أفريقيا برس – مصر. تشير إحصاءات رسمية مصرية إلى وجود أكثر من 100 ألف عقار سكني مهدد بالانهيار، وبعض تلك العقارات لايزال مأهولاً بالسكان، ما يهدد حياة مئات الآلاف في مختلف المحافظات
تتخذ أزمة انهيار أجزاء من العقارات القديمة في محافظات مصر منحى أكثر خطورة مع تحولها إلى ظاهرة متكررة تحصد الأرواح والممتلكات، خصوصاً في المدن الساحلية التي شهدت العديد من الوقائع خلال الفترة الماضية، لتتحول بعض “المباني العتيقة” إلى فخاخ تطاول أبرياء يصادف قدرهم المرور تحتها أو بجوارها، ما يجعلها بمثابة كابوس.
في العاصمة القاهرة، تهاوت شرفة عقار في حي شبرا الشعبي على رأس بائع متجول، ليلقى حتفه. وفي محافظة بورسعيد الساحلية (شمال)، انهارت أجزاء من عقار قديم مخلفة خسائر مادية جسيمة. وفي حي المعمورة بمدينة الإسكندرية، انهارت شرفة منزل، فأودت بحياة طفلة وأصابت طفلتين، كما تسبب انهيار أجزاء من عقار قديم في منطقة الإبراهيمية بالإسكندرية أيضاً، في مصرع شخصين، ولقيت فتاة مصرعها وأصيبت أخرى إثر سقوط أجزاء من منزل بمنطقة كليوباترا، شرقي الإسكندرية.
وأعلنت النيابة العامة بمدينة الإسكندرية، في بيان، الأربعاء الماضي، تشكيل 15 لجنة على مستوى الأحياء، كجزء من استراتيجية متابعة المباني المتداعية في المدن المصرية الكبرى، بغرض تفادي تكرار حوادث انهيار أجزاء من المباني، وضمان سلامة السكان والمارة، مشددة على معاينة العقارات، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لهدمها أو ترميمها، مع إخلاء العقارات حال وجود خطر داهم.
في السياق ذاته، تقدمت عضو مجلس النواب المصري، إيرين سعد، بطلب إلى البرلمان لتوضيح نتائج فحص وحصر البيوت القديمة أو المهددة بالانهيار في كافة المحافظات المصرية، والبحث عن حلول بديلة تساهم في معالجة أزمة العقارات “الآيلة للسقوط”. واستندت النائبة إلى بيانات التعداد الرسمي للمنشآت الصادر في عام 2017، عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي)، والذي رصد ما يقارب 100 ألف عقار آيل للسقوط في المحافظات المصرية، مطالبة بإعادة فتح الملف، ووضع آليه لضمان السلامة الإنشائية لهذه المنشآت.
ويقول عضو مجلس النواب محمود عصام، إن حوادث انهيار العقارات أصبحت خطراً داهماً على المواطنين، خاصة مع التغيرات المناخية، نتيجة عدم اتباع الإجراءات اللازمة للحفاظ على المباني. مؤكداً ضرورة استجابة الجهات المحلية بشكل عاجل لتعليمات النيابة العامة، ومن بينها إعداد حصر شامل بالمنشآت الآيلة للسقوط، وبيان المتسببين في التقاعس عن تنفيذ قرارات الترميم أو الهدم للحيلولة دون تكرار الحوادث.
ويشير عصام إلى “ضرورة اتخاذ خطوات سريعة وفعالة لضمان سلامة المواطنين، كون التأخير يؤدي إلى عواقب وخيمة، في ظل وجود أكثر من 7 آلاف عقار آيل للسقوط في مدينة الإسكندرية وحدها، وهو رقم مخيف. طالبنا بتعديل قانون البناء الموحد لمواجهة ظاهرة انهيار العقارات، وإنشاء صندوق يتولى الإشراف على أعمال الصيانة والترميم، ويتولى الإقراض لتلك الأعمال، وتوفير مساكن بديلة لسكان المساكن الآيلة للسقوط”.
بدوره، يؤكد عضو لجنة الإسكان السابق بمجلس النواب، المهندس حسن خير الله، خطورة الجمع بين التقادم والإهمال. ويقول: “العقارات القديمة ليست مهددة بالانهيار بسبب قدمها فقط، ولكن أيضاً بسبب غياب الصيانة الدورية، وتأثير العوامل البيئية مثل الأمطار والرياح والرطوبة، وكلها عوامل تسهم في تدهور الحالة الإنشائية للعقار، خاصة الشرفات التي تتعرض بشكل مباشر لهذه العوامل. الواقع يشي بأن الجهود القائمة تظل قاصرة أمام الحجم الهائل للمشكلة”.
ويحذّر خير الله من وقوف البيروقراطية عائقاً أمام التنفيذ الفعلي على الرغم من قرارات تشكيل اللجان، إذ تتطلب الإجراءات القانونية المتعلقة بهدم العقارات أو ترميمها وقتاً طويلاً، وغالباً ما تصطدم برفض السكان الإخلاء خشية فقدان مساكنهم، خاصة في ظل أزمة سكنية تعصف بالبلاد.
من جانبه، يقول الخبير القانوني علاء عبد السلام: “القانون الحالي يعقّد الأمور، وتحتاج السلطات إلى موافقة جميع الأطراف المعنية قبل اتخاذ أي خطوة تتعلق بالهدم أو الترميم، وهذا أمر يصعب تحقيقه بسبب النزاعات بين الملاك والمستأجرين، فضلاً عن ارتفاع تكاليف الترميم التي يعجز كثيرون عن تحمّلها. الأزمة لا تقتصر على غياب التدخل الحكومي الفعال؛ بل تمتد إلى مسؤولية المواطنين، إذ يفتقر كثيرون إلى الوعي بضرورة الصيانة الدورية، ويعتبرون أن صيانة العقار مسؤولية المالك، بينما يرى المالك أنها عبء إضافي، وفي ظل هذا التنازع، تتحول البنايات إلى قنابل موقوتة. إنقاذ المباني ليس مجرد واجب هندسي أو قانوني، بل هو أمانة حضارية للحفاظ على الثروة العقارية، ما يستدعي تضافر الجهود الحكومية والشعبية”.
بدوره، يؤكد رئيس المجلس المحلي لمدينة الإسكندرية، طارق القيعي، أن “هذه الأزمة باتت تهدد نسيج المجتمع المصري، ولا بد من اتخاذ خطوات جريئة وشاملة، أولها إطلاق مشروع وطني لصيانة العقارات القديمة، على أن يتضمن شراكة بين الحكومة والقطاع الخاص، مع توفير تمويل ميسر للأسر محدودة الدخل، كما يلزم تعديل القوانين كي تتاح للسلطات المحلية صلاحيات أوسع للتدخل في حالات الطوارئ من دون الحاجة إلى إجراءات قانونية طويلة، مع التوعية بثقافة الصيانة من خلال حملات إعلامية تستهدف المواطنين”.
ويطالب القيعي بإعداد قاعدة بيانات وطنية تتضمن حصراً بالعقارات المهددة بالانهيار بشكل دوري، لضمان مراقبتها عن كثب، وتحديث تلك القاعدة بشكل مستمر، وتطبيق غرامات رادعة على الملاك الذين يتقاعسون عن صيانة عقاراتهم، مع إمكانية منحهم حوافز لتشجيعهم على الالتزام بالصيانة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس