حرارة الناقصة بين دمشق والقاهرة

حرارة الناقصة بين دمشق والقاهرة
حرارة الناقصة بين دمشق والقاهرة

معن البياري

أفريقيا برس – مصر. لم يُدْعَ الرئيس السوري، أحمد الشرع، إلى القاهرة، لحضور حفل افتتاح المتحف المصري الكبير السبت الماضي، فلم يُساوَ مع رؤساء وملوكٍ وأمراء عديدين جرت دعوتُهم إلى التظاهرة الثقافية الكبرى، منهم رئيسا غينيا بيساو وفرسان مالطة وملك تايلاند. ولم تتمثّل سورية بأي وفدٍ من أي منزلةٍ في الحفل، كما تشاد وقبرغيستان وسنغافورة وغيرهم. ولا يعود الأمر إلى خطأ بروتوكولي، ولا إلى افتراضٍ مسبقٍ لدى صنّاع القرار في مصر يضع أهل الحكم الراهن في سورية في ضفّة المعادين للمتاحف وما فيها. إنما الأمر يعود إلى سَعةٍ في حالة جفاءٍ قائمةٍ بين القاهرة ودمشق، تتأرجح في “جدليّة الخفاء والتجلّي” (بتعبير أستاذنا كمال أبو ديب). وهي حالةٌ على شيءٍ من الغرابة، فثمّة سفيرٌ مصري في العاصمة السورية، وثمّة سفارة سورية في العاصمة المصرية (لم يعيّن سفيرٌ بديلٌ فيها بعد). وتعدّدت لقاءات وزيري خارجية البلدين، أسعد الشيباني وبدر عبد العاطي، في غير بلد، فقد اجتمعا أخيراً في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقبلها في أوسلو، وقبل ذلكما في بغداد وفي القاهرة نفسها في أثناء مشاركات الوزير السوري في اجتماعاتٍ لجامعة الدول العربية، غير أن أياً منهما لم يؤدّ أي زيارة عمل رسميةٍ إلى بلد الآخر. وباستثناء لقاء بروتوكولي يتيم بين الرئيسين أحمد الشرع وعبد الفتاح السيسي في القاهرة على هامش اجتماعات مؤتمر القمّة العربية في مارس/ آذار الماضي، لم يجر أي تواصل بين الرجلين. وقد آثر السيسي، في يناير/ كانون الثاني الماضي، عدم مهاتفة نظيره السوري عند تولّي الأخير منصبه رئيساً في المرحلة الانتقالية في بلده، وعدم إرسال برقية تهنئة، وإنما نشر تدوينةً في “إكس”، ضمّنها التهنئة، وتمنّياته للرئيس الشرع “بالنجاح في تحقيق تطلّعات الشعب السوري نحو مزيدٍ من التقدّم والازدهار”.

ومع توالي بياناتٍ وتصريحاتٍ رسميةٍ مصريةٍ تؤكّد على وحدة سورية واستقرارها، ورفض الاعتداءات الإسرائيلية عليها، ومع تشديد القاهرة على “ثبات” موقفها هذا، لا نلحظ أيّ حرارةٍ في الاتصالات الثنائية الخجولة، ولا نُصادف تحرّكاً من أي من العاصمتين لكسر المراوحة في جمود العلاقات الحادث بينهما. والبادي حرص دمشق على عدم إغضاب القاهرة من أي شيء. ولم يقصد الرئيس الشرع التبخيس من مصر عندما جاء، في كلمةٍ له مرتجلة في الرياض الأسبوع الماضي، عن نجاجات كبرى في بلدان عربية لا تماثل نجاحاتٍ في مصر والعراق، وإن استقبل الإعلام المصري هذا القول باستنكارٍ وغضبٍ شديدين. وحسناً أن الأمر لم يتعدّ هذه الحدود، ولم تتعامل معه القاهرة الرسمية بحساسيةٍ زائدة. ما قد يجيز القول إن السلطة في مصر حريصةٌ على شيءٍ من الوصل والوصال مع دمشق، من دون أن تُبادر، حتى اللحظة، إلى ما يأخُذ العلاقات إلى ما هو أبعد.

ربما لو تشجّعت عاصمةٌ عربيةٌ، تتمتّع بثقة القيادتين في دمشق والقاهرة، إلى وساطةٍ بينهما، تهدف إلى بثّ حرارةٍ ساخنةٍ في التواصل والتعاون بين البلدين، لتوفّرت لها فرصٌ وفيرةٌ للنجاح، فالظاهر أنها قويةٌ الرغبة السورية في تمتين أقوى العلاقات مع مصر التي كانت، في يومٍ غير بعيد، في اتحادٍ مع سورية. والظاهر أن البرود من جانب القاهرة يعود إلى حاجتها إلى اطمئنانٍ من نوعٍ خاص، فضلاً عن إقفال ملفّ مصريين جهاديين (مطلوبين) في سورية. والمرجّح أن حواراً صريحاً على أرضية النيات الحسنة لا بد سيصل إلى تفاهماتٍ في هذا الخصوص وغيره. فضلا عن أن في الوُسع أن تبقى مواضيع خلافية رهن التداول والنقاش، من دون أن يؤثر وجودُها على علاقات تعاونٍ اقتصاديٍّ وحوار سياسي وأمني بين البلدين اللذيْن تخسر الأمة كثيراً إذا ما ظلّ التباعد البارد بينهما على ما نرى.

المأمول أن تتخفّف القاهرة مما قد يكون لديها من حساسياتٍ أمنيةٍ وفرضياتٍ ومسبقات، وتذهب إلى تعافي العلاقات مع دمشق من كل حساسيات. والمأمول أن تقدّم دمشق كل ما من شأنه أن يعين القاهرة في التحرّر من ذلك كله… وجميعنا في الانتظار.

المصدر: العربي الجديد

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here