محمد عزام
أفريقيا برس – مصر. دقت ساعة الاصطفاف في مصر، فلا صوت يعلو فوق صوت “الوقوف خلف القيادة السياسية لمواجهة التحديات التي تواجهها الدولة المصرية في الوقت الراهن، والتي تستوجب رؤية واحدة وموحدة”، كما يقول مصطفى بكري، الصحافي الموالي للنظام، قاصداً ما أثير بشأن تهجير أهل غزة، الذي يرفضه المصريون بمختلف انتماءاتهم ومآربهم وبعضهم موقفه مبدأي ينطلق من الخوف على القضية الفلسطينية، بينما آخرون يخشون على النظام من تداعيات كتلة ديموغرافية يصعب التحكم فيها، إلا أن الكل سواء من أسرّ القول أو جهر به، يجمعون على استنكار الفكرة ولو كانوا يقدحون من رؤوسهم أو بحسب توجيه من يديرهم، ما يجعل من دعوات الاصطفاف التي انتشرت في الوسائط الإعلامية التي تسيطر عليها الدولة وعلى لسان الناطقين غير الرسميين من إعلاميين وناشطين، شكلية وفارغة المضمون أو عديمة التأثير على المجال العام المغلق بـ”الضبة” (قفل) والمفتاح كما يقول المصريون، منذ عام 2013.
ما يؤكد الفكرة السابقة، تعامل النظام مع تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب عبر حشد شعبي مدار عن بعد، يقوده عدد ممن يمثلون على الشعب ولا يمثلونه، ضمن أدوار معدة سلفاً يجري تقاسمها، فيصبح الرجل موالاة ويمسي معارضة، بحثاً عن نصيبه من “الكعكة الوطنية” ليصمت أو يتحدث وفق ما يراد له وليس بإرادته الحرة، وهو ما يتفق مع حرفية المعنى اللغوي لكلمة “اصطفاف” التي تعني الترتيب أو التنظيم في صفوف أو خطوط، أو بحسب المعنى المصري الفعلي لها، هو أن تقف في الصف منتبهاً منضبطاً وتسمع كلام القيادة دون نقاش، وهذا هو المطلوب حرفياً من تلك التحركات، التي ينطبق عليها وصف للشاعر الكبير أمل دنقل، ضمن قصيدته “تعليق على ما حدث” بأن “الطوابير التي تمر.. في استعراض عيد الفطر والجلاء.. فتهتف النساء في النوافذ انبهاراً.. لا تصنع انتصاراً”، والسبب ببساطة أنها بلا إمكانية للتفكير الحر الإبداعي، عليها تنفيذ ما طُلب منها، دون زيادة أو نقصان، ومن ثم تمضي في حال سبيلها لتعود إلى خمولها، على عكس ما لدى العدو الذي يستفيد من إمكانيات وقدرات مختلف فئات مجتمعه، بينما يعيش العديد من المصريين على هامش السياسة والاقتصاد وصناعة القرار، وأضف ما شئت مما تلمسه وتعيشه ويدركه قبلك من كان يفترض أن تصله تلك الرسالة الصورية التي أرى تأثيرها عكسياً طالما ليست حرة وحقيقية، وربما في جوهرها موجهة للداخل معذرة إليهم وتجسيداً لمقولة “عملنا ما علينا وليس في الإمكان أكثر مما كان”.
تاريخياً بدأ مفهوم الاصطفاف مع دولة يوليو منذ تأسيسها، وفي كل مرة يجري تسليط الضوء عليه كلما تستدعي السلطة الشعب في مواجهة مع عدو داخلي، كما جرى في الخمسينيات ضد التنظيمات السياسية المعارضة مثل الإخوان المسلمين والشيوعيين، أو خارجي في الحروب المختلفة مثل حرب 56 وحرب اليمن وفي مواجهة دولة الاحتلال، وما إن تنتهي الحاجة إلى الشعب حتى ينتهي معها التركيز على فعل الاصطفاف الذي هو بطبيعته مؤقت تتوقف الحاجة إليه بنهاية أسبابه، وتنتفي الحاجة إلى الفاعلين فيه مع زوال الخطر، وحتى اليوم لم يتغير المخيال السياسي المصري منذ الستينيات، إذ ما يزال النظام يرى أن الاصطفاف حق أساسي له من دون أي التزامات، ولا بد أن يكون خلف القيادة بشخوصها من دون مواربة، على طريقة المعارض الذي قتل تحت التعذيب وهو يصرخ باسم الزعيم تقديراً وإيماناً بدوره القومي، أو كما يقول المثل الشعبي بتصرف، “في الفرح منسي وفي الاصطفاف مدعي”، لذا في كل مرة يجري الحديث عن الاصطفاف بلا بناء لتأسيس حالة تنقل الشعب إلى دوائر صنع القرار، وتفعل إمكانياته ومشاركته في السلطة والثروة، بما يعود على الدولة بالانتقال إلى حالة ديمقراطية حقيقية تغير الوضع إلى الأفضل، ومن هنا لم يتوقف التراجع إلى الخلف من يومها إلى لحظتنا هذه.
أي أن معادلة السلطة المصرية مغلقة، لا يوجد فيها شريك حقيقي، بعدما جرى التحكم في المجال العام بالكامل، فالنظام عملياً مصطف مع نفسه فقط ومن يحققون مصالحه، وبالتالي فالسؤال مع من ستصطف السلطة؟ ما فائدة إعلان معارض هنا أو هناك عن اصطفافه وراء القيادة؟ وما هو محتوى هذا الاصطفاف؟ وما هي حدوده؟ هل حول القضية الفلسطينية فقط أم يتطور باتجاه الوضع الداخلي؟ وما هو تأثير المعارض سواء اصطف أم لا؟ هل يعرف مثلاً طبيعة خطة السلطة في مواجهة محاولات إنهاء القضية الفلسطينية؟ هل يمكنه تقييمها والتأثير عليها بالحذف أو الإضافة؟
الإجابة لا شيء، فالاصطفاف لا يكون إلا وفق قواعد أساسية أهمها تساوي المصطفين في الحقوق والواجبات، واحترام بديهيات كالحريات، وعلى رأسها إمكانية التعبير عن الرأي دون خوف وهو ما لا يتوفر حالياً، وإلا كانت المظاهرات التي خرجت في مواجهة أفكار التهجير قد شملت مختلف فئات المصريين، وعلى رأسهم المعارضة الحقيقية التي يشكل خروجها في لحظة مثل هذه تجسيداً لمعنى كلمة الاصطفاف الحقيقي بخلق حالة تلاحم وطني خلف الدولة تعيد لمن أقصاه النظام خلال الأعوام الماضية إيمانه بها، ليستفيد الجميع من اللحظة الراهنة، وعلى رأسهم النظام الذي سيجدد شرعيته ومشروعيته عبر القضية الفلسطينية، داخلياً وخارجياً.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس