ملف الحريات: ورقة المعارضة الرابحة في مواجهة السلطة

43
ملف الحريات: ورقة المعارضة الرابحة في مواجهة السلطة
ملف الحريات: ورقة المعارضة الرابحة في مواجهة السلطة

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. اعتبرت أوساط سياسية أن ملف الحريات بات بمثابة الورقة “الرابحة” بالنسبة للمعارضة التونسية حيث بوسعه أن يمنحها طريق العودة للمشهد السياسي واسترجاع ثقلها وشعبيتها، بسبب تزايد اهتمام الرأي العام المحلي والدولي بقضايا حقوق الإنسان بالبلد.

وبات لافتا تزايد تحركات المعارضة بمختلف أطيافها في الآونة الأخيرة من خلال تواصل عقد نداوتها وبياناتها لأجل الحشد ضد السلطة وممارساتها خاصة في ملف الموقوفين السياسيين فيما يعرف بقضية التأمر، الأمر الذي أعاد حضورها إلى دائرة الضوء من جديد.

وجددت جبهة الخلاص الوطني المعارضة خلال مؤتمر صحفي، تضامنها مع الموقوفين السياسيين وأبرزهم راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة وعبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر، داعية إلى ضرورة إطلاق سراحهم، معربة عن قلقها من الوضع الصحي المتدهور لبعض القيادات السياسية القابعة بالسجون.

وحذرت الجبهة مما اعتبرته حملة “تطهير وتحريض” تشنها بعض الجهات الموالية للسلطة السياسية ضد المعارضين السياسيين قصد”تجفيف وقتل الحياة السياسية بالبلاد”.

ودعت الجبهة السلطات إلى الكف عن الملاحقات وسياسة “التشفي” من المعارضين وإطلاق سراحهم من السجون بعد أكثر من سنتين من الاعتقال ومراعاة ظروف عدد منهم وخاصة المرضى والمسنين.

وأوضح سمير ديلو، نائب رئيس الجبهة وعضو هيئة الدفاع عن عدة معتقلين، في تصريح لـ”أفريقيا برس” أن” الجبهة ركزت خلال هذه الندوة على المحاكمات السياسية الجارية والمستجدات القضائية، وعلى الوضعية الصحية لبعض الموقوفين السياسيين، خاصة الوضع الصحي لرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ورئيس الحركة بالإنابة منذر ونيسي.”

وأشار إلى أن” القضايا التي توجهها السلطة إلى قيادات المعارضة هي قضايا ملفقة، وذلك بسبب غياب الأدلة والحجج والإثباتات.”

وعلق “السلطة تسعى إلى التعتيم في قضية التآمر، وهو ما يؤكد أنها قضايا ملفقة.” مؤكدا أن “الجبهة ستقوم بدورها وواجبها في هذا الملف”، رغم استبعاده أي “تفاعل ايجابي من قبل السلطة.”

ويتساءل متابعون ومحللون عن مدى قدرة المعارضة في استرجاع وزنها السياسي لما بات يحظى به ملف الحريات من أهمية، والذي من شانه أن يشكل وسيلة ضغط ضد الرئيس قيس سعيد الذي يواجه اختبارا حقيقيا في ولايته الثانية بسبب ترقب الشارع خاصة من أبناء الطبقة الفقيرة والمتوسطة مدى قدرته على تطبيق وعوده في بناء “دولة اجتماعية عادلة” على أرض الواقع، الأمر الذي يضع شعبيته على المحك.

معارضة مشتتة

على الرغم الإجماع من أن المعارضة التونسية مشتتة، رغم وحدة الموقف من مسار 25 جويلية، حيث مازالت غارقة في خلافات الماضي وفي الانقسامات الإيديولوجية، إلا أن توحيد صفوفها يشكل تحديا حقيقيا ومطلبا ضروريا لأجل استرجاع مكانتها وقاعدتها الشعبية المتآكلة بسبب إخفاقات العشرية الأخيرة.

وأشار أحمد نفاتي نائب الأمين العام لحزب عمل وانجاز المعارض في حديثه لـ”أفريقيا برس” بأن” المعارضة في تونس تواجه تحديات كبيرة، وأهمها التشتت الذي يُضعف قدرتها على مواجهة ضغوط السلطة.”

ويقول” اليوم، أكثر من أي وقت مضى، هي مطالبة بتجاوز الخلافات الهامشية والعمل على توحيد الجهود ضمن رؤية وطنية واضحة. لا شك أن ملف الحريات يبقى محورياً، خاصة في ظل التضييقات المتزايدة، لكنه لا يمكن أن يكون وحده مدخلاً لاستعادة التوازن في المشهد السياسي.”

وبرأيه فإن “المطلوب هو خطاب مسؤول، بعيد عن الشعارات، يقدم حلولاً واقعية لمشاكل الشعب التونسي الذي يعيش أزمة خانقة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كما أن الوضع السياسي الراهن، وما يتسم به من انغلاق، دفع العديد من الفاعلين السياسيين والإعلاميين والمدونين إلى الحذر، خصوصاً مع التطبيق اللامعقول والإقصائي للفصل 54، الذي أصبح سيفاً مسلطاً على كل صاحب رأي مخالف.”

ولفت إلى أن “وجود عدد من القيادات السياسية في السجون حرم العديد من الأحزاب من قياداتها الطبيعية، مما ساهم في إضعاف الحياة السياسية وزاد من اختلال التوازن بين السلطة والمعارضة. في ظل هذه المعطيات، يبقى الحل في بناء معارضة قوية، متماسكة، وقادرة على تقديم مشروع جدي يقنع التونسيين بأن هناك بديلاً ممكناً وقادراً على إخراج البلاد من أزمتها”.

وتقر أصوات أخرى بنجاح السلطة في إقصاء النخب السياسية المعارضة من المشهد مستثمرة الغضب الشعبي ضد المنظومة الحاكمة في مرحلة ما قبل 25 جويلية، وأنه ليس أمام المعارضة سوى تقديم برامجها ورؤيتها لحل أزمات البلاد لإقناع الرأي بقدرتها على تقديم البدائل.

ويعتقد أحمد القلعي الناشط الحقوقي في حديثه لـ”أفريقيا برس” أن “الأمور تصبح أكثر تعقيدا عندما نفكر في “مشروع معارضة مشترك” بين الأحزاب وتتعقد أكثر عندما ندرك أن الرئيس الحالي يعتبر هذه “الأجسام” “وسيطة” ولا يرغب في إشراكها للخروج من الأزمة الحالية.”

ويضيف “الشارع تم تجيبشه ضد الأجسام الوسيطة واختلاق معضلات جانبية باقتراح حلول شعبوية لا تجدي نفعا، ويتطلب الأمر توحيد القوى الوطنية، جمعيات وأحزاب، على أساس عقد اجتماعي للإصلاح واقتراح حلول عملية قابلة للتحقيق للخروج من الأزمة المتعددة الجوانب الحالية”.

وفي تقديره “وبالرجوع إلى تاريخ المجتمع المدني التونسي العريق والحافل بالانجازات، وليس أقلها قيادته للحوار الوطني ممثلا في الرباعي الذي أحرز سنة 2015 على نوبل للسلام، فإنه لا يزال قادرا على اقتراح البدائل عبر الدعوة إلى مؤتمر وطني”.

وبالنسبة للناشط السياسي المعارض مصطفى بن أحمد، فإن “ملف الحريات والمعتقلين مسألة لا تهم فقط جبهة الخلاص أو مكون معارض، بل تهم الرأي العام السياسي والاجتماعي.”

وتابع في حديثه لـ”أفريقيا برس” من “المفروض أن المجتمع المدني يتحرك ويطالب بوضع حد لهذه الممارسات، لا بد من تحركات ولا بد للقضاء أن يقوم بدوره وبواجبه حتى يقع احترام حقوق الإنسان في البلد.”

وأردف في معرض تعليقه عن الانتقادات الخارجية التي طالت السلطة بخصوص أداءها في هذا الملف، بالقول”نحن نعيش في مجتمع دولي، ومن الطبيعي أن يكون هناك تضامن في قضايا مختلفة مثل القضايا الحقوقية.”

وبينما ندد المؤيدون للرئيس سعيد بانتقادات المفوضية الأممية لحقوق الإنسان مؤخرا لتعامل السلطة معارضيها والتي اعتبروها تدخلا في الشؤون الداخلية، تعتقد الأوساط الحقوقية أن هذه الانتقادات نتيجة متوقعة بسبب التضييق والإقصاء المستمرة التي أضرت بصورة تونس خارجيا، وسط رفض الرئيس سعيد إلى الإصغاء إلى مختلف المكونات السياسية وتواصل النهج الفردي في الحكم،وهو ما يطرح قلقا حقيقيا بشأن مستقبل الديمقراطية والحريات بالبلاد.

معارضة نخبوية

تذهب آراء سياسية أخرى بالاستنتاج بأن المعارضة في تونس مازلت معارضة نخبوية ولم تغادر مربع الأحزاب والمنظمات، كما لم تنجح في كسب رضا الشارع، وخاصة أنها أضاعت الفرصة في إثبات كفاءتها في إدارة شؤون البلاد أعقاب ثورة يناير 2011 بسبب التهاءها بالمعارك السياسية والصراع على المناصب والنفوذ.

ويتساءل النائب بالبرلمان التونسي الطاهر بن منصور في حديثه لـ”أفريقيا برس” بالقول “في البدء إلى أي مدى يمكننا الحديث عن معارضة في تونس؟ لأن النخبة السياسية أضاعت لحظة تاريخية غير متكررة بعد الثورة لخلق مشهد سياسي راق وغير مسبوق في الوطن العربي، ولكن لأسباب ذاتية وخارجية تعرض المشهد السياسي لجملة من الإختراقات وصلت حد العبث و التخريب المقصود”.

واعتبر أن “المشهد السياسي السليم يجب أن يتكون من ثنائية “حكم- معارضة” ولكن الخروج عن هذه الثنائية هو إعتداء على إرادة المجتمع و حركة التاريخ”.

واستدرك “مع الأسف في تونس المعارضة مشتتة وتفتقد لبرنامج موحد في حده الأدنى المطلوب ويمكن تقسيمها لصنفين.”

وشرح بالقول “الصنف الأول مرتبط بالخارج ولا يستحي في إعلان ذلك من خلال مواقفه وعلاقاته السياسية والتنظيمية والمالية، والصنف الثاني معارضة وطنية، ولكنها تعاني من تضييقات قبل 14 جانفي وبعده لأن إرادتها تتعارض مع الإرادات و المشاريع المرتبطة بالخارج، وقد ساهمت التوجهات السياسية ما بعد 25 جويلية في معاناتها، مثل غلق المنابر الإعلامية الرسمية التي من المفروض أن تكون منابر حوار من أجل خلق حياة سياسية سليمة و تؤسس لمشهد جديد، و ترذيل الحياة السياسية والنقابية من خلال تهميش دور الأجسام الوسيطة بإعتبارها فضاءات تنظم وتعبير جماعية قانونية مراقبة، والتضييق على حرية التعبير من خلال المرسوم 54، وعدم استقلالية القضاء.”

ووفق بن منصور، “رغم أهمية محور الحريات العامة فإن هذا المشغل يبقى محورا نخبويا بامتياز، وعليه فإن المشغل الأساسي هو الإقتصادي والإجتماعي المرتبط جوهريا بحياة الناس والذي فشلت فيه السلطة فشلا ذريعا لأنها لم تتمكن من رسم رؤية واضحة ووضع برنامج وطني متكامل بل اكتفت بقرارات جزئية على شكل مجاراة لليومي”.

وأبرز أن “المطلوب اليوم من المعارضة الوطنية غير المرتهنة للخارج وغير المرتبطة بلوبيات المال والأعمال أن تعمق الحوار فيما بينها وتبحث عن الحد الأدنى المشترك من أجل صياغة برنامج إنقاذ وطني يضع في أولوياته الملفين الإقتصادي والاجتماعي، والمطلوب من السلطة أن تدرك أن الحياة السياسية من دون معارضة هي حياة مشوهة ومنقوصة، لا يمكن أن تؤدي إلا إلى منزلقات خطيرة على الجميع سلطة ومعارضة”.

وفيما يشكل فشل السلطة في حل الأزمة الاقتصادية بالبلاد وتحقيق تطلعات الشارع فرصة أمام المعارضة لاستثمار هذا الفشل إلى صالحها، إلا أن تراجع دور اتحاد الشغل، الذي لعب دورا سياسيا بارزا بعد الثورة، جعلها تفتقد إلى زخم الحراك النقابي وهو ما ألقى بضلاله سلبا على أداءها.

ويبين المحلل السياسي منذر ثابت في حديثه لـ”أفريقيا برس” أن “المعارضة في تونس اليوم هي معارضات وهي مختلفة ومتنافسة إلى حد الصراع والتنافي، وهي تسعى إلى البحث عن النجاعة والتأثير إلى حد الآن دون أن تنجح في ذلك، حيث مازالت في مستوى النخبة.”

وزاد “المعارضة لا تزال تشتغل ولا تزال تستهدف النخب دون أن يكون لها ولوج في العمق الاجتماعي خاصة إذا ما اعتبرنا العطالة التي انزلق إليها اتحاد الشغل”.

وعلق “الكل يعلم أنه دون الحراك النقابي الذي يمثل القوة الدافعة لليسار، لا يمكن للمعارضة خاصة العلمانية منها أن تجد صدى والقاعدة الشعبية وهو ما يحدثنا عنه المفاصل الأساسية للتاريخ السياسي التونسي.”

ولاحظ أن “المعارضة تضغط حاليا باستعمال الإعلام الذي يدعمها، لكن من زاوية اجتماعية فهي محاصرة بعشرية لم تكن في مستوى آمال الشارع.”

وخلص بالقول “من المؤكد أن المعارضة تراهن على الضغط أكثر من خلال المنابر الإعلامية، ومن خلال إرساء ديناميكية دبلوماسية موازية لعلها تفلح في مواجهة السلطة، في حين أن المجتمع في سياق آخر تماما كأن الرأي العام في حالة حسم لطبقة سياسية خبرها وجربها ولم يعد يثق فيها.”

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here