سامح راشد
أفريقيا برس – مصر. تاريخية بامتياز زيارة رأس السلطة في مصر عبد الفتّاح السيسي إلى أنقرة. وليس مردّ هذا التوصيف أنّها الزيارة الأولى للسيسي منذ توليه حكم مصر رسمياً عام 2014، وإنّما لأنّ العلاقات بين تركيا ومصر غير طبيعية، وشهدت محطّات مفصليةً وتطوّراتٍ بالغةَ الأهمّية في العقد الماضي، إضافة إلى وجود عامل شديد التأثير والحضور في هذه العلاقات حالياً، وهو البعد الشخصي والنفسي. فإذا لم يكن في التطوّرات المتلاحقة تهديدٌ مباشرٌ لمصالح (وربّما أمن) مصر وتركيا واستقرارهما لما تقبّل كلّ من رجب طيّب أردوغان وعبد الفتّاح السيسي التعامل مع الآخر، خصوصاً بعدما تبنّى الرئيس أردوغان خطاباً شديد العدائية ضدّ السيسي شخصياً بسبب الانقلاب على أول رئيس منتخب في مصر (محمد مرسي) واعتقاله، ثمّ ارتكاب جرائمَ ضدّ الإنسانية في مجزرتي ميداني رابعة العدوية والنهضة. وقد أعلن أردوغان مراراً أنّه لن يصافح “قاتلاً”.
ورغم أنّ هذا الخطاب تراجع تدريجياً، وتحوّل بمرور الوقت خطاباً إيجابياً من أردوغان وكبار المسؤولين الأتراك، إلّا أنّ الإيجابية في الخطاب اقتصرت على مصر شعباً ودولةً، ولم تشمل المسؤولين في الحُكم، لا السيسي ولا غيره. في المقابل، وضعت مصر شروطاً ومطالبَ مُحدَّدة لتحسين العلاقات مع أنقرة، لكن الاستياء الشخصي والاحتقان من الخطاب التركي، الرئاسي خصوصاً، كان حاضراً دائماً في خلفية المشهد، وفي الحسابات غير المرئية للقرار المصري.
في الجانب الآخر من هذا البعد الشخصي، فرضت المصالح والتهديدات مقتضياتها على الحسابات المنظورة لدى العقل السياسي لكلٍّ من الجانبين، فقد حدث تعارض للمصالح تلاه تناقضٌ للمواقف في ملفَّي ليبيا والسودان. واتّسعت الفجوة بين البلدين لتشمل تنافساً حادّاً على موارد الطاقة في مياه شرق المتوسّط، وأخذت كلُّ من أنقرة والقاهرة تسعى إلى تغيير موازين القوى الجيواستراتيجية في شرق المتوسّط وجنوبه.
المفارقة أنّ تطورات الأحداث سارت في اتجاهٍ أجبر الدولتَين على إعادة حساباتهما ومراجعة المواقف المتقاطعة سلباً في بعض الملفّات، فقد ثبت بالتجربة أنّ أيّاً من القاهرة أو أنقرة غير قادرة على حسم الموقف في ليبيا وتجيير الواقع المُعقّد هناك لصالحها. ولم تنجح أيٌّ منهما في إقصاء الأخرى من المشهد الليبي، والانفراد بتوجيه مساراته السياسية والاقتصادية، فضلاً عن السيطرة على مفاتيح القوّة العسكرية والموازين بين المُكوّنات الليبية الداخلية. وفي السودان، كان انقلاب قوات الدعم السريع على الجيش السوداني صادماً لتركيا ومصر، وأربك حساباتهما بشأن هذا البلد، وتقديراتهما المستقبلية بخصوصه.
ومن ثمّ، كشفت مراجعة الدولتَين علاقاتهما أنّ مساحات التوافق بينهما أكبر من مساحات التعارض، لكنّ تغيير السياسات والتحرّكات المتبادلة استلزم مفاوضاتٍ شاقّةً بين دوائر القرار في الجانبَين. ثمّ جاء الحدث الأكبر في هذا العقد (وربما في عقود أخرى تالية)، وهو “طوفان الأقصى”، ليطيح المعطيات التقليدية في القضية الفلسطينية، ويعيد تعريف جوهر الصراع وترسيم أدوار أطرافه المباشرة وغير المباشرة وأوزانهما.
والنتيجة أن القاهرة وأنقرة أعادتا التفكير في جدوى تحالفاتهما الراهنة، وفي مردوداتها في المدى المتوسّط على الأقل، واتّخذتا قراراً نهائياً، ليس باستعادة العلاقات رسمياً فقط، لكن أيضاً بتعزيزها، لتشمل، إلى جانب التنسيقين السياسي والأمني، التعاون العسكري.
لا يعني ذلك كلّه أنّ العلاقات المصرية التركية قد تحوّلت تحالفاً أو صارت تعاونيةً إلى الأبد، ففي مقابل الحسابات العقلانية الرشيدة بمعايير المصالح والتهديدات، لا يزال البعد الشخصي/ النفسي قائماً على حاله من البغض المتبادل والاحتقان المتراكم. وهذا هو المسكوت عنه رغم تأثيره الطاغي في البلدين، خصوصاً من شخصيتَين تتّسم كلٌّ منهما بالعناد والكبر والنرجسية. وهذا هو العامل الوحيد الذي يُخشى منه على المستقبل الإيجابي المُنتظَر والمأمول للعلاقات بين أكبر دولتين في الشرق الأوسط.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس