أفريقيا برس – مصر. يترقب الملايين من عمال مصر إنجاز اللائحة التنفيذية لقانون العمل الجديد، والذي تم إقراره من دون مشاركة فعلية منهم، في حين تعتبره السلطات المصرية خطوة كبيرة في مسار تحسين أوضاع العمال.
خلال الاحتفال الرسمي بمناسبة “عيد العمال”، والذي أقيم يوم السبت الماضي، داخل شركة السويس للصلب، ذات الكثافة العمالية الكبيرة، لم يكن لافتاً فقط تكريم عدد من العاملين، وافتتاح المرحلة الثانية من المصنع الكبير، بل إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي توقيعه لـ”قانون العمل الجديد”، والذي أقره البرلمان مؤخراً، بعد سنوات من التعثر.
تحدث السيسي عن تمريره القانون ضمن خطاب دافئ حمل إشادة بـ”سواعد المصريين”، بينما يلقى القانون معارضة واسعة من التنظيمات النقابية المستقلة والأحزاب السياسية. وفجرت المواقف المتناقضة إزاء قانون العمل بين السلطة والعمال أسئلة أعمق حول الرسائل السياسية الكامنة وراءه، ومدى اتساقه مع الواقع المتأزم للحريات النقابية والاجتماعية في البلاد.
تعتبر السلطات القانون نقلة نوعية لتحسين أوضاع القوة العاملة في مصر، وأنه يطاول قرابة 34 مليون عامل، من بينهم نحو 7 ملايين عامل في القطاع الحكومي، إذ يثبت عدداً من الحقوق، من بينها تحديد عدد ساعات العمل، وتعزيز الحماية للمرأة العاملة، وتقليص الفصل التعسفي، ويدخل تعديلات تتماشى مع المعايير الدولية.
في المقابل، اعتبرت نقابات مستقلة ومنظمات مجتمع مدني أن نص القانون لا يراعي مصالح العمال، بل ينحاز إلى أرباب العمل في ظل مناخ تتقلص فيه المساحات المتاحة للتمثيل العمالي الحر أو المستقل.
يحدد القانون الجديد عدد ساعات العمل ويقلص الفصل التعسفي
ويأتي صدور القانون في وقت تشهد فيه الحركة العمالية المصرية حالة من الجمود منذ قرار حل النقابات المستقلة في عام 2018، وإخضاع المنظومة النقابية لرقابة مشددة بموجب قانون النقابات العمالية الصادر في 2017، والذي جرى تمريره بعد انتقادات دولية لوضع الحريات النقابية في مصر. منذ ذلك الحين، أُعيد تشكيل الاتحاد العام لنقابات عمال مصر (الحكومي) بصورة تتماهى مع رؤية السلطة التنفيذية، الأمر الذي أضعف هامش التعبير السياسي للطبقة العاملة بالكامل.
يقول أمين عام الحزب الاشتراكي المصري، أحمد بهاء الدين شعبان، إن “النظرة الموضوعية لقانون العمل الجديد تكشف أنه ليس قانوناً للدفاع عن مصالح الطبقة العاملة، ولا عن حقوق العمال، خصوصاً غير المنتظمين، بل قانون صُمم لحماية أصحاب الأعمال، وتكريس هيمنتهم على المجتمع، ومصادرة ما تبقى من حقوق الطبقات الكادحة. القانون يُكرس إفقار الطبقة العاملة، ويميز ضدها مقارنة بباقي فئات المجتمع، كما يحاصر حقوق العمال في الدفاع عن مصالحهم، وعلى رأسها حق الإضراب السلمي المقرر في الدساتير والاتفاقيات الدولية”.
يضيف شعبان: “ينتزع القانون من العمال الشعور بالأمان الوظيفي، ويفتح الباب واسعاً أمام الفصل التعسفي عبر ذرائع مختلفة، من بينها تعاطي المخدرات”. وينتقد ما وصفه بـ”الاستثناءات الجائرة”، قائلاً إن “القانون يستثني العاملات المنزليات من الحماية القانونية، ويربط توفير أماكن للحضانة في أماكن العمل بوجود 100 عاملة، ما يحرم كثيرات من هذا الحق، فضلاً عن استثناء عمال النظافة والحراسة من أحكام ساعات العمل، ما يُعد انتهاكاً صارخاً للعدالة الوظيفية”.
ويتابع: “يقوم القانون على فلسفة مرونة سوق العمل، وهي في جوهرها تمنح أصحاب الأعمال حرية شبه مطلقة في التعيين والفصل، وتعمق التفاوت الطبقي في المجتمع، وتكرس من غياب العدالة الاجتماعية. المادة الخاصة بالعلاوة الدورية، والتي حددت نسبتها بـ3% من الأجر التأميني، تتجاهل معدلات التضخم الهائلة التي تلتهم أجور العمال، وتجعلهم عاجزين عن تلبية احتياجاتهم الأساسية”.
ويستنكر شعبان إقصاء الصوت العمالي الحقيقي عن النقاش البرلماني، قائلاً إن “الحوار حول القانون جرى بين رجال الأعمال وممثلي السلطة وبعض أعضاء البرلمان المتوافقين معهم، بينما غاب عنه ممثلو الطبقة العاملة من أصحاب الخبرة، والذين يعيشون المعاناة اليومية”. ويوضح: “نصيب العمل من الدخل القومي في مصر تراجع من نحو 40% في عام 2000، إلى 26% في عام 2013، ثم هبط إلى مستويات خطرة لاحقاً، والفقر بات سمة منتشرة بين العمال، وتشير بيانات رسمية إلى أن نحو ثلثي العاملين في القطاع الخاص يعيشون تحت خط الفقر”.
وختم أمين عام الحزب الاشتراكي المصري حديثه بالدعوة إلى “إعادة النظر في القانون عبر تدخل من رئيس الجمهورية، باعتباره الطرف الوحيد القادر على مراجعة النصوص، حفاظاً على السلم الاجتماعي”، مطالباً الأحزاب السياسية بـ”تفعيل دورها للدفاع عن الفئات الشعبية، وعلى رأسها الطبقة العاملة، والتي تواجه حالياً استهدافاً ممنهجاً لحقوقها الأساسية. المضي في هذا النهج التشريعي، والذي يشمل قانون الإيجارات القديمة، قد يدفع الأوضاع الاجتماعية إلى مزيد من الاحتقان والتوتر”.
تتهم نقابات ومنظمات مدنية القانون بالانحياز إلى أرباب العمل
ويأتي الإعلان عن توقيع قانون العمل الجديد قبل أسابيع من تحريك متوقع لأسعار السلع الأساسية والمحروقات بالتزامن مع تخفيض الدعم، وهو أمر لا يمكن فصله عن التكتيك السياسي المتبع في إدارة التوازنات الاجتماعية، خاصة في ظل ضغوط معيشة متزايدة تطاول الطبقات الوسطى والدنيا. فبينما يعاني ملايين العمال من ارتفاع تكلفة المعيشة، يبدو أن النظام يسعى إلى تقديم “إصلاحات ناعمة” مستهدفاً تهدئة المجتمع من دون منح أدوات حقيقية للمساءلة أو التنظيم المستقل.
ويرى مراقبون أن توقيع القانون جاء في سياق محاولة لترميم العلاقة بين النظام المصري وقطاعات شعبية لطالما اعتُبرت ركيزة تاريخية له، ومن بينها الطبقة العاملة، والتي تتقلص أدوارها في “الجمهورية الجديدة”، والتي تقودها رؤية مركزية صارمة يغيب عنها الطابع التشاركي في صياغة السياسات.
ويؤكد خبراء في الحقوق المجتمعية، أن القانون لا يعالج هذا الخلل البنيوي، ولا ينص صراحة على ضمان حرية التنظيم النقابي المستقل، كما لا يوفر آليات فاعلة للفصل السريع في النزاعات الجماعية، بل يبقي على صلاحيات واسعة للقبضة الأمنية، ولصاحب العمل، ويعتمد على تسوية المنازعات عبر آليات إدارية خاضعة للدولة، وليس القضاء العمالي المستقل.
يقول عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي) رئيس حزب الإصلاح والتنمية، محمد أنور السادات، إن “صدور قانون العمل الجديد قوبل بإشادة من ممثلي الدولة والحكومة ونواب الأغلبية، لكنه في المقابل أثار تحفظات واعتراضات واسعة من جانب النقابات العمالية المستقلة، والتي كانت تأمل في قانون أكثر توازناً، يضمن الأمن الوظيفي، ويعالج ملفات الرواتب والعلاوات وحقوق التظاهر والتنظيم”.
يضيف السادات: “العمال المستقلين والنقابات المستقلة يرون أن القانون الجديد لا يلبّي الحد الأدنى من تطلعاتهم، ويصادر حقوقاً مشروعة تتعلق بالتنظيم والإضراب والتفاوض الجماعي، وهي حقوق مكفولة في الدساتير والقوانين الدولية. صدر القانون من دون حوار مجتمعي حقيقي، أو جلسات استماع، وهذه ظاهرة تتكرر في معظم القوانين التي تُمرر حالياً عبر البرلمان، مثل قانون المسؤولية الطبية، وقانون اللجوء، وتعديلات قانون الإجراءات الجنائية”.
ويوضح أنه تابع موقف منظمة العمل الدولية التي أشادت بالقانون، ما أثار استغراب العديد من الحقوقيين والنقابيين المصريين، خصوصاً في ظل غياب مشاركة فعلية للعمال في صياغته. ويستطرد: “صدر القانون، وسيدخل حيّز التنفيذ بعد الانتهاء من إعداد لائحته التنفيذية، وعلينا التعامل معه كأمر واقع، وإن كان لا يعبّر عن حوار ديمقراطي حقيقي. هناك تناقض بين الخطاب الرسمي الذي يتحدث عن حماية العمال، وبين واقع السياسات الاقتصادية والاستثمارية التي تتوسع في تحرير السوق وفتح المجال أمام القطاع الخاص، وما نراه على الأرض من تصرفات القطاع الخاص يتناقض مع ما تؤكده الحكومة، وهو ما يُشعر العمال، ومعهم الفلاحون، بأنهم مهمّشون، ولا يستمع أحد إليهم”.
ويؤكد السادات: “هذا الشعور بالتهميش لا يقتصر على العمال فقط، بل يشمل شرائح عديدة، مثل الأطباء، والمهندسين، والمدرسين، ممن يطالبون بحقوقهم في ظل صمت رسمي. نعيش حالة من انعدام التوازن الاجتماعي، ومصالح العمال باتت رهناً لسياسات جذب الاستثمارات، ما يفرض على الجميع أن ينتظروا ويراقبوا كيف ستتطور الأمور خلال الفترة المقبلة”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس