قصة هنا وعمر.. من كوب قهوة إلى قلوب الملايين

قصة هنا وعمر.. من كوب قهوة إلى قلوب الملايين
قصة هنا وعمر.. من كوب قهوة إلى قلوب الملايين

أفريقيا برس – مصر. تحولت سلسلة من المقاطع القصيرة بعنوان “هنا وعمر” عبر منصات التواصل الاجتماعي إلى حديث الملايين، حيث تظهر الشابة هنا إلى جانب شقيقها عمر، المصاب بالتوحد، وهما يتشاركان شغفه الكبير بتذوق المشروبات، خاصة القهوة. وتعمل هنا على دعم شقيقها ومساعدته في تنفيذ أفكاره المختلفة، ليتحول هذا المحتوى البسيط والعفوي إلى ظاهرة رقمية حصدت ملايين المشاهدات في وقت قياسي، وصلت إلى إطلاق “خلطة قهوة” تحمل اسم “عمر”. وقد أثارت هذه المقاطع إعجاب المتابعين بعفويتها، وبالعلاقة الإنسانية الدافئة التي تجمع بين الشقيقين، إلى جانب الفكرة المبتكرة للمحتوى.

مَن هنا وعمر؟

بدأت القصة بمقطع واحد نشرته الشابة المصرية هنا زهير في أغسطس/آب 2025، ظهرت فيه مع شقيقها وهما يتذوقان القهوة ويقيّمان مذاقها، مع الإشارة إلى حب عمر الشديد للقهوة وتفضيله لإضافة الكراميل إليها. وقد عرّفت هنا شقيقها بأنه شاب مصاب بالتوحد ويعاني أيضا من الإبراكسيا (عسر النطق الحركي)، مؤكدة أن الهدف من هذه المقاطع هو رفع الوعي حول التوحد وصعوبات الكلام.

لكن هنا، وهي في العشرينيات من عمرها، لم تكن تتوقع أن يتحول هذا المقطع الذي صوّرته بدافع المحبة والدعم إلى موجة انتشار واسعة، وأن يصبح موضوعا لتفاعل ضخم على مواقع التواصل، مع إشادات من مئات المؤثرين الذين أثنوا على قوة العلاقة بينهما.

وتقول رضوى الطنب، والدة هنا وعمر، “اعتدنا تصوير عمر عندما يحقق نجاحا صغيرا أو يقوم بشيء جميل، ونشارك هذه اللحظات داخل العائلة فقط. وفي إحدى المرات تحدثت مع هنا واقترحت عليها نشر الفيديو على نطاق أوسع، لكننا لم نتخيل أبدا أن يحب الناس عمر بهذا الشكل، أو أن تصل المقاطع إلى هذا الكم الهائل من المشاهدات والتعليقات. أقرأ كل تعليق، وأبكي كلما سمعت كلمة طيبة عن عمر أو هنا. هذا يلامس قلبي بشدة.

قصة محنة تحولت إلى منحة

بينما ينشغل الملايين بمقاطع عمر وهو يتذوق القهوة ويبتكر وصفات لمشروباته وأطعمه المفضلة، يغيب عن المشهد بطل آخر من خلف الكاميرا، والدته رضوى الطنب، المرأة التي استطاعت أن تحوّل رحلة ابنها مع التوحد إلى قصة نجاح ملهمة.

تعود القصة إلى عام 2003، حين كان عمر في عامه الأول والنصف. تروي والدته: “لاحظنا أن طريقة لعبه مختلفة. كان يضع المكعبات بجانب بعضها دون أن يبني بها، يصفّ الأشياء بنفس النسق، ويدور في دوائر. كان يضحك كثيرا، لكن ليس لنا أو معنا، وكأنه يتذكر شيئا ما. لم يكن ينتبه للآخرين أو يتفاعل مع الضيوف. بدأ ينطق كلمات قليلة ثم اختفت. عندها أدركنا أن هناك شيئا غير طبيعي، وبدأنا رحلة البحث”.

لم تكن رضوى، خريجة إدارة الأعمال من جامعة حلوان، تعرف شيئا عن التوحد قبل أن تخبرها طبيبة نفسية بأن ابنها مصاب به. تقول “بدأنا العلاج منذ أن كان عمر عاما ونصف، لكننا كنا ما زلنا غير متأكدين. بدأنا جلسات تخاطب على أمل أن يتحسن، لكن اكتشفنا لاحقا أنه يعاني أيضا من الإبراكسيا، ما جعل مهمته في الكلام أصعب. كان علينا أن نجد طريقة أخرى ليعبر عن نفسه، فتعلم لغة الإشارة والصور أولا، ثم بدأت الكلمات تعود تدريجيا”.

تغيرت حياة رضوى بالكامل. من جلسات لا تنتهي في مصر، إلى قرار مصيري بالانتقال إلى الولايات المتحدة، حيث أعادت تشكيل مسارها العلمي والمهني من أجل ابنها. هناك حصلت على أعلى شهادة مهنية في تحليل السلوك التطبيقي (ABA)، وأصبحت محللة سلوك معتمدة دوليا، قبل أن تكمل رسالة الماجستير في التوحد وتحليل السلوك بجامعة راسل سيج في نيويورك.

تقول الأم “تعلمت كل ذلك لأجل عمر، وتعلمت أيضا كيف أساعد إخوته على اللعب معه والتواصل معه. في البداية لم يشعروا بوجود مشكلة، فقد كنا دائما معا في المنزل والنادي والمناسبات. نحن أسرة شديدة الترابط، لكن مع الوقت فهموا التحدي، وأحبوه أكثر، وتطوعوا لدعمه. هم صبورون للغاية ومهتمون به بشكل يفوق الوصف”.

إنجازات بلا ضجيج

لا يتحدث عمر عن إنجازاته، لكنها تتحدث عنه. فالشاب الذي أسر قلوب المتابعين على منصات التواصل، وأطلقت باسمه خلطة قهوة خاصة، هو أبعد ما يكون عن مجرد ظاهرة اجتماعية مؤقتة. وراء هذه الابتسامة الهادئة حكاية مثابرة وصعود، بدأت مع طفل كان يخشى ملامسة الماء، وانتهت بسبّاح ماهر يحصد البطولات ويعتلي منصات التتويج بميداليات ذهبية وفضية وبرونزية.

تقول والدته رضوى الطنب “كان أقصى ما أتمنى في مرحلة ما أن ينطق كلمة ماما. لكن اليوم، عمر يكتب، ويعبر عمّا يريد، وهو بطل في السباحة، ويساعدني في عملي كما يساعد والده منذ ثلاث سنوات. نعتمد عليه في إدخال البيانات، فهو يجيد استخدام الكومبيوتر، كما أنه شديد التنظيم. وحين تكون البيئة مناسبة، يحقق إنجازات لا تُتوقع”.

لا تزال تتذكر رحلتها معه إلى الولايات المتحدة، ليتعلم مهارات أساسية مثل التواصل، وانتظار الدور، وضبط الانفعالات. هناك، عرفت كيف يمكن أن يتحول التحدي إلى فرصة، والأم إلى قوة تغيير.

وفي عام 2020، افتتحت مركزا متخصصا في تقديم الخدمات السلوكية لأطفال التوحد وفرط الحركة وصعوبات اللغة والسلوك. تقول “في البداية كان كل شيء من أجل عمر، لكن اليوم الأمر لم يعد يقتصر عليه وحده. أصبحت أملك القدرة على مساعدة المزيد من الأطفال، وهذه أعظم خطوة في حياتي”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here