هجرة أطباء مصر.. 76% قرروا المغادرة هرباً من الفقر والمخاطر

1
هجرة أطباء مصر.. 76% قرروا المغادرة هرباً من الفقر والمخاطر
هجرة أطباء مصر.. 76% قرروا المغادرة هرباً من الفقر والمخاطر

أفريقيا برس – مصر. بين المخاطر المهنية والأمنية ومخاوف الوقوع في براثن الفقر، اختار 76% من الأطباء المؤهلين العمل خارج مصر، 60% منهم كان دافعهم تدني الأجور، وفقاً لتقرير حديث لمركز حلول بديلة للسياسات العامة، بالجامعة الأميركية في القاهرة. بعضهم يختار منطقة الخليج، بينما يختار جيل جديد من شباب الأطباء والخبراء النابهين هجرة دائمة إلى الغرب، وتحديدًا إلى لندن وأميركا الشمالية. وكشف بيان حديث لنقابة الأطباء المصريين أن نحو 7 آلاف طبيب غادروا البلاد للعمل في الخارج عام 2023، في سلسلة موجات متواصلة، بلغت نحو 16 ألف طبيب عام 2021، اتجهوا لاستكمال الدراسات العليا والعمل في المستشفيات الأوروبية والأميركية.

أثارت موجات الهجرة الواسعة صدمةً في مجتمع يعاني من قلة الأطباء، وفقًا لمعايير منظمة الصحة العالمية، التي تُبيِّن أن متوسط تغطية الطبيب في مصر يبلغ نحو 1160 مواطنًا، بينما يبلغ عالميًا طبيبًا واحدًا لكل 500 مواطن. لم تعد الهجرة قاصرة على الأطباء حديثي التخرج، بل امتدت إلى أطقم التمريض والكوادر الفنية والتخصصات النادرة للعاملين في الطوارئ والعناية المركزة والتخدير وصيانة الأجهزة الطبية الحديثة، ما يعده متخصصون تجريفًا لكوادر المنظومة الطبية، وإهدارًا للمال العام وثروات الأسر التي أنفقتها على تعليم أبنائها، لتُفاجأ باختيارهم الهجرة الطوعية.

أزمات أطباء مصر

يبرر رئيس قسم سابق بكلية طب قصر العيني، الأقدم في مصر والشرق الأوسط، اختيار شباب الأطباء الهجرة بأنه نتيجة مباشرة لبيئة مهنية لم تعد جاذبة للكفاءات، في وقت يواجه فيه المجتمع تحديات توجه الحكومة نحو خصخصة الخدمات الصحية بالمستشفيات العامة، وسباق مؤسسات طبية دولية على شراء المؤسسات العلاجية المحلية، وتحويل الخدمات الإنسانية إلى سلعة لا تقدر على تحمُّل تكاليفها الأغلبية الساحقة من المصريين.

قال البروفيسور، الذي اختار لأسباب أمنية اسمًا مستعارًا “محمد طه”، إنه يجهز ابنه الطالب بكلية الطب للسفر إلى لندن خلال الفترة المقبلة لاستكمال دراساته العليا والاستقرار هناك، مُبينًا أن نجله الذي يحصل على تقدير امتياز سنويًا، لن يتمكن من تحقيق حلمه بالعمل عضو هيئة تدريس بالقصر العيني أسوة بوالده، الذي تضعه السلطة ضمن قوائم المعارضين السياسيين، ولجأت مؤخرًا إلى وقفه عن العمل، بعد 30 عامًا قضاها في التدريس لطلبة الطب، والحصول على شهادات وخبرات دولية رفيعة.

يفكر “طه” في إبعاد نجله عن الوقوع في دائرة الحرمان الوظيفي رغم اجتهاده، ليستكمل دراسته بالخارج، ويكون قادرًا على خدمة البشر بأي مكان، والمشاركة في نقل الخبرات إلى أبناء بلده المقيمين بالخارج على أمل استعادة البلاد قدرتها على استيعاب خبرات أبنائها، دون المساس بحرياتهم ومكانتهم الوظيفية. تؤدي هجرة الأطباء إلى ندرة حملة التخصصات المعالجين للأمراض الوبائية، والأورام والجراحة العامة، الأمر الذي دفع وزارة الصحة إلى نشر عدد من الإعلانات عن طلب وظائف طبية على موقعها الرسمي، والصحف السيارة، دون أن تتمكن من توفير الأعداد الكافية للمستشفيات العامة. تعاني المستشفيات التابعة لوزارة التعليم العالي والجامعات من ندرة الشباب الراغبين في العمل كممارس عام ومناوب، رغم إغراءات الجامعات بإمكانية دمج المقبولين ضمن فريق أعضاء هيئات التدريس ليصبحوا أساتذة بكليات الطب.

ضعف الرواتب

يقول الطبيب مجدي السيد إنه يرفض العروض الحكومية لضعف الرواتب، التي لا تزيد عن 2500 جنيه للطبيب مقابل ساعات عمل تصل إلى 12 ساعة يوميًا، بينما يمكن تحصيلها في يوم واحد بالعمل في مستشفى خاص. يؤكد “السيد” أن حلم الشباب بالتعيين في الكادر الطبي الجامعي تبدّل منذ سنوات، لتحكم بعض الأساتذة في مصير طلاب الدراسات العليا، الذين يضطرون إلى قضاء ما بين 8 إلى 12 عامًا للحصول على الدكتوراه، مقابل “السخرة” في أعمال تخص المشرف على الرسالة وتحمل شظف العيش لضمان منحه الدرجة العلمية، بينما القادر على العمل بالمستشفيات الخاصة أو السفر للخارج يمكنه تخطي تلك العقبات والحصول على الدكتوراه خلال 6 سنوات على الأكثر في ظل أجواء علمية ونفسية أفضل بمراحل.

يكابد الأطباء من سوء بيئة العمل، خاصة في القطاعين الحكومي والعام، ومن نقص الإمكانات الطبية، وعدم كفاية الدعم الإداري، وضعف الحماية القانونية في حالة الأخطاء الطبية أو عدم قدرتهم على إنقاذ حالات طارئة لضعف الإمكانات الفنية، لا سيما الحالات التي تخص مسؤولين بالدولة أو الأسر المشهورة بارتكاب العنف. يؤدي خروج الأطباء إلى استنزاف الكفاءات البشرية بوتيرة مقلقة، بما يهدر الاستثمارات التي بدأت الدولة توجيهها لتطوير المستشفيات العامة ونظام التأمين الصحي الشامل.

ويزيد تقرير مركز حلول بديلة أنه فيما يتقاضى طبيب الامتياز بالمستشفيات العامة راتبًا شهريًا لا يتجاوز 7 آلاف جنيه (الدولار 49.4 جنيهاً)، فإن تكلفة الحد الأدنى للأجر المعيشي الذي يضمن حياة كريمة يبدأ من 12 ألفًا و448 جنيهًا. وفقًا لتوصيف الخبراء، فإن الأطباء في مصر يعانون بشكل متزايد من “بيئة عمل عدائية”، وتراجع ملموس في مستوى التقدير المجتمعي لمهنتهم، حيث أظهرت دراسة أُجريت عام 2023 أن أكثر من 70% من الأطباء تعرضوا لشكل من أشكال العنف في مكان العمل.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here