حياة بن يادم
بعد موقعة الجملي الشهيرة في البرلمان ذات يوم 10 جانفي 2020، و التي كانت نتيجتها سقوط الحكومة في امتحان منح الثقة. كما سقطت معها عديد الاقنعة. لنستفيق على مشهد سياسي جديد ظاهره متّعضا من هذه التجربة.
استبشرنا خيرا بالتغير الحاصل لدى حزب التيار الديمقراطي في تعاطيه السياسي مع مرحلة ما بعد موقعة الجملي. حيث أكّدت بعض قياداته على أهمية التنازل و التواضع، معتبرين من الدروس التي تلقوها خلال المرحلة الماضية. و استعدادهم بالقبول بمبدأ التخلي عن الشروط السابقة، و منها التنازل عن الوزارات التي طالبوا بها. و التوافق مع جميع الاطراف بما في ذلك قلب تونس.
يتم تكليف الفخفاخ باقتراح كتابي من طرف حزب تحيا تونس، و بدعم شفاهي من حزب التيار. ليحدد ملامح حزامه السياسي على أساس الأطراف التي اصطفت وراء قيس سعيد في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية الأخيرة. و يعلن صراحة اقصاء قلب تونس و الحزب الحر الدستوري من مفاوضات تشكيل الحكومة. و الحال و أن حزب تحيا تونس لم نجد له اي بيان صادر عنه حول دعمه لقيس سعيد في الانتخابات الأخيرة.
و كما تغير التيار تغيرت كذلك النهضة حيث صرّح رئيس مجلس شوراها بعد انعقاد الدورة 37 “لكلّهم كيف كيف”. مما يعني ان حركة النهضة لم يعد لها تصنيفات ما يعرف بالثوري و الغير ثوري و بالقديم و غير القديم. و عليه تخلط جميع الاوراق دون استثناء من جديد إلا من استثنى نفسه.
لتتحول الانظار يوم 06 فيفري 2020، من دار الضيافة إلى دار الشيخ “داهية السياسة”، في لقاء جمع الفخفاخ بنبيل . و يصبح الشيخ بقدرة قادر عند عياض اللومي “رجل حكيم وهو اليوم كبير العائلة”.
يصرح محمد مسيليني عضو المكتب السياسي لحركة الشعب بعد هذا اللقاء ” نحن منذ البداية لسنا ضد اقصاء احد”.و بما أن تاريخ اللقاء 06 فيفري 2020، يصادف اغتيال الشهيد شكري بلعيد، يتلقى شيخ النهضة هدية تمثلت في تبرئتة من التهم التي طالته خلال 7 السنوات الماضية على لسان خليفة الشهيد و رأس حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، و أحد أشرس المعادين له، زياد الأخضر، الذي قام بفضح المتاجرين بملف شكري بلعيد قائلا “يستغلون ملف الشهيد لابتزاز النهضة ويزعمون في العلن انهم مع كشف الحقيقة”. و شهد شاهد من أهلها.
أما التيار و على غير المتّعضين بحكمة الشيخ التي تقول “الأغبياء فقط هم من لا يغيرون مواقفهم”، أعلن أمينه العام محمد عبو بعد لقاء الفخفاخ “مبدئيا لسنا معنيين بمشاورات تشكيل الحكومة”.
تعجز الحروف على توصيف هذا السلوك الصبياني. فبعد إضاعة فرصة حكومة الجملي. و الذي كان التيار فيها الفتى المدلل. حيث صرّح عضو المكتب السياسي لحزب التيار الديمقراطي محمّد العربي الجلاصي “على الرغم من ان الفخفاخ اقرب لنا من الجملي الا انه منحنا اقل من الجملي”.
أما جوهر بن مبارك المقرب من التيار ” ما تحصل عليه التيار الديمقراطي في حكومة الجملي والاستجابة لكل شروطه حتى أنه أصبح الحزب الأول في الحكومة”. لينطبق عليه المثل القائل “من كان في نعمة و لم يشكر خرج منها و لم يشعر”.
على الرغم و أن التيار اختار الفخفاخ ، و على الرغم و أن التصريحات الماضية لقيادته تؤكد انفتاحه و قبوله بالتنازل و ليس لديه اشكال مع مبدأ تشريك قلب تونس في تشكيل الحكومة. و في مناخ نلحظ فيه تطور في سلوك الأحزاب المذكورة في التعاطي مع المرحلة الجديدة، نجده ينكص على عقبيه و يمارس نفس “الغباء” السياسي و ينتظر بسذاجة الحصول على نتيجة مختلفة.
ما يأتيه التيار من تصرفات غير مسؤولة، و ما يعرف ب “التفوريخ السياسي”، تستدعي هذه الظاهرة دراسة من طرف خبراء الاجتماع و السياسة لفهم هذا السلوك النشاز و هذه النرجسية و الغرور المبالغ فيه و الاحتكار لمفهوم الطهورية و اصدار صكوكها لشركائه في الوطن . في ظرف يستحق الوطن للمّ الشمل و المضي في حكومة محصنة بحزام سياسي واسع تستطيع من خلالها كسر “البلوكاج” و حلحلة الاوضاع الاقتصادية الاجتماعية نحو الأفضل.
ما يقوم به التيار هو انتحار سياسي لان الذين انتخبوه كانوا على اساس خطاب مسؤول لغاية بناء الوطن. ليصطدموا بسياسة الهروب من المسؤولية.أما آن للتيار أن ينضج و يكون مسؤولا و يخرج من المراهقة السياسية؟