ظافر الغربي
أفريقيا برس – تونس. لم يسبق أن أثارت قائمة منتخب تونس في المشاركات الخمس السابقة في نهائيات كأس العالم مثل ما عشناه هذه الايام من جدل جماهيري وهذيان اعلامي وصخب “فايسبوكي” حول القائمة الرسمية التي ستتولى الدفاع عن ألوان تونس في مونديال قطر 2022!
لم يعد خافيا عن أي متابع للشأن الكروي في تونس ان الضجة التي رافقت فترة الاختيار قبل وبعد معسكر الدمام (المرحلة الأخيرة من استعدادات النسور) لها ما يبررها، وليس في الأمر سرّ، فالاعتقاد السائد ان القائمة ليست وليدة اختيارات الناخب الوطني (المدرب) جلال القادري لوحده، بل لها أكثر من “أب”، كرئيس الاتحاد وديع الجريء وبعض كوادر المنتخب الفاعلين!
هذه الشكوك التي تحوم حول “نَسَبِ” القائمة تحولت الى يقين بعد ساعات قليلة من الإعلان الرسمي عن “ولادتها”! وبات واضحا أن استبعاد بعض اللاعبين من المونديال القطري، لم يكن مبنيا على أسباب فنية وانما فرضتها المحاباة والتعليمات والتدخلات!
المحاباة حظيت بها بعض الاندية الكبيرة بدعوة مدافع الترجي ياسين مرياح الذي عاد حديثا للدوري التونسي وفي “قدميه” ثلاث مباريات محلية. صحيح أنه يحمل رصيدا من الخبرة كلاعب دولي سابق، لكنه حاليا ليس في أوج استعداداته ليكون ضمن القائمة الرسمية و”ينتزع” مكان من هو أحقّ بذلك!
أما في إطار التعليمات، تأتي الدعوة التي أثارت صخبا غير مسبوق، وقد تلقاها حارس النجم الساحلي أيمن المثلوثي البالغ 38 عاما تقديرا لمسيرته ولاستغلال خبرته للاحاطة بزملائه ودعمهم معنويا! علما أنه تم تكريم هذا الحارس في مونديال موسكو 2018 (ببادرة من الناخب الوطني وقتذاك نبيل معلول) وليس هناك ما ينص على تكريم أي لاعب في مونديالين متتاليين!
وفي إطار التعليمات أيضا، تمت ترضية النادي الافريقي بدعوة حارسه معز حسن، فيما أقصي حارس الترجي الأول الشاب صدقي الدبشي (23 عاما) الذي كان مصنفا ثالثا بعد الحارس الأول أيمن دحمان وزميله الثاني بشير بن سعيد، وأسفرت التعليمات عن تثبيت أربعة حراس (لثلاث مباريات منطقيا) في سابقة ربما هي الاولى والوحيدة في نهائيات كأس العالم، والمتضرر من دون شك هو المنتخب الذي حرم من لاعب ميداني يمكن الاعتماد عليه في أحد الخطوط الثلاثة ويكون من بين الذين استبعدوا ظلما!
وفي سياق التعليمات أيضا، يأتي استبعاد لاعب الوسط سعد بقير نجم الترجي السابق وأحد نجوم الدوري السعودي مع فريق أبها، النجم الذي قاد الترجي للفوز بدوري الابطال عام 2018، ووجه مباشرة سهامه نحو وديع الجريء في اذاعة محلية وقال إنه بعث له برسالة نصية يتهمه فيها بمسؤوليته عن استبعاده، منزها في الوقت ذاته الناخب الوطني الذي تحدث معه عقب اصدار القائمة وفُهم من كلامه أنه كان مرغما على اتخاذ قرار لا رغبة له فيه!
التعليمات التي لا تصدر الا من رئيس الاتحاد، ارتبطت بالتدخلات، فمن أسباب “التضحية” ببعض الأسماء التي كانت مرشحة بقوة للذهاب الى الدوحة (مثل سيف خاوي وفراس بلعربي وأسامة الحدادي) ان اللاعبين الياس السخيري (كولن الالماني) ووهبي الخزري (مونبلييه الفرنسي) هددا بالانسحاب من المنتخب اذا لم تتم دعوة زميلهما ديلان برون مدافع ساليرنيتانا الايطالي، ما يعني ان اللاعبين غير المقيمين (منهم أصحاب الجنسية المزدوجة) لهم “لوبي” داخل المنتخب ويحسب لهم ألف حساب، ولا عجب من ذلك فلهم حضور قوي في القائمة الدولية حيث ان 18 لاعبا (من 26) ينشطون خارج تونس، منهم 11 في دوريات أوروبية.
سياسة الدكتور عبثية
هي كذلك بلا جدال، لأنها أدت الى انقسام واضح وعمقت الهوة بين أفراد شعب يعانون أصلا من عبث السياسيين على مدار عديد السنين. لقد تخلى التونسيون عن خبزهم اليومي والارتفاع الجنوني لأسعار المواد المكونة له، وشغلتهم قائمة الذاهبين للدوحة، ومع كل تسريب لأسماء مدعوة أو مستبعدة تشتعل وسائل “الانفصال” وليس التواصل الاجتماعي، لتعيش جمهورية الفيسبوك (تحديدا) أياما كلها نشاط حثيث، فيه العزف المنفرد لمن يغنّي على لاعب أو لاعبي ناديه، وفيه تحفظ الاعلاميين الذين يدورون في فلك الدكتور، وفيه ضيوف بلاتوهات البرامج الرياضية (وما أكثرها) الذين جنّدوا أنفسهم للدفاع عن لاعبي الاندية التي ينتمون اليها!
ولعل ما يجدر التأكيد عليه أن الأجواء غير الصحية، كانت مهيمنة على المشهد الكروي من قبل أن تبدأ “فتنة القائمة الدولية”، ففي بلد تأهل منتخبه لنهائيات كأس العالم ألا يفترض أن تكون روزنامة بطولته المحلية (وهي حجر الاساس قبل أية مشاركة قارية أو عالمية) واضحة المعالم تخدم مصالح الاندية وترضي شغف الجماهير وتهيئ الارضية للاعبين الدوليين أو الذين يسعون لانتزاع مكان؟
ما رأيكم حين تكون الاجابة أن شيئا من ذلك لم يحدث! فالدوري انطلق بعد توقف دام أكثر من ثلاثة شهور، لتكون ضربة البداية في بداية أكتوبر/تشرين الأول، أي قبل فترة قصيرة من انطلاق المونديال، وتزامن ذلك مع مواعيد الفرق المشاركة في المسابقات الافريقية، فهناك من لعب مباراتين أو ثلاثاً، بينما فرق أخرى أكملت مبارياتها لمرحلة الذهاب!
لقد فرض الدكتور، من جديد بطولة بمجموعتين (نظام لا جدوى منه) و لم يراع احتمال فوز هلال الشابة بقضيته المرفوعة ضد اتحاد الكرة لدى محكمة التحكيم الرياضي، وما حدث ان تعنت وديع الجريء تحطم على صخرة المحكمة التي أنصفت النادي الذي حرص الدكتور على إزالته من الخارطة الرياضية!
القصة تطول، والمجال لا يسمح لمزيد من السرد، فقط نقول إن تونس تستحق
أفضل من أن يتولى المسؤولية من يستبد بالرأي وتنتابه لوثة “الفرعنة” فيعتقد أنه رئيس على الدوام!
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس