نتائج متواضعة لاستراتيجية الصين في القرن الأفريقي

5
نتائج متواضعة لاستراتيجية الصين في القرن الأفريقي
نتائج متواضعة لاستراتيجية الصين في القرن الأفريقي

علي أبو مريحيل

أفريقيا برس – مصر. في عام 2022، وفي خضم حرب تيغراي في إثيوبيا، عيّنت الصين الدبلوماسي المخضرم شيويه بينغ، مبعوثاً خاصاً لها إلى منطقة القرن الأفريقي، وكلفته بالمهمة الصعبة المتمثلة في التوسط بين الأطراف المتصارعة. جاء ذلك بعدما اضطرت العديد من الشركات الصينية التي كانت تعمل في مشاريع بناء وتصنيع بمليارات الدولارات في المنطقة إلى تعليق عملياتها، بينما اضطرت بكين إلى إجلاء مواطنيها. اليوم وبعد مرور ثلاث سنوات على تعيين شيويه، أثيرت تساؤلات في بكين حول هذه المبادرة ومدى جدواها مع استمرار القتال، وارتباطها باستراتيجية الصين في القرن الأفريقي.

وقالت صحيفة ساوث تشاينا مورنيغ بوست، أخيراً، إن استراتيجية الصين في القرن الأفريقي لتحقيق السلام تسير ببطء، وإن الحكومة تبنّت نهجاً تدريجياً يركز على معالجة الأعراض والأسباب الجذرية، غير أن النزاعات لا تزال قائمة. وأضافت الصحيفة الصينية: ربما سكتت مدافع حرب تيغراي، لكن منطقة القرن الأفريقي لا تزال ممزقة بالحروب الأهلية وتمرد الجماعات المسلحة، مثل حالة الفوضى في السودان، وكذلك النزاع بين إثيوبيا والسودان ومصر بشأن المياه في أعقاب بناء إثيوبيا سد النهضة. وأشارت إلى أنه على الرغم من أن سير العملية السلمية قد يكون بطيئاً، فإن بكين تنظر إلى دعم التنمية وتجنّب الانخراط المباشر في النزاعات على أنها أقل خطورة وأقل عرضة لتكوين أعداء.

تساؤلات حول استراتيجية الصين في القرن الأفريقي

وتُشكّل منطقة القرن الأفريقي مركزاً استراتيجياً للتوسع الاقتصادي والأمني للصين في أفريقيا. وخلال الشهر الماضي، عقد المبعوث الصيني إلى منطقة القرن الأفريقي اجتماعاً مع زعماء الصومال وإثيوبيا وإريتريا لبحث سبل معالجة تحديات السلام في المنطقة، ودعا جميع الأطراف إلى مناقشة القضايا الشائكة بطريقة سلمية وحل خلافاتها من خلال الحوار. ولتحقيق هذه الغاية، أعلن شيويه أن الصين ستعقد مؤتمر السلام الثالث في وقت لاحق من هذا العام في منطقة القرن الأفريقي. وكان مؤتمر السلام الأول قد انعقد في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في يونيو/حزيران 2022 في جزء من مساهمة الصين في العملية السلمية وبناء إجماع بين جميع الأطراف لتعزيز السلام والتنمية، بينما عقد المؤتمر الثاني في العاصمة بكين في يوليو/تموز من العام الماضي.

وعن استراتيجية الصين في القرن الأفريقي أوضح الباحث الصيني في الشؤون الدولية لي تشونغ، أن مفهوم آفاق السلام والتنمية في منطقة القرن الأفريقي الذي أطلقته الصين في مارس/آذار 2022، لا يعني بالضرورة إحلال السلام بشكل كامل وحل جميع الخلافات القائمة بين الأطراف المتنازعة، لأن بكين تدرك صعوبة هذا الأمر، ولكنه يعكس الطبيعة البراغماتية التي تتعامل فيها الصين مع القضايا والملفات الشائكة، بما ينسجم ويتماشى مع مصالح الدول ذات العلاقة. ولفت إلى أن الاعتبار الأساسي لبكين هو لعب دور داعم وتعزيز الحوار لتذليل العقبات بدون الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة وعواقب غير محمودة كما حدث في الحرب على غزة ولبنان.

وأضاف لي: لا شك أن مهمة مبعوث الصين إلى القرن الأفريقي تواجه تحديات كبيرة في ظل الاحتكاك القائم بين إثيوبيا والسودان ومصر بشأن سد النهضة، وكذلك الأنشطة العسكرية لبعض الجماعات المسلحة في الصومال، والصراع العرقي في إثيوبيا، وهي جميعها عوامل تضع المزيد من العراقيل أمام جهود إحلال السلام وتقريب وجهات النظر المختلفة. ولفت إلى أن نهج الصين يعتمد بالأساس على تعزيز التنمية باعتبارها مبدأ توافقياً بين جميع الأطراف، ونظراً لأن هذا النهج يتطلب تنفيذ العديد من المشاريع الإنمائية فإنه من السابق لأوانه الحكم عليه بالنجاح أو الفشل خلال مدة زمنية قصيرة، مشيراً إلى أنه حتى الآن حقق هذا النهج العديد من الفوائد لدول المنطقة، وفي حال إثبات نجاعته وقدرته على إحلال السلام سيكون نموذجاً يحتذى لإطلاق شراكة مع دول ومناطق أخرى.

قصور في النهج الصيني

في المقابل، رأى الأستاذ في جامعة تايبيه الوطنية (تايوان) لونغ يوان أن هناك الكثير من القصور في النهج الصيني بالتعامل مع النزاعات الإقليمية والدولية، موضحاً أن استراتيجية الصين في القرن الأفريقي تقوم على افتراض أن مشاريع التنمية جسر نحو بر الأمان والسلام وسط الأمواج المتلاطمة من النزاعات والخلافات، ولكن الحقيقة أن التنمية وحدها لا تحقق الاستقرار. ولفت إلى أن النهج الصيني يفتقر إلى المحتوى السياسي الذي هو أساس العملية السلمية، معتبراً أن التركيز على الجوانب التنموية يعكس طموحات بكين في القارة السوداء عبر تعزيز شراكاتها الاقتصادية بما يخدم مبادرة الحزام والطريق الصينية، لأنها (بكين) تحت ستار التنمية تستطيع أن تنسج علاقات مع جميع الأطراف. وأضاف أن هذا النهج نجح مع إيران والسعودية، ولكن يصعب تطبيقه في القرن الأفريقي نظراً لشراسة المعارك هناك والفجوة الكبيرة بين الأطراف المتحاربة.

وتابع: على الرغم من بعض الاختراقات التي حققتها الصين خلال السنوات الماضية، فإن هناك مخاوف لا تزال قائمة بشأن المصالح الاستراتيجية للدولة الشيوعية، خصوصاً أن نفوذها المتزايد في المنطقة قد يطغى مع مرور الوقت على جهود إحلال السلام والاستقرار. يشار إلى أن دور الصين بما هي صانعة للسلام في منطقة القرن الأفريقي، ظهر لأول مرة خلال الحرب في دارفور التي اندلعت عام 2003، حيث نجحت بكين بعد عدة زيارات من دبلوماسييها في إقناع الرئيس السوداني السابق عمر البشير، بقبول نشر قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في عام 2006. وفي وقت لاحق، ساهمت في عملية معقّدة أفضت إلى محادثات وجهاً لوجه بين الفصائل المتحاربة في جنوب السودان عام 2013.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here