مصر – افريقيا برس. تمكنت الحكومة المصرية -كما جرت العادة، ودون معارضة- من تمرير مشروع قانون فرض رسوم تنمية الموارد المالية للدولة في مجلس النواب، وسط انتقادات لتحميل المواطنين فاتورة زيادة موارد الدولة التي تراجعت بسبب جائحة فيروس كورونا.
بالتزامن تحدثت مواقع إخبارية محلية عن إعداد الحكومة المصرية مشروع قانون ينص على “خصم نسبة 1% شهريا من الرواتب والأجور للعاملين بالدولة لمدة 12 شهرا، وذلك للمساهمة في تمويل بعض الآثار الاقتصادية الناتجة عن تداعيات مواجهة فيروس كورونا المستجد”.
ويهدف قانون “رسوم التنمية” الذي وافق عليه البرلمان الاثنين الماضي، إلى تحصيل 15 مليار جنيه (955 مليون دولار)، من خلال زيادة الرسوم المفروضة على بعض الخدمات والأنشطة والسلع واستحداث أخرى جديدة.
وتقول الحكومة المصرية إنها تهدف إلى تعويض التراجع في إيرادات الدولة التي تمثل الضرائب أكثر من 75% منها (1.288 تريليون جنيه من الإيرادات المتوقعة بموازنة 2020/2021)، وسط تداعيات جائحة كورونا.
وتضمن القانون فرض رسم على البنزين بأنواعه بواقع 30 قرشا للتر المبيع، و25 قرشا للتر السولار.
كما تضمنت الرسوم التي زادت قيمتها: خدمات الشهر العقاري، وعمليات الشراء من الأسواق الحرة، والحفلات والخدمات الترفيهية التي تقام في الفنادق والمحال السياحية.
ومن ضمن الرسوم المستحدثة، نسبة تصل إلى 10% من قيمة عقود انتقالات الرياضيين، ورسوم على تراخيص شركات الخدمات الرياضية، وأغذية الكلاب والقطط والطيور الأليفة.
واستحدثت الحكومة رسوما جديدة على أجهزة المحمول ومستلزماتها بواقع 5% من قيمتها، إلى جانب فرض رسوم بنسبة 2.5% من قيمة فواتير الإنترنت للشركات والمنشآت ورسوم على التبغ الخام.
وانتقد سياسيون وخبراء اقتصاد -في تصريحات للجزيرة نت- تصويت البرلمان على مشروع القانون وتمريره دون النظر إلى زيادة حجم الأعباء على كاهل المواطنين، وتحميلهم فاتورة مواجهة تداعيات أزمة كورونا الاقتصادية بدلا من أن يتحملها برنامج الحكومة الاقتصادي.
ويتعارض فرض واستحداث وزيادة رسوم على بعض الأنشطة والخدمات والسلع مع تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مارس/آذار الماضي، بأن “نجاح مسار الإصلاح الاقتصادي ساعدنا على تحمل أثار مواجهة أزمة كورونا”.
التلاعب بالألفاظ
وزعم وزير المالية المصري أمام مجلس النواب أن “الزيادة ستتحملها هيئة المواد البترولية من خلال تسوية محاسبية ستتم بين الخزانة العامة للدولة والهيئة العامة للبترول”.
لكن عضو لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب طلعت خليل، قال معلقا على تصريحات الوزير “هذا تلاعب بالألفاظ. لن يؤثر على زيادة الأسعار الآن، لكن الزيادة ستحدث لاحقا.. رسم البنزين والسولار يقدر بنحو خمسة مليارات جنيه سنويا”.
وهو ما ذهب إليه الخبير الاقتصادي إبراهيم نوار في منشور على صفحته في فيسبوك، قائلا إن “المشروع الذي تمت الموافقة عليه في ساعات، هدفه تعديل الأسعار والرسوم، وهذه هي الصيغة الرسمية لزيادة الأسعار بدلا من تحريك الأسعار”.
وأضاف متهكما “لأن الوزير فعلا عمل الميزانية بتاعته على أساس أن القانون اتعدل فعلا.. هو يعني فيه حد في البرلمان هيقول لأ؟.. مفيش.. على بركة الله”.
واختتم حديثه بالقول “للأسف مشروع الموازنة الجديدة كل هدفه هو الجباية.. وشعاره هو الجباية.. ثم الجباية.. ثم الجباية”.
التربح من كورونا
بدوره، استنكر السياسي والبرلماني المصري السابق طارق مرسي استغلال الحكومة أزمة كورونا وتراجع إيرادات الدولة لفرض “جباية” جديدة على المواطنين، وقال “الحكومة والبرلمان لا يفرقان بين أوقات الأزمة والرخاء عند فرض ضرائب ورسوم جديدة، فكل أنظمة الاستبداد تتعيش منها، وتثقل بها كاهل الشعب”.
وفي حديثه للجزيرة نت، أكد أن النظام المصري لا يحمّل المواطنين خسائر كورونا فقط، بل يتربح منها، كما حدث في أزمات كثيرة سابقة، والشواهد على ذلك موجودة، حيث الرابح الأكبر دائما رجال الأعمال وشركات القوات المسلحة.
وحذر البرلماني السابق من مغبة المضي قدما في فرض رسوم ودمغات وضرائب تحت مزاعم تنمية موارد الدولة، مشيرا إلى أن النظام لا يعتبر من الأحداث من حوله، وإلا كان اعتبر من سلفه نظام مبارك، وكل الأسباب مهيأة لرفض ما يجري.
المدرسة الإيرادية
من جهته، انتقد المستشار الاقتصادي رئيس منتدى التنمية والقيمة المضافة أحمد خزيم، سياسة الحكومة المصرية الاقتصادية القائمة على “الجباية”، قائلا “منذ 40 سنة والحكومات المتتالية تلجأ إلى معالجة أزماتها المالية من خلال الجباية بوضع يدها في جيوب المواطنين، لأنها لا تعرف إحداث تنمية من القيمة المضافة، وتفضل مدرسة الاقتصاد الريعي”.
وشدد في حديثه للجزيرة نت على أن الحكومات أهملت مدرسة القيمة المضافة على حساب المدرسة الإيرادية، فأهملوا الصناعة والزراعة، مما ترتب عليه مضاعفة فاتورة الواردات على حساب فاتورة الصادرات.
ودعا خزيم إلى الاستفادة من مساحة مصر التي يعيش المصريون على أقل من 8% منها، ومن الموارد البشرية الكبيرة التي يمثل الشباب فيها الغالبية من سكانها تحت سن الأربعين، والاعتماد على برامج تحفيزية “لأنه لن يحمي البلد غير صناعتها الداخلية وعلى رأسها المشروعات الصغيرة والمتوسطة”.
المصدر : الجزيرة