أفريقيا برس – مصر. كشفت مصادر حكومية مصرية حقيقة وجود بنزين مغشوش في محطات الوقود خلال الفترة الحالية التي أثارت جدلا واسعا بين مالكي المركبات والمواطنين المتضررين من كثرة الأعطال عقب ملء خزانات وقود السيارات بالكامل (تفويل).
وفي هذا الصدد، قال مصدر رسمي مصري إن جهات رسمية رصدت أسباب تفاقم الأزمة وظهورها بشكل مكثف وتأكدت عودتها إلى التوسع في الاعتماد على استيراد شحنات وقود أقل جودة في ظل توسيع عمليات الشراء من أسواق بديلة عن المعتمد عليها في السابق مثل أذربيجان والعراق، والتي تعاني من ارتفاع نسب الشوائب والكبريت فيها.
وأوضح المصدر أن السبب الرئيسي في اللجوء إلى أسواق بديلة هو اعتماد السعودية، التي كانت بمثابة السوق الرئيسية التي تعتمد عليها مصر في احتياجاتها من المشتقات النفطية، سياسة جديدة في المدفوعات منذ نحو عامين بإلغاء نظام الدفع الآجل للشحنات واشتراطها نظام الدفع المقدم، وهو ما دفع للجوء إلى أسواق بديلة تسمح بالدفع الآجل امتيازاً لتسويق إنتاجها.
من جانبه، لفت مصدر حكومي آخر إلى أن ملف استيراد الغاز والمشتقات النفطية انتقل بشكل كامل إلى إحدى الجهات السيادية التي باتت صاحبة القرار الأول فيه وليست وزارة البترول كما كان في السابق، مشيرا إلى استحواذ شركة “نيوم” التابعة لرجل الأعمال إبراهيم العرجاني والمسجلة في دولة الإمارات على حصة كبيرة في استيراد الاحتياجات المصرية، وإلى أن تلك الشركة التي لا تتمتع بخبرات سابقة في هذا المجال لعبت دورا في إدخال نوعيات من الوقود منخفض الجودة خلال الفترة السابقة.
ماذا في أرقام الوقود المصري؟
ووفق إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، ارتفعت واردات مصر من المنتجات البترولية خلال العام الماضي 2024 إلى 10.5 مليارات دولار، مقابل 7.5 مليارات دولار في عام 2023، بزيادة بلغت نحو ثلاثة مليارات دولار. ويأتي هذا في وقت تخطط فيه الهيئة المصرية العامة للبترول لاستيراد نحو ثمانية ملايين برميل من النفط الخام قابلة للزيادة سنويا، لتلبية احتياجات السوق من النفط الذي يغذي معامل التكرير.
وقد سيطر البنزين ومشاكله التي لا تنتهي على محور أحاديث وجدل المصريين على منصات التواصل في الايام الماضية، ما أسهم في انتشار وسم “البنزين المغشوش” الذي تصدر قوائم الأكثر تداولا منذ صباح الاثنين الماضي، عقب شكاوى العشرات من المصريين تعرضت سياراتهم لأعطال مفاجئة في “طرمبة البنزين” وسوء أداء المحرك بشكل ملحوظ، عقب التزود بالوقود مع تحذيرات متزايدة من محطات بعينها، ما أحدث بلبلة واضطراب كبيرين.
وتداول كثيرون منشورات تدعو إلى توثيق أسماء المحطات التي دارت حولها الشكاوى، وتركزت أغلبها حول منطقتي الشيخ زايد والسادس من أكتوبر، في حين ركز ملاك السيارات على محطات وقود شركتي “شيل أوت” و”وطنية” اللتين يملكهما “جهاز الخدمة الوطنية” بالجيش، ومحطات “موبيل” التابعة لإكسون موبيل مصر. وطالب مستخدمو مواقع التواصل بسرعة تدخل الجهات الرقابية وسحب عينات من الوقود المشكوك في جودته، حفاظا على أرواح المصريين وسياراتهم، وسط دعوات لمساءلة المسؤولين عن أي تقصير.
محاولات حكومية… ولكن
رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، أثناء المؤتمر الصحافي الدوري الذي يعقده عقب اجتماع الحكومة في مقرها بالعاصمة الإدارية الجديدة، لم يتجاهل الأزمة وأكد أنهم يراجعون ما حدث بشأن البنزين، وما أثير حول وجود مشكلة في المحطات، وأكد أنه سيعلن عن الخلل فور اكتشافه، وأنه بمجرد إبلاغه بالمشكلة، تواصل مع وزير البترول وكلفه بفتح تحقيق فوري لمعرفة السبب. وعلق قائلاً: “لأننا لن نخفي شيئا، ونحقق لنعرف هل كانت شحنة معينة؟ هل حدث خلل ما؟”.
وأكد أن “المواد البترولية في المحطات يجرى توفير جزء منها مكرر مستورد من الخارج، والباقي نستورده زيتاً خاماً ويُكرر في المعامل الوطنية”، وطالب ملاك السيارات بالإبلاغ عن المحطات المشكوك فيها. بدوره، أكد وزير التموين والتجارة الداخلية شريف فاروق أنه جرى تنفيذ 227 حملة تفتيش على محطات البنزين للتأكد من صحة جودة البنزين فيها، وأشار، خلال مؤتمر صحافي عقد في مقر مجلس الوزراء، إلى أن عينات البنزين أُرسلت إلى وزارة البترول للتحليل. وأكد الوزير أن نتائج الفحص المبدئي لم تسفر عن أي مؤشرات سلبية، وأنه سيُعلَن عن أي نتائج لاحقة بشفافية تامة.
وكانت وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية نفت ما أُثير عبر منصات التواصل الاجتماعي، مؤكدةً أن جميع المنتجات البترولية، بما فيها البنزين، تخضع لرقابة دقيقة وفحوصات دورية خلال مراحل الإنتاج والتوزيع لضمان مطابقتها المواصفات القياسية المصرية. وأكدت الوزارة في بيان رسمي لها، مساء الاثنين، أن نتائج تحليل العينات المسحوبة من البنزين، سواء من محطات الوقود أو المستودعات أو شركات التكرير، أثبتت مطابقتها الكاملة للمواصفات المعتمدة، وأن الوزارة تواصلت مع شركات التسويق مثل مصر للبترول والتعاون، بالإضافة إلى الشركات الخاصة، التي أكدت جميعها عدم تلقي أي شكاوى تتعلق بجودة البنزين، وأن المفتشين المحايدين من جهات عالمية معتمدة يجرون هذه الفحوص بشكل منتظم، ولم تسفر النتائج حتى الآن عن أي مخالفات.
ماذا يقول الخبراء؟
خبراء في صيانة السيارات أكدوا أن أحد الأسباب المحتملة هو أن الخزان قد يكون فارغًا أو يحتوي على كميات قليلة جدا من البنزين، بسبب تغير سلوك المستخدمين بعد ارتفاع أسعار البنزين، ما يؤدي إلى خروج الشوائب التي تتلف الفلاتر. وأوضحوا أن السلوك السيئ أثناء عملية التفويل (ملء الخزان) يعد أحد الأسباب، حيث يجب ترك مسافة صغيرة عند أول تكة من الماكينة، وهو ما لا يقوم به أغلب سائقي السيارات، وأن استخدام بنزين 92 أو 80 في السيارات الحديثة يمكن أن يؤثر سلبا على أداء المحرك والطرمبة، كما أن الحرارة قد تكون أحد العوامل المؤثرة في أداء الطرمبة.
وكانت أزمة مشابهة قد اندلعت في عام 2022 عقب شكوى عشرات الشركات الاوروبية المصنعة للسيارات من غش بنزين 95 بمادة المنغنيز، الذي يعطي أوكتان أعلى زائفاً، وتسبب حسب خطابها المجمع والموجه للحكومة المصرية في تلف محرك سياراتهم قبل انقضاء فترة الضمان. ونفت وزارة البترول وقتها مزاعم تلك الشركات، وادعت أنها اخذت العينات من تنكات (صفائح) بنزين السيارات التي يستخدم أغلب المصريين محسنات لأداء المحركات وليس من محطات الوقود.
في هذا الصدد، أكد إبراهيم السجيني، رئيس حماية المستهلك، أن الجهاز ليس جهة اختصاص في حسم أحقية المتضررين في التعويض من عدمه، وأن وزارتي البترول والتموين هما المسؤولتان عن ذلك. أما محمود العسقلاني، رئيس جهاز حماية المستهلك المصري السابق، فأكد أن المواطن المصري المتضرر من البنزين المغشوش من حقه التعويض من الشركات المتورطة، ولكن هذا الأمر لم يحسم بعد، وننتظر نتائج التحقيقات لمعرفة المتسبب فيها.
وعن رأيه في أزمة البنزين المغشوش، نصح محمد فاروق، وهو أكبر بلوغر مصري في مجال السيارات، المصريين من خلال تصريحات بالتفويل من المحطات التي يثقون بها فقط. وأكد فاروق أن الأزمة في طور الحل بالفعل ومعلوماته أنها ستنتهي خلال ساعات، وأنها بالفعل أربكت سوق السيارات وقطع الغيار المصرية، وأن محسنات الوقود وبعض المحطات اتهمت زورا خلال الأيام الماضية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس