإقالات المتكررة لرؤساء الحكومات عدم رضا الرئيس سعيد عن أداء فريق الحكومي، في الوقت الذي بدأ فيه الشارع التعبير عن تذمره واستياءه من سياسة المماطلة والتسويف التي تنتهجها السلطة إزاء وعودها تجاههم فيما تزاداد أوضاعهم المعيشية سوءا.

وفي معرض تعليقه عن الحادثة، أشار النائب طاهر بن منصور في تصريحه لـ”أفريقيا برس” أن “تونس في حاجة إلى عملية صيانة شاملة في كل المجالات وفي وكل القطاعات، فقبل الحديث عن إنجاز مشاريع جديدة كان من الأجدر صيانة ماهو قديم.”

وأضاف” ثانيا، حالة الخوف من المسؤولية والمحاسبة التي يعيشها المسؤول اليوم جعلت الجميع في حالة عطالة وانكفاء على الذات، لذلك لا بد من خطة ومقاربة جديدة تقوم على مبدأ التشاركية والانفتاح وعدم تقسيم المجتمع والنأي عن عقلية المؤامرة.”

وبرأيه “في حادثة اليوم على القضاء أن يحدد المسؤوليات وعدم البحث عن أكباش فداء وعليه محاسبة من تسبب في هذه الفاجعة سواء كان بالتهاون أو عدم المبادرة بتلافي الكارثة قبل وقوعها”.

وتكشف الحادثة عن حجم إهمال المسؤولين وعدم اكتراثهم لمشاكل ومشاغل الناس، كما تعكس ضعف أداء الوزراء وافتقارهم للخبرة والكفاءة المنشودة لتحقيق المهم والأهداف الموكلة إليهم.

ويؤكد المحلل السياسي باسل الترجمان في حديثه لـ”أفريقيا برس” أن “ما جرى اليوم في منطقة مزونة بولاية سيدي بوزيد من انهيار حائط بمدرسة هو جريمة بما تحمل الكلمة من معنى خاصة أنه وقع التحذير من إمكانية انهياره قبل فترة قصيرة.”

وأعرب عن أسفه من أن “الكارثة جرت بعد أيام قليلة من زيارة وزير التربية إلى الولاية وقد شاهد الحالة المتردية لهذه المدارس لكنه لم يهتم، كما لم تهتم السلط المعنية بذلك.”

وتساءل “هل يعقل أن كل السلط المعنية الموجودة لم تنبه إلى ما يجري”.

وحسب ترجمان تكشف الحادثة عن “حجم الفساد المستشري بالمؤسسات التربوية، وفي حال لم يقع الحد منه ومواجهته فقد ينجم عنه كوارث أخرى.”

وفي تقديره “لا بد أن يكون هناك الآن رجال قادرون على البناء والتشييد وليس رجال يقومون بإدارة الشأن العام دون اهتمام ويبحثون فقط عن صور مع المسؤولين بدل البحث عن حلول للأوضاع الكارثية التي تعاني منها هذه المؤسسات.”

وتعيد الحادثة إلى دائرة الضوء الصعوبات والتحديات التي تطال قطاع التعليم في تونس، حيث تشكو المدارس من تدهور للبنى التحتية مع تقادم غالبيتها خاصة في المدن الداخلية، إضافة إلى تداعيات المطالب والاحتجاجات النقابية على سير الدروس، فيما يؤكد الخبراء أن القطاع بحاجة إلى إصلاح شامل وعاجل.

ورغم أن الرئيس يؤكد أن التعليم إحدى أبرز أولوياته منذ وصوله إلى سدة الحكم، وقد تعهد بإرساء مجلس أعلى للتربية والتعليم بهدف معالجة نقائص القطاع، مع ذلك لم يقع تركيزه إلى الآن.

وأوضح الناشط الحقوقي أحمد القلعي في حديثه لـ”أفريقيا برس” بأنه “لطالما نادت القوى الديمقراطية بإصلاح شامل للمنظومة التربوية، وقد تحدثت 15 لجنة مختصة حول كل الجوانب ومنها البنية التحتية إلى جانب أصلاح البرامج والمناهج وتكوين المربين والمربيات والزمن المدرسي ومنظومة التوجيه المدرسي والجامعي وأنشطة الحياة المدرسية خارج الفصل، وقد أطر هذا الجدل المجتمعي القوي ثلاثي الحوار لإصلاح للمنظومة التربوية.”

وأبرز بالقول “الثلاثي هو المعهد العربي لحقوق الإنسان والاتحاد العام التونسي الشغل ووزارة التربية،” مبينا أن “هذا الثلاثي قد راكم كما هائلا من المقترحات المجتمعية عبر تنظيم استشارة شعبية شارك فيها آلاف الناشطين التربويين والسياسيين والاجتماعيين”.

واستدرك “إلا أن السلطة التنفيذية بعدم استقرار أركانها وتغيير الأشخاص ألقت بالمقترحات في غياهب النسيان واستفردت أحيانا بقرارات أحادية دون تشاور، ويبدو أن السلطة الحالية لا تضع التربية ضمن اهتماماتها، وإلا كانت نفضت على مقترحاتنا الغبار، وقد تعبت أصواتنا في المطالبة بمواصلة مسار الإصلاح.”

وخلص بالقول “إن انهيار الحائط يعبر بطريق تراجيدية على انهيار منظومة بأكملها ذهب ضحيتها مع الأسف شباب في عمر الورود قصفت بأحلامهم رياح اللامبالاة.”

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here