عبد التواب بركات
أفريقيا برس – مصر. بعد تعثّر وتأخير 11 سنة عن موعده الذي كان مقرراً له في سنة 2014، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد في 3 يوليو/تموز الجاري الانتهاء من بناء سد النهضة الكبير وتدشينه في سبتمبر/أيلول المقبل. هو السد الذي يقام على النيل الأزرق الذي يمد نهر النيل بـ85% من المياه والذي قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب في منتصف هذا الشهر إنه شريان الحياة لمصر وسلبه منها أمر لا يصدق، وأن السد خفض تدفق مياه النيل إلى مصر بشكل مقلق.
ففي أكتوبر/تشرين الأول سنة 2019، كشف نائب رئيس مشروع السد، بيلاتشو كاسا، لوكالة رويترز أن السد الذي أعلن عنه أول مرة رئيس الوزراء الراحل ميليس زيناوي في إبريل 2011 تأخر بناؤه خمس سنوات، بسبب عمليات فساد وأخطاء في التنفيذ ارتكبتها شركة ميتيك التابعة للجيش الإثيوبي. وقبله، أعلن مدير المشروع، كيفلي هورو، أن السد سيكتمل بناؤه في سنة 2022، وهو ما تأخر ثلاث سنوات إضافية. خسائر تأخير التشغيل سد النهضة الذي تعثر ميلاده أكثر من عقد، وكاد يجهض بسبب تكرار العثرات والفشل والفساد، ولد مبتسراً ولم ينتج الكهرباء المأمولة منه بعد، وهو الذي كبد إثيوبيا مليارات الدولارات.
فقد كشف أبي أحمد، عقب إعلان إثيوبيا عن الانتهاء من الملء الأول للسد، في 8 يونيو/حزيران سنة 2020، عن خسارة إثيوبيا 6 مليارات دولار إضافية، بمعدل مليار دولار سنوياً، بسبب التأخير في بناء السد لمدة ست سنوات غير النفقات الأساسية المعلنة، وهي خسائر ضخمة تزيد عن 17% من الناتج القومي لدولة فقيرة مثل إثيوبيا.
في هذا التوقيت، نقلت وكالة الأنباء الرسمية عنه أن السد كان سيولد كهرباء بقيمة 27 مليون دولار يومياً، أي 9.9 مليارات دولار في السنة، ويزيد إجمالي وصول الإثيوبيين إلى الكهرباء بنسبة 50%. وهي تقديرات مبالغ فيها، ولكنها خسائر على كل حال قلت أو كثرت.
وقد استمر البناء خمس سنوات أخرى بعد إعلان أحمد، ما يعني زيادة التكلفة خمسة مليارات أخرى. وفي الدول الرشيدة، توجب هذه الخسائر المساءلة والمحاكمة، وقد تفضي إلى عزل الحكومة. وفي يوليو سنة 2020، نشرت وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية على موقعها الرسمي تقريراً اقتصادياً يقدر تكلفة تأخير تشغيل السد لمدة خمس سنوات بمبلغ 41.7 مليار دولار.
سد النهضة وأزمة الكهرباء في إثيوبيا
وقالت الدراسة التي أجراها فريق من الإثيوبيين في الشتات والخبراء المحليين إنه على الرغم من ارتفاع الرقم فإنه جزئي فقط، ولم يتضمن تكلفة تأخير استخدام كهرباء السد في تشغيل مكينات الري ومشاريع الإنتاج الزراعي والصناعي، ولا الأضرار البيئية المرتبطة باستخدام الحطب للحصول على الطاقة، ولا تكاليف الفرصة البديلة لإيرادات السياحة ومصايد الأسماك المفقودة التي غالباً ما كانت ستولدها بحيرة السد الكبير.
ولم يشمل التقدير المكاسب التي كان من المتوقع أن يحققها السودان ومصر من سد النهضة، وفق الدراسة طبعاً التي ربما تكون سخرية من النظام المصري الذي وقع اتفاق مارس 2015 وقال إنه يتفهم حق إثيوبيا في التنمية، متناسياً الخطر الوجودي للسد على مصر. وحملت الدراسة العجيبة تخلف إثيوبيا عن ركب التنمية العالمي، وفشل تراكم رأس المال المادي والبشري، ونقص الطاقة، واختلال السياسات العامة إلى التأخير في بناء السد. وأكدت أن ذلك التأخير مسؤول عن انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في إثيوبيا إلى نصف نصيب الفرد في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، و19% من متوسط نصيب الفرد في مصر، و13% من المتوسط العالمي.
ومن حيث الالتحاق بالمدارس الثانوية، تتخلف إثيوبيا بسبب الفشل في إنجاز السد أيضاً، عن دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 20%، وعن المتوسط العالمي بنسبة 54%، وعن مصر بنسبة 60%. وأوصت الدراسة الحكومة بمعالجة نقص الكهرباء بسرعة تشغيل سد النهضة، لتحفيز الفرص الاقتصادية الكامنة التي تُركت دون استغلال لأجيال، والتغلب على الفقر المزمن الذي لا يزال يُبتلى به سكانها الذين يزيد عددهم عن 110 ملايين نسمة.
وعوّلت الدراسة في التغلب على أزمة الكهرباء في إثيوبيا على سد النهضة الكبير، واعتبرته نواة الأمل لإثيوبيا للتحول الاقتصادي، والمحور الذي تدور حوله استراتيجيتها الصناعية وبرامجها المتعلقة بتأمين المياه والطعام، والذي يضاعف إنتاج الكهرباء في إثيوبيا، كما تدعي حكومات إثيوبيا المتعاقبة منذ سنة 2011.
وتشير الدراسة العبثية في تقدير قيمة السد الاقتصادية، إلى أن تقديرات المرحلة الأولى من المشروع، الذي كان يفترض أن يبدأ التشغيل الكامل بحلول عام 2024، ستكسب الاقتصاد الإثيوبي قيمة حقيقية مضافة في حدود 7.5 مليارات دولار سنوياً، وهي أقل من تقديرات أبي أحمد الذي قدرها بـ9.9 مليارات.
أخطاء التصميم وفساد التنفيذ
لا بد لتأخير بناء السد كل هذه المدة من سبب يبرر الخسائر التي ارتبطت بهذا التأخير، ولا يمكن أن يكون نابعاً من حرص إثيوبيا على حصة مصر المائية، فقد أعلنت في البداية عن إنجاز السد في غضون ثلاث سنوات، وهو ما كان سيؤدي إلى تبوير نصف مساحة مصر الزراعية. والمؤكد أن التأخير يرجع في معظمه إلى أخطاء في التصميم وفساد في التنفيذ، باعتراف المسؤولين الإثيوبيين أنفسهم، وهو ما يضر بأمان السد وسلامة الإنشاءات إلى حد الانهيار، وبالتالي يهدد الحياة في السودان ومصر بالموت غرقاً.
وقد اعترف أبي أحمد، في أول مؤتمر صحافي له بعد توليه السلطة في إبريل/نيسان سنة 2018 بقوله إن “هناك مشكلات تتعلق بالتصميم، لقد سلمنا مشروع سد معقد إلى أشخاص (شركة المعادن والهندسة التابعة للجيش الإثيوبي) لم يروا أي سد في حياتهم، وقامت الشركة بإدخال تعديلات في تصميمات السد وطاقة توليد الكهرباء، وفشلت في تركيب التوربينين الأولين اللذين كانا يخطط لهما بدء توليد الكهرباء في سنة 2018.
واتهم أبي أحمد إدارة الشركة، التابعة لجيش بلاده، بأنها “غير ناضجة، وتفتقر إلى الخبرة، وتتمسك بثقافة عمل غير لائقة”. ولم يكشف أحمد عن ماهية الأخطاء التي ارتكبتها الشركة في تصميمات السد وطبيعتها، ومدى خطورتها على الإخلال بالمواصفات والمعايير الدولية للسدود، ولا سيما أن أخطاء من هذا النوع تعرض سلامة السد الذي يحتجز 74 مليار متر مكعب من المياه للخطر، ويخل بمعامل الأمان ويعرضه للانهيار، ما يخلف فيضانات وسيولاً تغرق مدينة الخرطوم بموجة تسونامي يصل ارتفاعها إلى 10 أمتار، ويعرض السد العالي في أسوان للانهيار، ثم تغرق المدن المصرية على ضفاف النيل الواحدة بعد الأخرى.
ولكن مدير السد كشف عن أن شركة ميتيك انسحبت من المشروع في سنة 2018، وقال إنهم أزالوا بعض الهياكل الفولاذية في المنافذ السفلية، واستبدلوها بأخرى جديدة، وأعادوا إصلاح بعض الهياكل الفولاذية، وسلمت إثيوبيا عقوداً لتنفيذ أعمال شركة ميتيك إلى مجموعة من الشركات الأجنبية التي تشمل شركات ساليني إمبريجيلو الإيطالية، وجي إي هيدرو فرانس، وجيتشوبا جروب كورب الصينية، وفويث هيدرو شنغهاي، وسينوهايدرو كورب الصينية.
وهو اعتراف صريح بوجود أخطاء في بناء السد قد تضر بسلامة الهيكل وأمان السد. لم يستغل النظام في مصر اعتراف الإثيوبيين بوجود أخطاء في تصميم السد وفساد في التنفيذ، ولم ينسحب من اتفاق مبادئ مارس/آذار سنة 2015 الذي أهدى إثيوبيا موافقة على ورقة بيضاء لبناء السد دون اكتراث لحصة مصر المائية ولا لأمان السد وسلامته من الانهيار، ولم يطلب تدخلاً دولياً لوقف البناء في السد، أو انتداب لجنة خبراء دولية محايدة للوقوف على كفاءة التصميمات، والتفتيش على سلامة الإنشاءات، ومراجعة حجم السد المبالغ فيه، وحماية الدولة المصرية من العطش والجوع والتهجير، أو الغرق والدمار الذي قد ينتج عن انزلاق السد وانهياره، بسبب أخطاء التصميم وفساد في الإنشاءات.
وبعد تصريحات الرئيس دونالد ترامب المتكررة حول السد وآثاره المدمرة على مصر، هل يمكن للنظام في مصر أن يستغل دعم الرئيس الأميركي ويصحح أخطاءه، ويفتح الخيارات لحماية حق مصر في مياه النيل.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس