واشنطن تفشل في تدويل أمن البحر الأحمر

15
واشنطن تفشل في تدويل أمن البحر الأحمر
واشنطن تفشل في تدويل أمن البحر الأحمر

بشير البكر

أفريقيا برس – مصر. ليست المرة الأولى التي يؤدي فيها اليمن دوراً مهماً في مسألة أمن البحر الأحمر، وسبق له أن قام خلال حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 بإغلاق مضيق باب المندب، وسمح للقوات البحرية المصرية بالتمركز هناك.

وتشهد المنطقة منذ عدة أسابيع حالة اضطراب كبيرة في حركة السفن المتوجهة إلى إسرائيل وفي الملاحة الدولية، وهو ما ردت عليه الولايات المتحدة بتشكيل التحالف البحري الدولي لمنع هجمات الحوثيين، وتأمين طرق الملاحة الدولية في البحر الأحمر، ومضيق باب المندب، وخليج عدن.

وكان وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أعلن، في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي، من البحرين، عقب زيارة أيضاً إلى إسرائيل، عن إطلاق عملية “حارس الازدهار” الدولية، وهي مهمة أمنية متعددة الجنسيات تضم نحو 20 دولة.

كان من المفترض أن تشارك فيها بريطانيا وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج والبحرين وسيشيل وإسبانيا، وتكون تحت مظلة القوات البحرية المشتركة (سي إم إف) وقيادة فرقة العمل 153 التابعة لها، وستركز على الأمن في البحر الأحمر.

الممانعة الأوروبية لتدويل أمن البحر الأحمر

واللافت أنه بعد إعلان التحالف بعدة أيام، أعلنت عدة دول أوروبية، من بينها فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، رفضها الانضمام إليه، رغم أن بعضها يشارك في عمليات التصدي للهجمات الحوثية مثل فرنسا، الموجودة في المنطقة عن طريق القاعدة العسكرية الفرنسية في جيبوتي، والفرقاطة “لانغدوك” التي أسقطت طائرتين مسيّرتين قادمتين من اليمن.

وصرحت باريس رسمياً بأنها لن تنضم إلى التحالف. وقالت وزارة الدفاع الفرنسية إنها تدعم الجهود الرامية إلى تأمين أمن البحر الأحمر والمنطقة المحيطة به، وإنها تعمل في المنطقة، وتفضل أن تبقى سفنها تحت القيادة الفرنسية.

وعلى نفس المنوال، تعهدت إيطاليا بتعزيز وجودها العسكري في البحر الأحمر، وسترسل الفرقاطة “سان فرجينيو”، التي ستؤمن الحماية للسفن الإيطالية، وستستجيب للطلبات التي سيقدمها أصحاب السفن الإيطالية. وشددت على أن هذا يندرج في إطار وجودها الحالي، وليس في إطار عملية “حارس الازدهار”.

وكان رد الفعل الإسباني على تشكيل التحالف هو الأكثر حدة، وجاء في سياق سلسلة المواقف الصريحة التي اتخذتها حكومة مدريد ضد الحرب الإسرائيلية على غزة. وأعلنت إسبانيا أنها لن تشارك في أي عملية أمنية في البحر الأحمر، إلا إذا كانت تحت أي مظلة أوروبية أو أطلسية.

ورد رئيس الحكومة الإسبانية الاشتراكي بيدرو سانشيز على مكالمة الرئيس الأميركي جو بايدن بأنه “لا غنى عن إنشاء مهمة جديدة ومحددة مخصصة” لحماية حركة الملاحة البحرية التجارية في البحر الأحمر. وأكد أن هذه المهمة الخاصة يجب أن يكون لها “نطاق عملها، ووسائلها، وأهدافها الخاصة، التي تحددها الهيئات المختصة في الاتحاد الأوروبي”.

وعلى هذا، أعلنت مدريد أنها تعارض توسيع مهمة عملية “أتلانتا” الأوروبية التي تكافح القرصنة في خليج عدن منذ عام 2008. كما شددت على أن “طبيعة وأهداف مهمة أتلانتا لا علاقة لها بما نهدف إلى تحقيقه في البحر الأحمر”.

وحددت الحكومة الاسبانية أنها لن تشارك على نحو أحادي، وقالت إن مدريد قررت توخي “أقصى درجات الحذر”، ورأت نائبة رئيس مجلس الوزراء يولاندا دياز في سرعة الدول الغربية في التحرك لحماية التجارة البحرية الدولية “نفاقاً كبيراً”، مضيفة أن الأمر يتناقض مع عجزها عن حماية السكان المدنيين في غزة من القصف الإسرائيلي.

وسجل عدم مشاركة ثلاث دول أوروبية أول ضربة للتحالف، وإشارة إلى أنه بدأ بالتصدع قبل أن ينطلق. وبالتالي لن يواصل بنفس الزخم الذي كانت تخطط له الولايات المتحدة، وسيقتصر في نهاية المطاف على دولتين أساسيتين، هما أميركا وبريطانيا. الأسباب التي حالت دون نجاح مسعى واشنطن عديدة. السبب الأول، أن التحالف خلا من الدول المتشاطئة على البحر الأحمر، وكانت واشنطن تراهن على مشاركة كل من مصر والسعودية على نحو خاص، نظراً لما يمثله البلدان من ثقل في معادلة هذا الممر المائي الحيوي.

دوافع القاهرة والرياض

ومن بين دوافع كل من القاهرة والرياض لرفض المشاركة أنهما أرادا النأي بنفسيهما كي لا يتم تفسير المشاركة على أنها من أجل حماية أمن إسرائيل، وهذا شكل صدمة لواشنطن، التي عملت منذ بداية الحرب على غزة من أجل تأمين إسناد عربي لخطواتها.

ويبدو أن الاتصالات المصرية الإيرانية أدت دوراً مهماً في نأي مصر بنفسها عن التحالف، وكشفت أوساط دبلوماسية مصرية أن القاهرة تلقت تطمينات من طهران بأن إغلاق باب المندب لن يؤدي إلى التأثير على قناة السويس، بسبب ما يقوم به الحوثيون ضد السفن المتجهة إلى إسرائيل.

ولا تقتصر التطمينات على مصر وحدها، بل على كافة دول المنطقة، وتلك التي تعتمد في النقل على هذا الشريان المائي. وصار واضحاً أنه لا يوجد تهديد للملاحة الدولية بشكل عام، ولكن للسفن الإسرائيلية، أو المتجهة إلى إسرائيل أو القادمة منها فقط، ولكن الولايات المتحدة أثارت زوبعة كبيرة من دون مبرر.

والسبب الثاني الذي عرقل مهمة واشنطن في تشكيل قوة أمنية في البحر الأحمر هو هدف المهمة المنوطة الملقاة على عاتق التحالف، إذ اعتبرت الأغلبية العظمى من الدول أن ما ترمي إليه الولايات المتحدة هو تأمين أمن إسرائيل، وهذا ما وضع بعضها في موقف المحرج، أو الخائف من ردود الفعل العربية المتضامنة مع غزة. وهو ما ينطبق على فرنسا وإيطاليا.

والسبب الثالث هو الخلاف الصريح مع السياسة الأميركية تجاه الحرب على غزة، وهذا ما عبّر عنه موقف الحكومة الإسبانية، التي تتبنى قوى اليسار المشاركة فيها موقفاً داعماً بقوة لغزة ومعادٍ للمواقف الأميركية، وتطالب بوقف إطلاق النار شرطاً مسبقاً للمشاركة في أي موقف دولي.

تنبهت إسرائيل منذ حرب أكتوبر 1973 إلى أهمية هذا الممر المائي، ولم تتمكن من موقع قدم متقدم يقربها من باب المندب إلا في عام 1995، عندما شاركت إريتريا باحتلال جزر حنيش اليمنية في البحر الأحمر، وكان ذلك ثمرة علاقات بنتها مع الرئيس الإريتري أسياس أفورقي. لكن العلاقات مع إريتريا لم تمكن إسرائيل من تحقيق هدفها، بأن تصبح طرفاً أساسياً في معادلة الملاحة في البحر الأحمر، وكانت موانئ السودان نصب أعينها، عندما بدأت عملية التطبيع مع رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان.

بقي أمن البحر الأحمر عربياً، وتتحكم بشواطئه الأساسية كل من اليمن، السعودية، السودان، مصر، رغم وجود مينائي عصب ومصوع الإريتريين، وإسرائيل التي تحتفظ بميناء إيلات.

موانئ إريتريا وإسرائيل على البحر ليست بذات أهمية الموانئ العربية الاستراتيجية، بفعل التحكم العربي بباب المندب، وقناة السويس، وهما الممران الإجباريان للملاحة في البحر الأحمر، لذلك تأثر نشاط ميناء إيلات بنسبة 85 في المائة بسبب هجمات الحوثيين.

حركة التجارة في البحر الأحمر

وتشير التقديرات إلى أن بين 12 في المائة إلى 15 في المائة من التجارة العالمية تمر عبر البحر الأحمر، وهو ما يمثل 30 في المائة من حركة الحاويات العالمية.

كما يتم أيضاً شحن ما بين 7 في المائة إلى 10 في المائة من النفط العالمي، و8 في المائة من الغاز الطبيعي المسال، عبر نفس الممر المائي، وهذه النسبة الكبيرة ربما تكون لها تداعيات خطيرة على التجارة العالمية، التي تعاني من التوترات بين واشنطن وبكين، ومن العقوبات الغربية على روسيا.

وعلى أي حال، يؤدي تغيير مسار السفن من البحر الأحمر إلى رأس الرجاء الصالح في أفريقيا إلى تأخير يصل إلى أسبوعين للشحن، ويضيف أكثر من مليون دولار إلى تكاليف الرحلة الواحدة. وفي نهاية المطاف، قد يؤدي الوقت الإضافي والنفقات الإضافية إلى رفع أسعار الوقود، ويؤثر سلباً على توافر السلع في الدول الأوروبية.

وكانت تقديرات سابقة قد ذكرت أن حجم التجارة السنوية التي تمر عبر البحر الأحمر تصل إلى نحو تريليون دولار، بما في ذلك النفط والغاز والسلع الغذائية والسيارات، ولكنها لن تتأثر كاملة، حسب التطمينات الصادرة عن الحوثيين وإيران.

التطمينات لا تكفي من أجل استمرار حركة الملاحة الدولية، فهناك مخاوف فعلية لدى أصحاب السفن وشركات التأمين الدولية من حصول مواجهات مسلحة بسبب الحركة المكثفة للدوريات الأميركية والبريطانية، ونية إسرائيل التدخل، بما ينعكس سلباً على بقية السفن، التي صارت تفضل طريق رأس الرجاء الصالح.

وكانت تقارير صحافية إسرائيلية قد تحدثت عن تباين داخل حكومة الاحتلال حيال الرد الأنسب على هجمات الحوثيين، وبحسب تقرير نشرته صحيفة “هآرتس” في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، فقد رأى بعض المسؤولين في تل أبيب أنه يتوجب عدم غض الطرف والردّ على هذه الهجمات.

وهناك فريق آخر يرى ضرورة التعاطي مع الهجمات على أساس أنها تحدٍّ دولي، وأنه يتوجب على إسرائيل عدم التصدي وحدها له، فهذه الهجمات ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار على مستوى العالم، ما سيحفز المزيد من الدول على التدخل لوقفها.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here