أزمة غاز إسرائيل لمصر… ليست اقتصادية حصراً

أزمة غاز إسرائيل لمصر... ليست اقتصادية حصراً
أزمة غاز إسرائيل لمصر... ليست اقتصادية حصراً

إبراهيم عثمان

أفريقيا برس – مصر. أثار رفض وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين التوقيع على اتفاق الغاز الضخم مع مصر، الذي تصل قيمته إلى نحو 35 مليار دولار، وفق مصادر غربية وعبرية، جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والاقتصادية، لما يحمله من دلالات تتجاوز الجانب التجاري البحت.

فهذه الخطوة، التي تبدو للوهلة الأولى خلافًا على الأسعار أو الشروط، قد تعبّر في الواقع عن تحوّل في توازنات القوة داخل مثلث العلاقات بين إسرائيل ومصر والولايات المتحدة، وتكشف عن رغبة إسرائيلية متزايدة في انتهاج مزيد من الضغوط على القاهرة في ما يخص ملف غزة، حسب مراقبين. ويأتي قرار كوهين في وقت تشهد فيه المنطقة تقاطعات حساسة بين السياسة والطاقة والأمن، وسط تصاعد التوتر في غزة، واحتدام المنافسة بين واشنطن وموسكو، وتنامي الدور التركي في شرق البحر المتوسط.

وبينما تعتبر الولايات المتحدة الاتفاق الثلاثي المرتقب ركيزة لاستقرار المنطقة وأداة لتقليص اعتماد أوروبا على الغاز الروسي، تنظر تل أبيب إليه بعين الريبة، خشية أن يتحوّل التعاون الطاقوي مع القاهرة إلى قيدٍ استراتيجي يحدّ من قدرتها على التحكم في مواردها وأسواقها. وهكذا يتحول الغاز مجددًا إلى ورقة نفوذ جيوسياسي، تُختبر من خلالها حدود التحالفات في شرق المتوسط.

البعد الاقتصادي والسياسي

تعليقا على هذا قرار الوزير الإسرائيلي بشأن صفقة الغاز مع مصر، قال الباحث الإيطالي الزميل في مركز الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمعهد دراسات السياسة الدولية بميلانو (ISPI) ومعهد كلينجينديل المتخصص في الشؤون الدولية بهولندا، ماتيو كولومبو، إن “هذا التطور يضعنا أمام بعدين يتعين أن ننظر إليهما بعين الاعتبار: البعد الأول اقتصادي، والثاني سياسي، وكل منهما يرتبط بالآخر ارتباطًا وثيقًا”.

وأوضح كولومبو أن “إسرائيل ترى، من منظور اقتصادي، أن بإمكانها الحصول على سعر أعلى وجلب موارد مالية أكبر من خلال صادرات الغاز. والحقيقة أن الرسالة التي تريد إسرائيل إرسالها إلى مصر، من وجهة نظري، هي: بإمكاننا العثور أيضًا على شركاء آخرين يمكنهم الاستثمار في الغاز الإسرائيلي وعرض سعر أعلى”.

وأضاف أن “الرسالة السياسية لا شك أنها مرتبطة بالمفاوضات حول مستقبل غزة، في ظل اتخاذ مصر مواقف، على الأقل لفظياً، إلى حد ما انتقادية في الأعوام الأخيرة حيال إسرائيل أيضًا بشكل اضطراري”. ولفت إلى “الانطباع الذي من الممكن أن يتركه قرار الوزير الإسرائيلي يتمثل بوجود ضغوط داخل الحكومة الإسرائيلية من أجل إعادة التفاوض بشأن اتفاق توريد الغاز الطبيعي إلى مصر”.

ورأى أن “الجانب المهم، في هذا السياق، هو أن هذا الاتفاق كان قد أُبرم برعاية قوية من الولايات المتحدة، وهو الملمح الذي من شأنه أن يسفر أيضًا عن توترات على هذا المستوى. ومصر، من جانبها، لا يمكنها بالتأكيد السماح برفع الأسعار بدرجة أكبر مما كانت عليه في الاتفاق المبرم مع إسرائيل”. وختم الباحث الإيطالي بقوله: “لا شك في إمكانية وجود حد أدنى للتفاوض بين الطرفين، إلا أن الحدود هنا واضحة بما يكفي. الخلاصة، أننا بصدد بعد سياسي-اقتصادي وكلا العنصرين يتقاطع مع الآخر”.

معركة الغاز في شرق المتوسط

في هذا السياق، ذكر الكاتب والباحث الإيطالي جوزيبي غاليانو، رئيس مركز كارلو دي كريستوفوريس للدراسات الاستراتيجية، في تحليل نشرته صحيفة “نوتيتسييه جيو بوليتيكيه” الإلكترونية الإيطالية بتاريخ 5 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري تحت عنوان “إسرائيل ومصر والولايات المتحدة: معركة الغاز في شرق المتوسط”، أن “رفض وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين التوقيع على اتفاق الغاز الضخم مع مصر بقيمة 35 مليار دولار لا يمكن اعتباره مجرد قرار اقتصادي، بل هو خطوة سياسية تهدد بإعادة رسم موازين القوة بين تل أبيب والقاهرة وواشنطن”.

وتابع غاليانو أن “إلغاء زيارة وزير الطاقة الأميركي كريس رايت للمنطقة بداية نوفمبر الجاري، بذريعة الأسباب التقنية، يُعدّ في الواقع إشارة واضحة إلى انزعاج الإدارة الأميركية من الموقف الإسرائيلي”، موضحًا أن “الولايات المتحدة كانت ترى في هذا الاتفاق ركيزة أساسية للاستقرار الإقليمي، وعنصرًا محوريًا في هندسة أمنية جديدة لشرق البحر المتوسط قادرة على احتواء نفوذ روسيا وإيران”.

ورأى أن “وراء ذلك الاتفاق ما هو أكبر بكثير من بيع الغاز الطبيعي المستخرج من حقل ليفياثان لمصر حتى عام 2040: هناك محاولات بناء تحالف طاقوي ثلاثي بين إسرائيل ومصر والولايات المتحدة، من شأنه معادلة كفة المد الاقتصادي التركي والوجود الروسي في البحر المتوسط”.

وأشار إلى أن “رفض كوهين مرجعه ضمان المصالح الأمنية الإسرائيلية وتحديد سعر عادل للمواطنين الإسرائيليين، ما يعكس تزايد الشكوك الإسرائيلية تجاه الحلفاء التقليديين والخشية من فقدان السيطرة على أحد أهم قطاعات السيادة الاقتصادية للبلاد”.

وأضاف أن “إسرائيل، بعد عامين من الصراع المتقطع مع غزة وتصاعد التوتر مع إيران، تحاول من خلال هذا الموقف تأكيد استقلال قرارها الاستراتيجي في ملف الطاقة، كذلك فإنها تنوي استخدام احتياطاتها أداةً للتأثير، وليس مجرد سلعة للتبادل التجاري. والخطر هنا يكمن في أن تصبح الطاقة ساحة جديدة للصدام، بدلًا من التوحيد، تتقاطع فيها المصالح الأميركية والطموحات المصرية والمخاوف الإسرائيلية”.

ولفت إلى أن “تجميد الاتفاق الأخير الخاص بصفقة الغاز مع مصر يمثل ضربة لخطط واشنطن الرامية إلى تقليص اعتماد أوروبا على الغاز الروسي، ويحرم القاهرة فرصة لتعزيز موقعها مركزًا إقليميًا لتسييل الغاز وتصديره إلى الأسواق الأوروبية. وبالنسبة إلى تل أبيب، فإن الاعتماد على البنية التحتية المصرية لتصدير الغاز يحد من استقلالها الاستراتيجي ويضعها في موقع ضعف تفاوضي”.

وأوضح الباحث أن “الولايات المتحدة تخشى أن يؤدي تصلّب الموقف الإسرائيلي إلى إضعاف الثقة الدولية في المشاريع المشتركة، ويفتح الباب أمام دخول لاعبين جدد مثل الصين وروسيا في منظومة الطاقة الشرق متوسطية”، مشيرًا إلى أن “القاهرة تسعى من جانبها لتكريس دورها وسيطًا لا غنى عنه في كلٍّ من الملفين الغزّي والطاقوي، غير أن تقاربها المتزايد مع موسكو ودول الخليج يثير حذر تل أبيب”. وخلص غاليانو إلى أن “الأزمة الحالية ليست مجرد خلاف اقتصادي، بل انعكاس لتنافس محموم على السيطرة على موارد الطاقة في شرق المتوسط”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here