أفريقيا برس – مصر. أصدرت وزارة التربية والتعليم المصرية، صباح اليوم السبت، قراراً بوضع مدرسة “سيدز” الدولية تحت الإشراف المالي والإداري الكامل، وتسلّم إدارتها مباشرة، وذلك عقب ما كشفته التحقيقات الأولية للجنة وزارية موسّعة حول وقائع اعتداء جنسي على عدد من الأطفال في مرحلة رياض الأطفال. تضمّن القرار أيضاً إحالة جميع المسؤولين الذين ثبت تورّطهم في التستّر أو الإهمال الجسيم على الشؤون القانونية، في خطوة اعتبرتها الوزارة ضرورية “لحماية الطلاب وضمان بيئة تعليمية آمنة”.
وأوضحت وزارة التربية في بيانها أنّ وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، محمد عبد اللطيف، تابع التطورات “بدقة وحرص شديدَين” منذ لحظة ظهور المعلومات الأولى، موجّهاً بإرسال لجنة للتحقيق في ملابسات القضية داخل المدرسة.
وجاءت الإجراءات الاستثنائية عقب ما انتهت إليه اللجنة من وجود قصور إداري ورقابي كبير سمح بوقوع الانتهاكات. وأكد الوزير أن حماية الأطفال “واجب لا يقبل التهاون”، وأن أي مدرسة لا تلتزم معايير السلامة “لا مكان لها في المنظومة التعليمية المصرية”.
يأتي القرار الوزاري بعد سلسلة حوادث بدأت عندما تقدّم ذوو ستة أطفال ببلاغات رسمية إلى النيابة العامة، مشيرين إلى تعرّض أطفالهم لاعتداءات راوحت بين التحرّش وهتك العرض. وقدّم الأطفال روايات صادمة خلال التحقيقات، تحدثوا فيها عن تهديد بعضهم بسكين، وتكميم أفواههم، وربطهم داخل غرفة كانوا يسمّونها “الأوضة المرعبة”. وتحدثت شهاداتهم عن استدراج باستخدام ألعاب، في غياب رقابة فعلية من الإدارة، بينما كشف الأهالي أن بعض المتّهمين يعملون في المدرسة منذ سنوات طويلة.
ومع تزايد البلاغات، احتشد أهالي الضحايا في محيط المدرسة وبين أروقة التحقيقات، وروى بعضهم ما سمعوه من أطفالهم، وما أصابهم من حرقة وانهيار نفسي. فقد أجهشت إحدى الأمهات بالبكاء وهي في طريقها إلى الطب الشرعي، بينما كشف أحد الآباء أنّه لم يتمكن من استيعاب ما رواه له ابنه، وأنّ الصدمة أرهقته بشكل لا يُحتمل. وقد سرّعت شهادات الأهالي حجم التفاعل الرسمي، وألقت الضوء على ثغرات رقابية واسعة داخل المدرسة. وتصاعد الغضب الشعبي مواكباً للتحقيقات.
وأعلن أولياء الأمور رفضهم القاطع إرسال أطفالهم إلى المدرسة مجدداً، حتى لو أدى ذلك إلى غيابهم عن الامتحانات. وأكدوا أنّ أبناءهم في حالة نفسية “شديدة الصعوبة”، وأن العودة إلى المكان نفسه مستحيلة قبل محاسبة الإدارة، وسحب ترخيص المدرسة بالكامل. واعتبر بعضهم أنّ ما حدث “كارثة تكشف خللاً عميقاً” في الرقابة داخل المدارس الخاصة والدولية.
في موازاة ذلك، حاولت إدارة المدرسة احتواء الموقف عبر بيان رسمي، أكدت فيه أنّ الطلاب “أمانة عظيمة”، وأنّ المؤسسة التعليمية كانت على الدوام “نموذجاً للانضباط”. وشدّد البيان على دعم الإدارة للأهالي الذين بادروا إلى إبلاغ السلطات، وأعرب عن تفهّم مخاوفهم. غير أنّ هذه اللغة التصالحية لم تُطمئن الأسر ولا المهتمين بالقضية، وخصوصاً مع تأكيد بعض الأهالي أنّ المدرسة أرسلت محامياً للدفاع عن المتّهمين، قبل أن ينسحب بعد اطّلاعه على التحقيقات.
ودعا نقيب الصحافيين في مصر، خالد البلشي، إلى تغطية مهنية تحترم حقوق الأطفال وكرامتهم، مطالباً جميع الصحافيين بالامتناع تماماً عن نشر أي صور أو بيانات أو معلومات يمكن أن تؤدي إلى كشف هوية الضحايا. وإذ حيّا دور الصحافة في كشف الخلل الذي أدّى إلى تفجير القضية، أكد البلشي أنّ “سلامة الأطفال النفسية تأتي أولاً”، وأنّ نشر أي تفاصيل تخصّهم قد يعرّضهم للوصم والأذى الممتد. وقد جاءت دعوته استجابة لطلب من أسر الأطفال بضرورة حماية خصوصية أبنائهم.
وشدّد نقيب الصحافيين على أن التغطية المسؤولة يجب أن تجمع بين كشف الانتهاكات وحماية الضحايا، مؤكداً أن ميثاق الشرف الصحافي يُلزم المؤسسات الإعلامية بصون حقوق الأطفال قانونياً وأخلاقياً، وأنّ دور الصحافة لا يكتمل إلا حين تكون نصيراً للضحايا وليس عبئاً عليهم. وأعلن استمراره في مطالبة المؤسسات الصحافية بالتزام هذه القواعد في كل القضايا المشابهة.
تزامناً مع تحركات النقابة، تداول صحافيون معلومات إضافية نقلوها عن أولياء الأمور، من بينها أنّ التحقيقات كشفت عن حالات أخرى لم يتقدم ذووها ببلاغات بعد، وأن حالة الخوف لدى الأطفال بلغت حدّ “الفوبيا” من أماكن معيّنة في المدرسة. وأشار بعض الصحافيين إلى أن ما حدث “كارثي ومروّع”، وأنه يتطلب وقفة شاملة لإعادة النظر في معايير تعيين العاملين داخل المدارس وآليات الرقابة اليومية.
وإذ تستمر تحقيقات النيابة العامة والإشراف الكامل لوزارة التربية على المدرسة، يرى كثير من المتابعين أن ما حدث في مدرسة “سيدز” الدولية ليس حادثاً فردياً، بل جرس إنذار يستدعي مراجعة شاملة لطرق الرقابة داخل المدارس الخاصة والدولية، خصوصاً تلك التي تضم مرحلة رياض الأطفال.
وعلى الرغم من أنّ نتائج التحقيقات لم تُعلن بعد، غير أنّ القضية كشفت حجم تفاعل مؤسسات الدولة والمجتمع والإعلام مع انتهاكات حسّاسة تمسّ أكثر الفئات ضعفاً، وسط تساؤلات البعض عن كيفية سد الثغرات وتوفير حماية أقوى للأطفال داخل المؤسسات التعليمية، لتفادي تكرار هذه المأساة في أي مدرسة أخرى.
اضغط على الرابط لمشاهدة التفاصيل
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس





