مصر وباكستان… هل من تشابه؟

9
مصر وباكستان... هل من تشابه؟
مصر وباكستان... هل من تشابه؟

مصطفى عبد السلام

أفريقيا برس – مصر. يتشابه الوضع الاقتصادي في باكستان إلى حد ما مع ما يحدث حالياً في مصر، فالدولة الآسيوية النووية تعاني من أسوأ أزمة اقتصادية ومالية، من أبرز ملامحها تهاوي العملة المحلية، وشح النقد الأجنبي، وهروب الأموال الساخنة، والحاجة الملحّة إلى حزمة إنقاذ جديدة من صندوق النقد الدولي.

إضافة إلى تراجع احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي الباكستاني إلى أقل من 6 مليارات دولار، وهو أدنى مستوى منذ تسع سنوات ويغطي عدد محدود من شهور الواردات، ومبلغ غير كافي على سداد التزامات مستحقة على الدولة تزيد على 8 مليارات دولار في الربع الأول من العام الجاري.

وبحسب الأرقام الرسمية، فإن الديون المستحقة على باكستان تبلغ حاليا 274 مليار دولار أو ما يقارب 90 بالمئة من إجمالي الناتج الداخلي، ما يزيد الوضع سوءا الصعوبات المتكررة في سدادها، وهو ما يجعل البلاد عرضة للصدمات الاقتصادية، وتغذي تلك المخاطر الشائعات التي تثار من وقت لأخر حول وضع الحكومة يدها على النقد الأجنبي المتوافر لدى البنوك.

وتعاني باكستان كذلك من زيادة أعباء الديون الخارجية، والاعتماد على دول الخليج، خاصة السعودية، في الحصول على مساعدات مالية ومنح وقروض واستثمارات بشكل متواصل، وزيادة التضخم وغلاء أسعار الطاقة.

وهو ما دفع الحكومة نحو قطع الكهرباء في عموم البلاد كما حدث يوم الاثنين الماضي، حين شهدت البلاد أسوأ انقطاع للتيار أغرقها في ظلام دامس، كما أجبرت أزمة الطاقة الحكومة، أوائل يناير/كانون الثاني الجاري، على إغلاق مراكز التسوق بحلول الساعة 8.30 مساء لتوفير الطاقة.

وبسبب شح الدولار ترفض البنوك فتح اعتمادات جديدة للمستوردين، مما عمق أزمة اقتصاد يعاني من تضخم جامح ونمو بطيء. وباتت آلاف الحاويات المحملة بالمواد الغذائية الأساسية والمواد الأولية والمعدات الطبية عالقة في ميناء كراتشي في ظل مواجهة البلاد أزمة عملات خطيرة.

ويصل التشابه بين البلدين، مصر وباكستان، إلى حد اتخاذ نفس السياسات المالية والنقدية، من رفع سعر الفائدة على العملة المحلية الروبية بشكل متواصل وملحوظ في محاولة لكبح جماح التضخم المرتفع والحد من ظاهرة اكتناز الدولار والذهب وهي الظاهرة المعروفة باسم “الدولرة”، والاستنجاد بصندوق النقد وغيره من الدائنين الدوليين بهدف الحصول على قروض جديدة للحيلولة دون حدوث مزيد من تهاوي العملة وتدبير تمويل لفاتورة الواردات من حبوب وأغذية ومشتقات بترولية وأدوية وحليب أطفال وغيره.

وفي الوقت الذي حصلت فيه مصر على قروض من صندوق النقد قيمتها 20.3 مليار دولار في الفترة من 2016 حتى منتصف 2021، قدم الصندوق 5 حزم إنقاذ لباكستان على مدار العقدين الماضيين. وصرف دفعة بقيمة 1.1 مليار دولار في أغسطس/آب الماضي.

ربما الاختلاف هنا هو أن مصر أبرمت بالفعل اتفاقا جديدا مع صندوق النقد يتيح لها اقتراض 3 مليارات دولار، فضلا عن الحصول على سيولة أخرى بقيمة 14 مليار دولار من دول الخليج.

أما باكستان فلا تزال المفاوضات جارية بهدف الحصول على قروض بقيمة 6 مليارات دولار، ولا تزال المحادثات تتذبذب منذ وقت لآخر، بسبب تحفظ حكومتها على مطالب الصندوق بفرض ضرائب جديدة والخضوع لشروط جديدة قد تثير احتقان الشارع، خاصة المتعلقة بزيادة أسعار السلع الأساسية وخفض الدعم.

ورغم ذلك التشابه بين الحالتين، إلا أن مشكلة باكستان أكبر وأعمق من مصر، ولذا توقعت بعض المؤسسات والدوائر الغربية تعرّض إسلام أباد لإفلاس محتمل وربما قريب، وهناك مؤشرات جدية على ذلك، فقد سبق أن اعترف وزير المالية الباكستاني، في منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بأن بلاده تسعى لإعادة جدولة نحو 27 مليار دولار من ديونها خارج نادي باريس، والمستحقة إلى حد كبير للصين، بسبب عدم قدرتها على السداد.

وإضافة إلى خطر التعثر المالي، لا تزال باكستان تشهد قلاقل سياسية من وقت إلى آخر، كما جرى مع محاولة اغتيال عمران خان قبل أسابيع، والمؤسسات الغربية تخشى انزلاق البلاد إلى أوضاع خطيرة في ظل صراع سياسي طويل.

ولا يزال التوتر مستمرا مع جارتها النووية الهند، والذي ارتفع منسوبه في عام 2019، فقد كشف وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو، في كتاب له صدر يوم الثلاثاء، أن الولايات المتحدة جنّبت التصعيد إلى مواجهة نووية محتملة قبل 4 سنوات بين الهند وباكستان. كما تتزايد المخاوف بشأن عدم الاستقرار الاقتصادي والمالي في باكستان منذ أشارت السعودية إلى عدم وجود المزيد من المساعدات النقدية المجانية على لسان وزير ماليتها محمد الجدعان.

باكستان دولة محورية، ليس فقط لكونها دولة نووية وذات عدد سكان ضخم، لكن انهيار اقتصادها سيفتح الباب أمام انهيارات أخرى في الدول النامية التي تعتمد على الأموال الساخنة والقروض، وتستورد أكثر مما تنتج، وهو ما قد يهز أسواق العالم.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here