أفريقيا برس – مصر. في خطوة تعكس دخول الحكومة المصرية دائرة الانضباط المالي الصارم الذي يطالب به صندوق النقد الدولي، رفضت وزارة المالية منح شركة مصر للطيران الحكومية الضمانات اللازمة لتمويل صفقة استكمال شراء 16 طائرة جديدة من طراز A350-900، ما دفع الشركة إلى اللجوء إلى شركات تمويل وتأجير دولية لإتمام الصفقة وفق نظام البيع وإعادة الاستئجار. وبحسب مصادر مطلعة، يأتي هذا القرار التزاماً بتعليمات صندوق النقد قبل أيام من وصول بعثة المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، وهو البرنامج الذي يطالب بمزيد من ضبط الدين العام، وتقليص الضمانات السيادية، وتعزيز استقلالية السياسة النقدية وسعر الصرف، لتكون شرطاً أساسياً لاستكمال المراجعتين خلال ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني المقبلين.
وأعلنت “مصر للطيران” في بيان صدر نهاية الأسبوع توقيع اتفاقية بيع وإعادة استئجار مع شركة BOC Aviation Limited السنغافورية، للحصول على 11 طائرة إيرباص A350-900 عريضة البدن على دفعات. وجاء الاتفاق بعد فشل الشركة في الحصول على ضمانات حكومية للموردين الأوروبيين، رغم حصولها سابقاً على خمس طائرات من الطراز نفسه بقروض مضمونة من وزارة المالية، قبل أن يتم تعطيل استكمال الصفقة بضغط مباشر من صندوق النقد الدولي الذي حظر على الحكومة تقديم أي ضمانات جديدة تضيف أعباء على الخزانة العامة.
وأوضح الطيار أحمد عادل، العضو المنتدب للشركة القابضة لـ”مصر للطيران”، أن الشركة السنغافورية ستتولى شراء الطائرات المتبقية من “إيرباص” وإعادة تأجيرها لـ”مصر للطيران”، منها واحدة بنظام التأجير التشغيلي واثنتان بنظام التأجير التمويلي. ومن المقرر وصول الطائرة الأولى في ديسمبر المقبل، على أن تستكمل الدفعات خلال عام 2026. واعتبر عادل الصفقة دعماً لخطوط الشركة طويلة المدى، وإحلالاً تدريجياً لطائرات بوينغ 777 القديمة، مع تعزيز الانتشار الإقليمي والدولي.
ويرى خبراء في اتحاد الغرف السياحية والفندقية أن استعجال “مصر للطيران” في إنجاز الصفقة الجديدة جاء ضمن محاولات مواجهة التدهور الحاد في مستوى الخدمة وجداول التشغيل، بعد التخلص من 12 طائرة إيرباص A220-300 التي ظهرت فيها مشكلات فنية خطيرة شملت المحركات وهيكل الطائرة وأنظمة الاتصال، ما دفع الشركة إلى إعادة بيعها لتفكيكها وبيعها قطع غيار، واستخدام حصيلة البيع لسداد التزامات مالية متأخرة منذ عام 2022.
وكشف مصدر رفيع في الاتحاد أن بيع الطائرات الـ12، بعضها لم يستخدم على الإطلاق، كان بهدف تحسين المركز المالي للشركة بما يمكّنها من إتمام صفقة الـ16 طائرة الجديدة. لكن الشركة فوجئت في يوليو/تموز الماضي برفض حكومي مفاجئ لاستكمال الصفقة رغم الالتزامات الموقعة منذ مطلع 2024، ما اضطرها إلى إعادة هيكلة الصفقة بالكامل عبر التمويل التأجيري. وأشار المصدر إلى أن صندوق النقد وجه الحكومة صراحة للجوء إلى شركات التأجير الدولية مثل الشركة السنغافورية، باعتبارها أحد الخيارات المعتمدة لتمويل الدول غير القادرة على تقديم ضمانات حكومية.
وفي سياق متصل، تستعد بعثة صندوق النقد لإجراء مباحثات مكثفة الأسبوع المقبل مع المجموعة الاقتصادية بمجلس الوزراء والبنك المركزي، بهدف وضع استراتيجية للخروج من أزمة الدين العام التي تجاوزت 162 مليار دولار، وتقليص عدد الشركات الحكومية التي تحصل على ضمانات سيادية، ووضع سقف زمني لهذه الضمانات للمرة الأولى. وتشمل توصيات الصندوق إلزام الشركات العامة بوضع خطط لإعادة الهيكلة، وتشجيع القطاع الخاص على الدخول في مجالات النقل والطيران، والاعتماد بصورة أكبر على التأجير التشغيلي بدلاً من التملك.
وأكدت مصادر اقتصادية أن قطاع النقل سيكون من أكثر القطاعات تأثراً بضغوط صندوق النقد، إذ تتجاوز قيمة مشروعاته المخطط لها (ومنها القطار السريع من السويس إلى الساحل الشمالي وصعيد مصر، وخط القطار الكهربائي بين بورسعيد والإسكندرية، ومشروعات المونوريل ومترو الأنفاق) نحو 25 مليار يورو حتى عام 2030، وكلها تعتمد على ضمانات حكومية لتسهيل التمويل. ووفق المصدر، فإن وقف تلك الضمانات سيؤدي إلى إبطاء التعاقدات وإعادة تقييم الجدوى الاقتصادية للمشروعات، وزيادة الاعتماد على التمويل المحلي للمشروعات الأكثر إلحاحاً، إضافة إلى إمكانية تعديل مراحل التنفيذ لتقليل التكلفة، ورفع أسعار النقل تدريجياً للوصول إلى تعرفة تشغيلية اقتصادية تغطي جزءاً أكبر من التكلفة، مع فتح الباب أمام مستثمرين أجانب وصناديق خليجية للمشاركة في تمويل المشروعات الاستراتيجية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس





