أفريقيا برس – مصر. شهدت المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب المصري، موجة نقد حادة من برلمانيين وسياسيين وعدد من المنظمات الحقوقية، بعدما جرت وفق نظام القائمة المطلقة الذي ألقى بظلاله على التنافس السياسي وحيوية المشهد الانتخابي. هذه الأطراف وصفت المناخ العام في مصر بأنه يتجه نحو اتساع غير مسبوق في الإقصاء السياسي، مع بروز المال الانتخابي لاعباً مركزياً في تشكيل الخرائط الانتخابية، إلى جانب ضعف الإشراف المستقل، وهي عوامل انعكست على معدلات المشاركة الشعبية وعلى الثقة في العملية الانتخابية برمتها. وجرت عملية الاقتراع في الخارج يومَي 7 و8 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، وفي الداخل يومَي 10 و11 من الشهر نفسه، في 14 محافظة بينها الجيزة والفيوم والمنيا وأسيوط والأقصر والإسكندرية والبحيرة ومطروح. وتستكمل المرحلة الثانية نهاية نوفمبر/تشرين الثاني في باقي المحافظات.
وقال النائب السابق عبد الحميد كمال إن ما جرى خلال انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب في مصر داخل تحالف القائمة الوطنية يمثل مجموعة واسعة من المخالفات الدستورية والقانونية، سواء ما يتعلق بقانون الأحزاب أو قانون تقسيم الدوائر، إضافة إلى مخالفة اللوائح الداخلية للأحزاب نفسها.
مخالفات الانتخابات في مصر
وأوضح كمال أن أولى هذه المخالفات يرتبط بالدستور، حيث جرى – على حد قوله – اختيار عدد كبير جداً من المرشحين الذين ليست لهم أي علاقة بالحياة الحزبية أو السياسية أو البرلمانية، مشيراً إلى أن “مؤهَّلهم الوحيد هو امتلاك ملايين الجنيهات”. ولفت كمال إلى ما تردد عن وجود تبرعات بمبالغ ضخمة للترشح، وصلت في بعض الشهادات المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي إلى ما بين 25 و70 مليون جنيه (الدولار يساوي 47 جنيهاً)، وهو ما تحدث عنه أيضاً عدد من الشخصيات العامة في حوارات مع المفكر السياسي حسام البدراوي وبعض الإعلاميين البارزين مثل مجدي الجلاد وإبراهيم عيسى وغيرهما.
واعتبر أن هذا مخالفة صريحة للمواد الدستورية من 101 حتى 138، وأن هذه الاختيارات “تسيء لبرلمان مصر الممتد منذ عام 1866 وحتى الفصل التشريعي الجديد في 2026”. وأضاف أن مصر ولأول مرة في تاريخها البرلماني، تشهد غياب قائمة منافسة لتحالف القائمة الوطنية، بما يؤدي في النهاية إلى فوز نصف المقاعد بالتزكية “دون انتخابات حقيقية”. وفي ما يتعلق بقانون الأحزاب في مصر قال كمال إن ما حدث يمثل “مخالفة من العيار الثقيل”، حيث تجاهلت الأحزاب نصوص القانون رقم 40 لسنة 1977، ولا سيما المادة 11 التي تلزم بالإعلان العلني عن قيمة التبرعات وأسماء المتبرعين في حال تجاوز التبرع 500 جنيه.
وعن مخالفة قانون تقسيم الدوائر الانتخابية، قال كمال إن الترشيحات كشفت عن “مظاهر غريبة غير مسبوقة منذ 1866″، حيث شهدت الانتخابات ما وصفه بـ”موسم ترحال سياسي”، بنقل مرشحين من دوائرهم الأصلية إلى دوائر أخرى لا تمت لهم بصلة، سواء من القاهرة وإليها أو من الوجهين البحري والقبلي وحتى مدن القناة. وأشار إلى حالات نقل محددة نشرت في الصحف، تشمل نقل نواب من سوهاج والبحيرة والشرقية والقليوبية والدقهلية إلى القاهرة والبحيرة وقنا والإسماعيلية وغيرها، إضافة إلى نقل رئيس حزب العدل من المحلة إلى القاهرة الجديدة. ولفت إلى أن وجود رجال أعمال في مواقع تشريعية يمثل تضارباً في المصالح بين السياسة و”البيزنس”. واختتم كمال تصريحاته بالتأكيد أن هذه المخالفات الدستورية والقانونية واللوائحية “ستترك آثاراً سلبية على مستقبل البرلمان المصري وعلى العمل السياسي ككل”، خصوصاً خلال الفصل التشريعي الثالث 2026–2030، الذي يشهد استحقاقات مهمة مثل الانتخابات الرئاسية المرتقبة.
اتساع نطاق الإقصاء السياسي
في السياق ذاته، أصدرت المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان، تقريراً موسعاً يرصد أبرز ملامح المرحلة الأولى من انتخابات مجلس نواب مصر التي جرت وفق نظام القائمة المطلقة، مشيرة إلى اتساع نطاق الإقصاء السياسي، وتنامي نفوذ المال الانتخابي، وضعف الإشراف المستقل، بما انعكس، وفق ما وثّقه التقرير، على مستوى المشاركة الشعبية وعلى ثقة الناخبين في العملية الانتخابية برمتها. وبحسب ما ورد في التقرير، الصادر، مساء السبت الماضي، فإن المرحلة الأولى التي شملت محافظات واسعة من الصعيد والدلتا والسواحل، جرت في ظل بيئة انتخابية “مغلقة أمام التنافس” بعد استبعاد القوائم المنافسة للقائمة الوطنية من أجل مصر ما ضمن لها الفوز الكامل بمقاعد القوائم منذ البداية. وأشارت المؤسسة إلى أن أربعة قوائم تقدمت للانتخابات، غير أنّ الهيئة الوطنية استبعدت جميع القوائم المنافسة، بما فيها “الجيل” و”صوتك لمصر” و”نداء مصر”، وهو ما اعتبرته المؤسسة “إجهاضاً لمبدأ التعددية السياسية قبل بدء الانتخابات فعليا”.
وأكدت المؤسسة أن جوهر الأزمة يعود إلى اعتماد نظام القوائم المغلقة المطلقة بديلاً عن نظام القائمة النسبية أو الأنظمة المختلطة، متجاهلاً توصيات الحوار الوطني التي شدّدت على توسيع قاعدة التمثيل. ورأت أن هذا النظام يؤدي إلى “تهميش الأحزاب الصغيرة والمتوسطة”، ويمكّن القوى المسيطرة من احتكار مقاعد القوائم، إضافة إلى اتساع حجم الدوائر، ما يرفع كلفة الترشح ويضع عراقيل مالية ضخمة أمام مختلف المرشحين.
وسلط التقرير الضوء على الاستبعاد الواسع لمرشحين معارضين من القوائم النهائية للترشح، إذ استُبعد 39 مرشحاً من جداول الدوائر الفردية، بينهم 11 ينتمون لأحزاب في الحركة المدنية الديمقراطية مثل التحالف الشعبي الاشتراكي والدستور والمحافظين. وأشارت المؤسسة إلى أن عدداً من الحالات أثار “شبهات تعسف”، أبرزها استبعاد النائب السابق هيثم الحريري رغم انتخابه في دورتين سابقتين، واستبعاد محمد عبد الحليم عن التحالف الشعبي رغم تقديمه شهادة رسمية بخلوه من المخدرات، واستبعاد المحامي محمد أبو الديار بعد حذف اسمه من قاعدة بيانات الناخبين. وذكر التقرير أن استبعاد مرشحين معارضين أدى إلى انسحاب عدد من الأحزاب أو تقليص مشاركتها، بينها حزب المحافظين، الذي انخفض عدد مرشحيه من 29 إلى 13. وبحسب المؤسسة، يرى الحزب أن “المال السياسي واحتكار المقاعد الفردية” ساهما في إضعاف فرص مرشحيه.
وفي محور آخر، وثّق التقرير ما وصفه بـ”ظاهرة توريث المقاعد” داخل القوائم المطلقة. وقالت المؤسسة إن عدداً من المرشحين الأساسيين وضعوا أسماء أقاربهم ضمن القوائم الاحتياطية، بحيث يصعد هؤلاء تلقائياً في حال شغور المقعد، مستندين إلى المادة 25 من قانون مجلس النواب. وذكر أمثلة عدة، بينها ترشح عماد الدين حسين عن محافظة البحيرة رغم انتمائه لأسيوط وإقامته في القاهرة، وترشح سليمان وهدان عن الشرقية رغم كونه نائباً سابقاً عن بورسعيد، وترشح طارق رضوان عن القاهرة بدلاً من موطنه الأصلي في سوهاج، إلى جانب ظهور مرشحين من محافظات أخرى ضمن قائمة البحيرة.
غير أن أبرز ما وثّقه التقرير كان “التوسع غير المسبوق في استخدام المال السياسي”، حيث أشار إلى انتشار فيديوهات توثق رشى مباشرة للناخبين، وارتفاع سعر الصوت من 200 إلى 500 جنيه خلال يومَي الاقتراع. كما رصد الحزب المصري الديمقراطي، وفق ما نقله التقرير، توزيع كراتين غذائية أمام لجان في محافظات الجيزة وبني سويف وأسيوط. وتوقفت المؤسسة أيضاً عند انسحاب عدد من المرشحين في اليوم الأول من التصويت، من بينهم النائبة السابقة نشوى الديب التي انسحبت من دائرة إمبابة بعد ساعة من فتح اللجان، احتجاجاً على ما وصفته بـ”غياب النزاهة” ومنع مندوبيها من دخول اللجان. وأشار التقرير إلى ما اعتبره “غياباً لدور الهيئة الوطنية للانتخابات” في التعامل مع الشكاوى والمخالفات، رغم تبنيها مدونة سلوك انتخابي تنص على إحالة المخالفين إلى النيابة العامة في حال تقديم رشاوى أو استغلال النفوذ.
وفي الإسكندرية، برزت إحدى الحوادث التي أثارت نقاشاً واسعاً بعدما نشر المرشح أحمد فتحي عبد الكريم مقطعاً مصوّراً من داخل إحدى اللجان في دائرة المنتزهة يدّعي فيه وقوع مخالفة خطيرة قبل وقت قصير من إغلاق باب التصويت. وظهر المرشح في التسجيل داخل لجنة الاقتراع بمدرسة مصطفى مشرفة، مؤكّداً مشاهدته فتح عدد من صناديق الاقتراع وتفريغها من بطاقات التصويت ثم إعادة التعامل معها بطريقة غير واضحة قبل ساعة من انتهاء العملية الانتخابية. وبحسب ما جاء في روايته المصوّرة، فقد وجّه عبد الكريم نداءً للجهات الرسمية، متسائلاً عن أسباب السماح بفتح الصناديق في توقيت لا يجيزه القانون، ومشيراً إلى أن بعض القائمين على العمل داخل اللجنة كانوا يتعاملون مع الأوراق بطريقة أثارت شكوكه.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس





