أفريقيا برس – مصر. السودان يزود نحو 10 في المئة من استهلاك الأغنام لمصر، وعندما تكون طرق النقل مغلقة منها وغير آمنة سيكون لهذا تأثير مثلما في منظومة الأواني المستطرقة. يبدو أنها “قوة عليا” ليس لحكومة مصر أي سيطرة عليها، لكن عندما يتم فحص كل الأسباب، يظهر أن الحرب في السودان عامل واحد من بين عدة عوامل من السهل على الحكومة المصرية التمسك بها. من يربون الأغنام والأبقار في مصر يتهمون الحكومة بالإدارة الفاشلة لسوق الأغنام التي بدأت بأسعار الأعلاف والأدوية البيطرية والمنتجات الأخرى الضرورية لتربية الأبقار. معظمها مستورد ويتم شراؤه بالدولار. يجب على الحكومة أن توفر الدولارات للمستوردين، وعندما يتم تجميد هذه المخصصات فلا إمكانية لإنزال الشحنات من السفن التي تنتظر في ميناء بور سعيد، أو إخراجها من الجمارك. هكذا تتراكم نفقات التخزين وتضاف إلى دين مصر العام، الذي يبلغ 169 مليار دولار. في بعض الحالات، هناك بضائع في مخازن الجمارك منذ كانون الأول، وفي هذا الأسبوع أعلنت الحكومة عن نية تخصيص الدولارات لتحرير هذه البضائع بمبلغ 23 مليار دولار، وهو جزء من البضائع التي تنتظر التسويق.
أزمة فرع اللحوم ليست سوى الظاهرة الأخيرة للأزمة الاقتصادية في مصر والتي تؤثر في كل مجالات الحياة. في الأسبوع الماضي مثلاً، طرح في البرلمان استجواب هامشي كما يبدو. عضو البرلمان الذي طرحه طلب معرفة ما حدث للاستطلاع الذي أجرته وزارة التعليم، الذي كان يجب أن ينفذ في موضوع تشغيل خريجي الجامعات المتفوقين، والذين حصلوا على اللقب الثاني والثالث. حسب قرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فإن على الحكومة أن تشغل سنوياً عشرين خريجاً متميزاً في كل جامعة، والحاصلين على الألقاب المتقدمة. ولكن قرار لم ينفذ منذ 2014.
حسب أقوال عضو البرلمان، فإن عدم تنفيذ القرار يشجع هروب الأدمغة ويثقل على عبء البطالة بالتحديد في أوساط الشباب المثقفين الذين يمكنهم المساهمة في الأجهزة الحكومية. أعلنت وزارة التعليم أنها ستبحث في هذه القضية من أول العثور على خريجين تنطبق عليهم هذه الشروط، وتنسيق تشغيلهم، لكن لم يخرج إلى حيز التنفيذ شيء من ذلك. مشكوك فيه أيضاً إذا كان الاستجواب في البرلمان سيساعد هؤلاء الخريجين في العثور على تشغيل حكومي مناسب لدراستهم.
لا تقتصر المشكلة في العثور على الخريجين، بل في دمجهم في أجهزة الحكومة التي تكاد تنفجر من القوة العاملة الزائدة. لأن الأمر يتعلق بشكل عام بخريجي كليات العلوم الإنسانية والمجتمع، وليس بأصحاب التعليم التكنولوجي المتقدم الذين قد يجدون لأنفسهم عملاً في الشركات الخاصة.
في الوقت نفسه، القطاع الخاص نفسه يواجه صعوبات كبيرة في التطور واستيعاب عشرات آلاف المهنيين. فهو مضطر للتنافس مع الشركات الحكومية، خصوصاً الشركات التي يمتلكها الجيش والتي تفوز بمعظم المناقصات، وبالتالي تعيق توسيع نشاطات القطاع الخاص. يصعب إحصاء المرات التي وعد فيها السيسي خصخصة الشركات العسكرية التي تسيطر على نحو نصف السوق الخاصة، رغم تعهده لصندوق النقد الدولي بأن يتم تخصيص جزء من هذه الشركات للبيع في السوق العامة. في كل مرة تصطدم هذه المبادرة بمعارضة شديدة من قبل الجيش، الذي لا يخضع للانتقاد العام والذي هو غير مستعد للتنازل عن مصدر الدخل هذا.
في الأسبوع الماضي، عرض رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، مرة أخرى خطة لخصخصة شركات مدنية بملكية الجيش، وهي خطوة إذا تم تطبيقها قد تدخل لخزينة الدولة نحو 2 مليار دولار. مصر لا تتطوع لتنفيذ هذه الخطوة، وهذا يطلب منها كجزء من الشروط التي يفرضها عليها صندوق النقد الدولي مقابل الحصول على قرض بمبلغ 3 مليارات دولار لمدة 46 شهراً.
ولكن ممثل الصندوق في الشرق الأوسط جهاد الزعور، حذر في هذا الأسبوع أنه يجب على مصر إعادة النظر في المشاريع بعيدة المدى التي تنوي تنفيذها، بسبب نقص في العملة الأجنبية والانخفاض 16.5 في المئة في مبلغ الاحتياطي للعملة الأجنبية فيها، 34 مليار دولار في نهاية كانون الثاني، بعد أن حصلت مصر على ضخ ودائع كبيرة من الإمارات.
ويعبر الزعور بأقواله عن ما يحذر منه أيضاً رجال اقتصاد ومواطنون في مصر منذ فترة طويلة. المشاريع الضخمة التي تبنيها مصر مثل العاصمة الإدارية الجديدة بمليارات الدولارات وتوسيع خطوط الميترو التي تحتاج إلى قروض بالعملة الأجنبية، تخلق فجوة عميقة في الميزانية يصعب تغطيتها، خاصة إزاء انكماش الاستثمارات الأجنبية وهرب نحو 20 مليار دولار من الدولة في السنتين الأخيرتين.
مصر التي تلتزم أيضاً ببرنامج تقليص النفقات، تعرض الانتقال إلى التوقيت الصيفي في نيسان كخطوة مهمة في هذا الاتجاه. بصورة تثير الاستغراب، ألغي التوقيت الصيفي في 2014، وعاد إلى العمل في 2015 ثم ألغي مرة أخرى في 2016. في هذه السنة، قررت الحكومة استئناف العمل بالتوقيت الصيفي في نهاية نيسان. يبدو أنها خطوة مفهومة ضمناً في دولة مليئة بالشمس في معظم أيام السنة. ولكن بسبب هذا المورد الطبيعي، يبدو أن التوفير منه سيكون 2 في المئة من إجمالي استهلاك الكهرباء. يجب عدم الاستخفاف أيضاً بهذا التوفير في دولة يعيش فيها 110 ملايين نسمة تقريباً. ولكن مشكوك فيه أن يكون ذا تأثير حقيقي على عجز الميزانية الذي يتوقع أن يبلغ هذه السنة أكثر من 6 في المئة من الناتج الخام.
قبل بضعة أيام من تحذير مندوب صندوق النقد الدولي، عرفت مصر أن شركة تصنيف الائتمان “ستاندرد آند بورز” خفضت التصنيف الائتماني لثلاثة بنوك في مصر، من مستقر إلى سلبي. يأتي هذا استمراراً للتنبؤ العام حول مصر الذي أصدرته الشركة في نيسان، والذي وضع فيه أيضاً تنبؤ سلبي للسوق المصرية. التنبؤ الأكثر إقلاقاً يتعلق بسعر الجنيه المصري المتوقع أن يصل حتى نهاية 2023 إلى 45 – 50 جنيهاً للدولار، مقابل 31 جنيهاً للدولار الآن (37 جنيهاً في السوق السوداء). خفض سعر الجنيه جزء من طلبات صندوق النقد الدولي، التي كان يجب على مصر تطبيقها في نهاية السنة الماضية بعد أن خفضت سعر الجنيه بشكل كبير ثلاث مرات في السنتين الأخيرتين.
حاولت مصر إقناع صندوق النقد بتليين موقفه والسماح بخفض متدرج أكثر ولفترة أطول. ولكن يبدو أن جهود الإقناع لم تنجح، والتوقع هو مجيء تخفيض آخر في هذا الشهر أو على الأكثر في حزيران.
إن خفضاً آخر لسعر الجنيه معناه قفزة حادة أخرى في الأسعار، والإضرار بالطبقات الفقيرة في الدولة. التداعيات السياسية التي ستعقب هذه الخطوة يصعب التنبؤ بها. ولكن في مصر أصبحوا يتحدثون منذ زمن عن أن الشعب قد وصل إلى نقطة لم يعد لديه فيها ما يخسره. وإلى حين حدوث ذلك، ما زال النظام المصري يحاول إخفاء ووقف أي انتقاد عام في وسائل الإعلام، لا سيما في الشبكات الاجتماعية. الصحافيون الذين ينشرون بيانات مسبقة يتم استدعاؤهم للتحقيق، وحتى اعتقالهم. مواقع تغلق وأصحاب حسابات في تويتر والفيسبوك يحصلون على تهديدات بواسطة مكالمات هاتفية.
المصدر: هآرتس
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس