“وادي الحيتان” بمصر.. كنز بيئي نهارا وجلسة للسمر ليلا

"وادي الحيتان" بمصر.. كنز بيئي نهارا وجلسة للسمر ليلا

أفريقيا برس – مصر. على بعد 150 كم عن العاصمة المصرية القاهرة وسط تلال ذهبية يقف زوار “وادي الحيتان” بمحافظة الفيوم (وسط) أحد أشهر بقاع الرحلات اليومية بمصر، على أعتاب مشهدين ممزوجين بالطبيعة الخلابة والتاريخ العتيق.

المشهدان بحسب ما تابعته عدسة الأناضول وتصريحات خبراء تراث وسياحة، أولهما نهار بين صخور متآكلة رسمتها تقلبات الطبيعة، بعضها مدفون بين الرمال وأخرى بمتحف تعود لملايين السنين وتكشف عن أسرار مناخية وبيئة نادرة، بجانب متعة التزلج على الرمال الذهبية.

أما المشهد الثاني فيكون ليلا، وتتجسد ملامحه وسط سماء صافية للغاية مليئة بالنجوم ذات الثياب الذهبية الجميلة التي تحتضن جلسات السمر والتخييم لا سيما في فصلي الخريف والربيع، ومحبي ودراسي الفلك.

كنز نادر

“وادي الحيتان ابني، أنا شيدت كل حجرة في هذا المكان، وعملت به 25 عاما”، يبدأ خبير التراث الطبيعي والمحميات محمد سامح، حديثه للأناضول عن هذا الموقع الذي يعتبره “كنزا نادرا ليس بمصر فقط ولكن بالعالم أيضا”.

يبوح سامح بأسرار المكان، ويعود للقرن الماضي مع اكتشاف العالم البريطاني بيد تل له في 1902، وكيف بدأ المكان يأخذ رونقه مع اكتشافات متوالية لحفريات على مدار سنوات.

تلك الحفريات هي “لحيتان تعود لعصور ما قبل التاريخ أي قبل عشرات الملايين من السنين، وتوضح تكيفها مع تغيرات المناخ من برمائية لكائنات بحرية، مقارنة بنظيرتها الأولى البرية في باكستان التي تعود إلى 60 مليون عام”، وفق خبير التراث والمحميات.

لذلك يمكن القول إن “وادي الحيتان يتمتع بأندر مجموعة من حفريات الحيتان في مكان واحد هي صحراء نحتتها عوامل التعرية وتغير المناخ بعد أن كانت بحرا بعمق 30 مترا حيث العثور على عدد كبير من الحيتان والكائنات البحرية التي كانت تعيش منذ 37.5 مليون عام بشكل متميز ومبهر”.

هكذا يضيف سامح، الذي كان سابقا مدير عام المنطقة المركزية للمحميات الطبيعية بالفيوم التي عملت على هذا الوادي، ومدير نقطة الاتصال الوطنية لمواقع التراث الطبيعي العالمي باليونسكو.

بخلاف ذلك، وفق ما يذكر خبير التراث الطبيعي، تتميز هذه الصحراء التي تحتضن وادي الحيتان، بألوانها التي تتموج على مدار اليوم وسط انعكاسات أشعة الشمس نهارا، مع سماء تعد من أعتم الأماكن ظلمة بالعالم ليلا.

وفي محيط المتحف المفتوح في وادي الحيتان الذي يضم 18 موقعا من عجائب الطبيعة في نحو 2 كليو متر، يظهر متحف حقيقي شيد عام 2016، ويضم أكثر من 195 حفرية، وفق سامح.

هذا المتحف، بحسب الخبير، يعد الوحيد على مستوى العالم الذي ربط تغير المناخ بالحفريات، وشيد لها متحفاً، وكلاهما استطاع أن يقدم للعالم هذا التحول التطوري الذي لم يرصد بهذا الوضوح في أي مكان آخر بالعالم سوى وادي الحيتان.

ودعا سامح الجميع لزيارة وادي الحيتان والاستمتاع بأجواء نهارا ونجومه ليلا، إذ تظهر تلك النجوم بشكل كبير وبديع وتجذب هواة الفلك والتخييم والسمر، مؤكدا أن المكان جدير بتكرار الزيارة له سنويا.

معلم تاريخي

الخبير السياحي والأثري سيد الشورة، يقول إن “هذه المنطقة رافد سياحي هام في الفيوم، وادي الحيتان يكمل صورة السياحة المبهرة بالمحافظة كمعلم بيئي تاريخي موجود من ملايين السنين بجانب السياحة التراثية الأثرية مثل قصر قارون أو محمية وادي الريان، أقرية تونس النموذجية”.

ويعتبر الشورة رحلة وادي الحيتان “تحمل قدرا كبيرا من المتعة، فبخلاف التعرف على الحفريات وزيارة المتحف، هناك سياحة السفاري والمخيمات والتزلج على الرمل في تلك الصحراء”.

ويلفت إلى أن الفيوم تشتهر بسياحة اليوم الواحد، لذا يمكن زيارة وادي الحيتان وباقي المزارات لا سيما مع وقت الخريف والخروج برحلة مبهجة.

موقع فريد

ذلك الجمال الذي ترسمه تصريحات الخبيرين في تراث الطبيعة والسياحة، التقطت عدسة الأناضول تفاصيله في الوادي الذي تجتمع فيه الجبال والرمال ومئات بقايا الحفريات المختلفة والأصداف وهياكل الكائنات البحرية.

هذا بخلاف معلومات تشير إلى أنه يعد بيئة طبيعية لعدد من النباتات البرية والحيوانات المهددة بالانقراض مثل ثعلب الفنك والغزال الأبيض والطيور المهاجرة مثل صقر شاهين وصقر الغزال.

تخطو الأقدام في محيط المتحف المفتوح تبهر الأعين بحفريات لحوت تعود لملايين السنين، وعمود فقري، وأخرى جماجم لنمر وهياكل عظيمة لفقاريات نادرة.

بعد مسافة قصيرة تقف لافتة تحمل اسم “متحف الحفريات وتغيرات المناخ” الذي يحتضن المزيد من هذه النماذج، وتفيض معروضاته في ربط الماضي العتيق بتغيرات المناخ.

ويُعرض داخل المتحف حوت “الباسيلو سورس أيزيس” وهو أضخم حوت حجري، ويظهر للمرة الأولى الأطراف الخلفية “الأرجل” للحوت والتي تشير إلى أنّ الحيتان كانت تعيش على اليابسة، وتطورت بمرور الزمن إلى كائنات تعيش في مياه البحار والمحيطات.

وتكشف معلومات أن هذا المكان كان جزءا من محيط احتوى على الكثير من الأحياء المائية وعرف ببحر “تيثي” قبل أن يتحول إلى صحراء وجبال، ومقصد يضم هياكل كاملة لحيتان كانت تعيش في تلك المنطقة قبل عشرات الملايين من السنين.

ذلك المقصد البيئي والسياحي صنف بالعام 2005 كمنطقة تراث عالمي، واختارته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” كأفضل مناطق التراث العالمي للهياكل العظمية للحيتان.

وفي نوفمبر/تشرين ثان 2018 أعلن الاتحاد الدولي لصون الطبيعة (منظمة بيئية دولية) ضم وادي الحيتان للقائمة الخضراء التي تعمل منذ إطلاقها عام 2014 على قياس مدى فعالية المناطق المحمية.

وبخلاف ليلها الساحر، تقف المنطقة فاتنة بنهارها تشير للصحراء التي تحتضن تكوينات صخرية كانت قاع محيط ضخم قبل ملايين السنين، ولا يزال يحمل كنزها الممتلئ بالحفريات أسرارا قد تبوح بها جهود علمية أخرى.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here