مرحلة دبلوماسية كرة القدم في العلاقات التركية المصرية

4
مرحلة دبلوماسية كرة القدم في العلاقات التركية المصرية
مرحلة دبلوماسية كرة القدم في العلاقات التركية المصرية

ياسين أقطاي

 

أفريقيا برس – مصر. شارك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في افتتاح كأس العالم لكرة القدم 2022 في الدوحة، وخلال حفل الاستقبال صافح نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، في بادرة تعكس في الواقع الاتصالات المستمرة بين البلدين منذ عامين. وهذه هي المرة الأولى التي يخاطب فيها أردوغان السيسي، الذي يتولى السلطة منذ ما يقارب العقد.

هذه المصافحة، التي يمكن اعتبارها نتيجة لدبلوماسية كرة القدم، تعني ذوبان الجليد بين تركيا ومصر، كما يمكن اعتبار هذا الحدث نتاج الأداء الدبلوماسي لدولة قطر التي تستضيف كأس العالم.

يمكننا توقع استمرار الاتصالات بين تركيا ومصر التي بدأت بين أجهزة المخابرات واستمرت على هذا المستوى لفترة، وربما تنتقل إلى مستوى أعلى في هرم السلطة.

أظهرت المعارضة في تركيا رد فعل متوقعا على مصافحة الرئيس أردوغان للسيسي، فقد ذكرتنا المعارضة -التي كانت منذ سنوات تدعو إلى تطبيع العلاقات بين تركيا ومصر- هذه المرة باتهام أردوغان السيسي بمخطط الانقلاب وما حدث في ميدان رابعة.

لا يعتبر ردّ الفعل هذا من جانب المعارضة مفاجئا لمن يعرف طبيعة المعارضة في تركيا، فبينما تشير بعض التعليقات إلى أن مصالح تركيا فوق كل اعتبار وأن أردوغان وصل أخيرًا إلى هذه النقطة وحقق هدفه، يقول البعض الآخر إن تركيا وضعت قيمها جانبا، وإن أردوغان يتنازل عن مبادئه ويتبع أسلوبا سياسيا قائما على المصالح فقط.

بحسب الفكرة السائدة، فإن علاقات الدول لا تحكمها بالأساس الصداقات أو المبادئ وإنما المصالح، وبعض من يريدون إثارة الجدل يريدون تصوير السياسة التي اتبعتها تركيا حتى الآن وكل المواقف التي اتخذتها بشأن القضايا الإنسانية أنها لا معنى لها، ويقارنون قيم تركيا بالعالم الإمبريالي الذي لا قيم له.

أليست طريقة تركيا ومواقفها والاختلاف الواضح في سياستها الخارجية هو ما يكسب تركيا قيمتها ومكانتها الحالية، مقارنة بدول لا تهتم سوى بمصالحها الخاصة أو دول تستغل العالم وتخنقه لمصالحها الخاصة؟ كيف سيكون لتركيا قيمة إذا كانت سياستها الخارجية تهتم فقط بمصالحها الخاصة، مثل إنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا، الذين يطبقون نظرية “المصالح في السياسة الخارجية” والذين يستغلون العالم كله؟ كيف سيكون لتركيا قيمة إذا تخلت عن قيمها في سبيل مصالحها وحادت عن جوهرها ومبادئها؟

قد تندلع حرب بين بلدين، وقد ينتصر فيها أحدهما، لكن في نهاية المطاف سيحل السلام بينهما ويتصافح المتحاربون. بالطبع من الصعب مصافحة الشخص الذي تقاتل ضده، وفي مثل هذا النوع من السلام لا تتخلى أطراف الصراع بسهولة عن الادعاءات التي دفعتهم إلى خوض الحرب في المقام الأول. بعد اتخاذ الخطوة الأولى نحو الصلح وعندما تفرض ضرورة السلام نفسها على أطراف الصراع، يمكن تحقيق هذا السلام حتى لو لم يكن ممكنًا إنهاء الخلافات تمامًا.

هذه الحالة ينطبق عليها القول المأثور القديم: “إذا لم تستطع صنع السلام مع خصمك، فلماذا لا تقاتل؟ وإذا كنت لا تقاتل، فلماذا لا تصنع السلام؟”. تلخص هذه الكلمات على أفضل وجه العلاقات الحالية بين مصر وتركيا أو بقية الدول العربية.

إذا استقرت العلاقات المتوترة ولم يحدث موقف يجعل الوضع أسوأ، فهذا يعني أن الوقت قد حان لفتح صفحة جديدة. فضلا عن ذلك، لم تقاتل تركيا مصر وإنما كان لها موقف ضد الانقلاب الذي حدث فيها قبل 10 سنوات، والذي انقطعت على إثره العلاقات الثنائية بين البلدين. في هذه الحالة، لم يكن لتركيا ما يبرر موقفها الواضح ضد الانقلابات فحسب، بل كانت تفعل ما هو مناسب لها وما كان ينبغي لها أن تفعله. ولكن تحويل بوادر السلام اليوم بعد هذا الموقف العادل والنبيل إلى خطاب ندم وانتقاد من قبل المعارضة، يعني أنهم يحاولون تصديره وكأن تركيا تتخلى عن موقفها، وهذا تضليل للحقائق.

هناك الكثير من الحالات التي يتم فيها انتهاك حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية في العالم الإسلامي، وهناك حاجة ملحة لأن تكون تركيا رائدة في خطاب حقوق الإنسان والحريات والكرامة في العالم الإسلامي، وأن يصرخ زعيمها من على منبر الأمم المتحدة أن “العالم أكبر من خمسة”. يجب على طرف ما فعل ذلك وتبنيه، وفي الوضع الحالي لا يوجد أحد يمكنه لعبه هذا الدور سوى تركيا.

لسوء الحظ، إن الدول الإسلامية هي التي تشهد انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، وهذه أكبر مشكلة في العالم الإسلامي. لقد اختارت تركيا أن تكون رائدة في هذا المجال منذ البداية، ربما لم تتمكن من الحصول على النتيجة التي تريدها بأسلوبها السياسي حتى الآن، لكنها لا تستطيع أبدا التراجع في الدفاع عن كرامة الإنسان، وإذا فعلت فلن تكون مختلفة عن الدول الأخرى التي تكيل بمكيالين.

خلال فترة انقطاع العلاقات بين البلدين (مصر وتركيا)، نشأت مواقف جديدة، وبدأ كلا البلدين يعاني من آثار هذا التوتر، لهذا السبب بالتحديد، كتبت منذ عامين أنه يجب إيجاد صيغة لإعادة العلاقات الثنائية بطريقة ما.

إن تقارب أو تحسّن العلاقات بين تركيا ومصر في هذا الوقت لا يتطلب اتفاقًا في كل مسألة خلافية وإنما ستظل بعض الخلافات قائمة، فمنذ متى كان الاتفاق على جميع القضايا حجر أساسٍ لعودة العلاقات؟! سواء مع الولايات المتحدة أو إيران أو إسرائيل أو حتى روسيا! لنا خلافات عميقة مع جميع هذه الأطراف بشأن العديد من القضايا، وبعضها لا يزال مستمرا، لكن هذه الخلافات لا يجب أن تكون سببا للقطيعة بيننا وبينهم.

إن الحاجة إلى تحسين العلاقات “على مستوى معين” لا تهم تركيا فقط، ذلك لأن كلا الجانبين يخسران من الوضع الحالي، ولا تحتاج الدول إلى تغيير أنظمتها وقوانينها للتوصل إلى اتفاق على قضية معينة.

من المعروف أن اتفاق مصر مع اليونان (في ترسيم الحدود البحرية) يكلف مصر خسارة لا تقل عن 20 ألف كيلومتر مربع من مياهها الإقليمية، وهذه خسارة كبيرة جداً، وإذا كانت هذه الخسارة ناجمة عن عدم التواصل أو حتى العداء مع تركيا، فعلى تركيا أن تقدم لمصر فرصة للتعويض عن خسارتها. فتركيا في نهاية المطاف صديقة مصر وليست عدوًا لها بغض النظر عن حكامها. وإذا كان الوضع الحالي يتسبب في خسارةٍ لشعبي البلدين، فمن الأفضل اتخاذ خطوة باسم هذه الصداقة من خلال اختبار كل الصعوبات وإدراكها.

الأكيد أن الرئيس أردوغان لن يتخلى عن قيمه أو القضايا المتنازع عليها بمجرد مصافحة السيسي أو بوتين. وينطبق الأمر ذاته على استمرار العلاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة، وحتى العديد من دول الاتحاد الأوروبي، رغم وجود صراعات عميقة معها.

بعد هذه المصافحة بوقت قصير، انتقد المتحدث باسم وزير الخارجية المصري عمليات تركيا العسكرية ضد الإرهابيين في سوريا والعراق، قائلا إنه يجب أن توقف تركيا عملياتها على الفور. ولكن لا ينبغي لأحد أن يتوقع من تركيا تغيير مواقفها وحساسياتها وسياساتها، خاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان والكرامة الإنسانية في العالم الإسلامي بسبب هذا التقارب.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here