عادل صبري
أفريقيا برس – مصر. كشف اقتصاديون عن عيوب جوهرية في مشروع قانون الإيجارات القديمة المعروض أمام البرلمان المصري لإقراره يوم الأحد القادم، محذرين من “كارثة اجتماعية واقتصادية” تمس ملايين المواطنين.
وفي السياق، طالب برلمانيون ومختصون الحكومة بسد الفجوة المالية للمستأجرين وإنهاء أزمة المستثمرين العقاريين وحل كل القضايا المتعلقة بالقانون الجديد، فيما اقترح آخرون تأجيل طرح المشروع النهائي المقدم من الحكومة، لحين مراجعة العوار الذي تتضمنه مواده.
قبل نهاية الوقت الضائع في مبارزة قانونية حامية الوطيس بين الملاك والمستأجرين، بدأت منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، دعا اقتصاديون ومستثمرون الحكومة إلى تحمل مسؤولياتها لتعويض الطرفين المتضررين من حل أزمة عميقة أوجدتها السلطة عبر سنوات طويلة، بتدخلها السافر في خفض القيمة الإيجارية، أفادت المستأجرين، بينما تسببت في أزمة مزمنة القطاع العقاري، أهدرت خلالها مليارات الجنيهات، وعطلت دخول استثمارات أجنبية هائلة به.
شدد الاقتصاديون على ضرورة تحمل الدولة تكلفة المواءمة بين حق الملاك في الاستفادة من أصولهم العقارية، والحفاظ على مصالح المستأجرين المتعارضة وخاصة الفئات غير القادرة على تحمل أعباء الزيادة الكبيرة في أسعار الإيجارات، في حالة تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر، التي أقرتها الحكومة في مشروع قانون الايجارات الموحد.
طلب الخبراء في ندوة موسعة نظمها المركز المصري للدراسات الاقتصادية، مساء أمس الأول الثلاثاء، بعنوان: “قانون الإيجار القديم… المناقشات وسيناريوهات الحلول”، تأجيل طرح المشروع النهائي للقانون المقدم من الحكومة للبرلمان لإقراره يوم الأحد المقبل، لحين مراجعة العوار الذي تتضمنه مواده، خشية أن يفقده قيمته قبل ولادته، ويسكب المزيد من النار على الخلافات القائمة بين الملاك والمستأجرين الذين سيجدون أنفسهم في حاجة إلى تنفيذ قانون معيب، يدخلهم في دائرة من النزاعات المدنية تستمر لسنوات قادمة.
عقارات قابلة للانهيار
دعا الخبراء إلى تحرك الحكومة لإنشاء آلية تحدد قيمة الزيادة في الإيجارات وفقا لنوعية العقار وعمره الافتراضي ومستوى المنطقة، وحل النزاعات خلال فترة زمنية لا تتجاوز 15 يوما أمام الجهات الإدارية و6 أشهر في حالة حسمها بالمحاكم، وسبل تحمل الدولة قيمة الزيادة في الإيجارات.
كشفت المناقشات عن تسبب قانون الإيجارات القديم في عدم صيانة العقارات ووجود 29 ألف عقار قابل للانهيار الفوري 24 ألف عقار منها بمدينة الإسكندرية شمال البلاد و5 آلاف أخرى بالعاصمة القاهرة، لافتين إلى تعريض سكانها لمخاطر الموت تحت الأنقاض في أية لحظة، أسوة بما شهده العديد من المناطق السكنية بالمدينتين على مدار الأسبوعين الماضيين، بما يسيء إلى السوق العقاري في مصر ويحرمها من تدفق الاستثمار الأجنبي في قطاع حيوي تعمل به نحو 18% من قوة العمل بالدولة.
بينت دراسة تحليلية للمركز المصري تجذر مشكلة قانون الإيجارات منذ 105 سنوات، تأثر وحدات سكنية تعيش بها قرابة 1.8 مليون أسرة تضم حوالي 6 ملايين فرد، وتتركز المشكلة بشكل كبير في المناطق الحضرية بنسبة 93%. وفقا للدراسة تستحوذ أربع محافظات: القاهرة الكبرى والإسكندرية والقليوبية على 82% من إجمالي الحالات. وأكثر من ثلث الأسر بنسبة 35% المتأثرة بالقانون تدفع إيجاراً شهرياً أقل من 50 جنيهاً مصرياً (الدولار = نحو 50.3 جنيهاً)، مشيرة إلى أن هذا الرقم يوضح حجم الخلل الاقتصادي. تبين الإحصاءات أن الغالبية العظمى من الأسر المصرية بنسبة 86% تملك وحدات سكنية، فيما 13% من إجمالي عدد الأسر تتأثر بقوانين الإيجار، 7% منها تقع تحت طائلة قانون الإيجار القديم.
ووفقًا لتعداد عام 2017 أظهرت الدراسة وجود حوالي 42 مليون وحدة سكنية بين إيجار وتمليك، 3 ملايين وحدة منها هي عقود إيجار قديم، تمثل 7.6% من إجمالي الوحدات، مقسمة على استخدامات مختلفة سكنية وغير سكنية.
صرخات الملاك والمستأجرين
أرجعت المديرة التنفيذية ومديرة البحوث بالمركز، عبلة عبد اللطيف، جوهر الأزمة إلى غياب منهجية واضحة لفهم حجم المشكلة بدقة، مشيرة إلى أن صوت أصحاب المشكلة من الملاك والمستأجرين عالٍ، بينما يتطلب من الحكومة أن تعرف حجم المشكلة حتى يتم تقدير مسؤوليتها بشكل صحيح واتخاذ قرارات سليمة خاصة في ما يخص تعويض المتضررين، موضحة أن الحكومة لم تتعامل مع قضية الإيجار القديم بشكل سليم من خلال تحليل المشكلة ووضع حلول تراعي الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والعدالة بين الأطراف.
وطرحت عبد اللطيف عددا من التساؤلات حول مشروع القانون الأخير للإيجار القديم، مثل تحديد مشروع القانون المعروض أمام البرلمان، وفترة إنهاء التعاقد بـ7 سنوات دون توضيح آليات التمديد أو الخروج الآمن، ما يفتح الباب أمام تفسيرات متعددة، وتجاهل الفروق بين الحالات مثل غياب التمييز بين مستأجر دفع “خلو رجل”، وآخر يقيم في العقار منذ عقود دون مقابل مناسب، ما يؤدي إلى غياب العدالة ويضر بشرائح غير قادرة على التعامل مع فجائية الإخلاء مثل أصحاب المعاشات وأصحاب الدخول المنخفضة.
كما أعربت عن وجود مخاوف من حيادية لجان الحصر التي نص عليها مشروع القانون، وما هي المعايير التي سيتم بها تشكيل هذه اللجان؟ وما الذي يضمن تمثيل المتضررين بها؟ ما يهدد حيادية عملها أثناء التطبيق.
وانتقدت عبد اللطيف وضع مشروع القانون الجديد حلولاً عامة غير مدروسة، مقابل ما يفترض أن يكون نهجا مبنيا على “الاستهداف السليم”، القائم على فهم دقيق للمشكلة، وتحليل شامل للبدائل، وتقدير التكلفة والعائد لكل سيناريو، ووضع خطط لتعويض المتضررين، والاستناد إلى حوار مجتمعي ومشاركة جميع الأطراف.
وقدمت “عبد اللطيف” عددا من المقترحات التي يمكن أن تعالج الأزمة بشكل فعال وأكثر عدالة، تضمنت: أن تأتي اللائحة التنفيذية للقانون معالِجةً كل أوجه القصور الموجودة به، على أن يتم عرض اللائحة – قبل إصدارها، على مجلس النواب مرة أخرى في جلسات تضم ممثلين عن الأسر المتضررة، بالإضافة إلى رصد المعلومات المطلوبة عن جميع الحالات المختلفة، مثل الحالات التي تم فيها دفع مبالغ كبيرة كـ”خلو رجل” أو خلافه، مع وضع حلول مناسبة لكل منها.
واقترحت “عبد اللطيف” أن تنشئ الدولة صندوقا خاصا للتعامل مع المتضررين من تعديل القانون، كأصحاب المعاشات، ووضع أولوية في تنفيذ القانون المعدل على الحالات المحسوم أمرها، مثل الوحدات المغلقة أو التي تحتاج إلى صيانة وترميم، وضرورة وجود رقابة فعالة على أعمال لجان الحصر، لضمان الشفافية في تصنيف المناطق، والتأكد من أن التصنيف يتم بحيادية ودون تحيز.
وشددت على أن الحل لا يكمن فقط في تحرير العلاقة الإيجارية، بل في تصميم حزمة سياسات متكاملة تضمن تحقيق العدالة، وتراعي الأبعاد الاجتماعية، وتوفر الحماية للفئات الأكثر ضعفاً، مع تحقيق الكفاءة الاقتصادية، وحذرت من أن تجاهل هذه الاعتبارات قد يؤدي إلى “كارثة اجتماعية واقتصادية”، مؤكدة أن الدولة ما زالت أمامها فرصة لتدارك الأمر من خلال إعداد لائحة تنفيذية عادلة ومنصفة.
غياب العدالة الاجتماعية
من جانبه، أكد نائب رئيس الوزراء الأسبق، زياد بهاء الدين، أن أزمة تعديلات قانون الإيجار القديم تمثل حالة نموذجية لتضارب مفهومي العدالة القانونية والاجتماعية في مصر، مشيرا إلى أن التشريع المطروح لا يمكن أن يعالج بمادة واحدة واقعا متشعبا بهذه الدرجة من التعقيد. وقال إن القانون الجديد يخص عددا محدودا نسبيا من الأسر من حيث النسبة، لكنه يمس فعليا حياة ملايين المواطنين، ويؤثر بشكل مباشر على حق أصيل كحق السكن، الذي لا يمكن اعتباره مجرد ميزة مؤقتة، بل هو حق دستوري وإنساني.
وأوضح بهاء الدين أن مناقشة القانون لا يجب أن تنطلق فقط من زاوية الحقوق المجردة للملاك أو المستأجرين، بل من ضرورة التوفيق بين مفهومين للعدالة: العدالة القانونية، التي تنص على احترام الملكية الخاصة وحرية التصرف فيها، والعدالة الاجتماعية، التي تحمي حقوق من استقرت أوضاعهم لسنوات بناء على تشريعات سابقة وظروف اجتماعية واقتصادية لا يمكن إنكارها. وأكد بهاء الدين أن الفجوة بين المفهومين هي التي تنتج الانقسام المجتمعي الحاد حول التعديلات المقترحة، مشيرا إلى أن هذا الانقسام طبيعي ويحدث في قضايا مشابهة، مثل قوانين العمل، التي تهدف بالأساس إلى الموازنة بين مصالح متعارضة.
وأوضح بهاء الدين أن هذه الفجوة لا تُعالج بنص قانوني واحد، بل تحتاج إلى معالجة متدرجة وواقعية تقوم على تصنيف دقيق للفئات المتأثرة، مشيرا إلى وجود حالات متعددة لا يمكن مساواتها: منها مستأجرون مهاجرون لا يقيمون في مصر منذ سنوات، وآخرون يمتلكون عدة وحدات سكنية ويحتفظون بوحدة قديمة بإيجار زهيد، وفي المقابل، هناك فئات محدودة الدخل تعتمد كليا على هذه المساكن في حياتها اليومية ولا تملك بدائل أخرى. واعتبر أن غياب هذا التمييز داخل مشروع القانون يُعد إحدى ثغراته الجوهرية.
واقترح بهاء الدين أن تتدخل الدولة لتسد الفجوة القائمة بين العائد الاقتصادي العادل للمالك، وحق المستأجر في استمرار حياته بكرامة، من خلال آلية دعم اجتماعي موجه، معتبرا أن هذا التدخل ليس بدعة، بل سياسة اقتصادية معمول بها في دول العالم كافة. وأكد أن الدعم حين يُوجه لمستحقيه الحقيقيين، فهو أداة ضرورية لضمان استقرار اجتماعي وعدالة مستدامة.
من جانبه، قال رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي بمجلس النواب إيهاب منصور، إن أزمة الإيجار القديم لا يتحمل مسؤوليتها لا المالك ولا المستأجر، وإنما هي مسؤولية الدولة بالأساس وفقا لما نص عليه الدستور في المادة 78، التي تلزم الدولة بتوفير مسكن ملائم وصحي وآمن لكل مواطن. وأوضح أن التأخير في تقديم مشروع القانون إلى البرلمان لم يتح الفرصة الكافية للحصول على بيانات دقيقة من الجهات الرسمية، وعلى رأسها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بحجة ضيق الوقت، وهو ما حال دون إعداد قانون أكثر عدالة وواقعية.
وأشار منصور إلى أن عدد الأسر المتأثرة بالإيجار القديم انخفض من 2.6 مليون أسرة عام 2006 إلى نحو 1.6 مليون أسرة في 2017، وتوقع أن ينخفض العدد إلى 756 ألف أسرة بحلول 2027، وإلى نحو 303 آلاف أسرة بحلول 2032، إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه. وشدد على أن هذه الأعداد لا تزال تمثل شريحة واسعة من المجتمع لا يمكن تجاهلها، وأن التعامل معها يتطلب تصنيفًا دقيقًا يراعي من هو قادر على الدفع ومن هو غير قادر، مع توفير الدعم اللازم للفئات غير القادرة، مؤكدًا أن هذا الدعم يجب أن تتحمله الدولة وليس المالك.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس