التبرع بالأعضاء في مصر قضية لم تحسم بعد

14
التبرع بالأعضاء في مصر قضية لم تحسم بعد
التبرع بالأعضاء في مصر قضية لم تحسم بعد

أحمد عبد الحكيم، إبراهيم عبد المجيد

أفريقيا برس – مصر. بين الحين والآخر يهيمن على الشارع المصري ذلك النقاش القديم المتجدد حول التبرع بالأعضاء بعد الوفاة وأحقية الشخص في التصرف بجسده، وسط موجات جدل متشعبة حول حكم الدين والشرع في القضية، وذلك رغم إقرار الدولة المصرية قانوناً عام 2010 يسمح بنقل وزراعة الأعضاء من خلال التبرع، وتأكيد كثير من الأطباء أهميته في إنقاذ حياة كثيرين.

وفي حين كان الأمر مطروحاً في مصر منذ سبعينيات القرن الماضي، احتلت القضية ولا تزال مساحة كبيرة من اهتمامات النخبة ورواد مواقع التواصل الاجتماعي وناشطيه، في وقت اتخذت أبعاداً جديدة من بينها تحرك الدولة، وفق ما أعلن محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية، باتجاه دراسة إضافة اختيار التبرع بالأعضاء في بطاقة الرقم القومي على غرار ما هو معمول به في كثير من بلدان العالم، فضلاً عن توجه من يؤيدون الفكرة إلى جهات التوثيق الرسمية لتسجيل رغبتهم في إتمام الأمر بعد الوفاة.

وعلى مدار عقود مضت رافق طرح القضية في مصر خلاف بين المؤسسات الرسمية التي أباحت التبرع أو النقل بضوابط، وبعض علماء الدين الذين رفضوه واعتبروه مخالفة وتعدياً على خلق الله، وبين هذا وذاك، شهد المزاج الشعبي صعوداً وهبوطاً حول تقبل الفكرة، وبقيت في النهاية حالات التبرع محدودة للغاية، لا سيما مع عدم تقبل كثيرين السماح بنقل أعضاء ذويهم المتوفين.

عودة الجدل

إبان عودة الفنانة الشهيرة إلهام شاهين إعلان رغبتها مجدداً في التبرع بأعضائها السليمة بعد وفاتها، مؤكدة أنها وثقت ذلك رسمياً في الشهر العقاري وأبلغت أشقاءها به، عاد الجدل مجدداً حول قضية التبرع بالأعضاء البشرية بعد الوفاة إلى الساحة المصرية.

وعبر فيديو نشرته على صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي، قالت إلهام شاهين إنه “من خلال التبرع سيستفيد ناس كثر، الجسد بعد الوفاة سيفنى ويكون مصيره التراب، بعد التبرع سنكون أكثر إنسانية، ونخفف من آلام كثيرين ونحميهم من الحياة التعيسة، لا بد أن يكون لدينا هذا الوعي الإنساني”، معلنة في المقطع ذاته تبرعها “بكل أعضاء جسدي السليمة بعد وفاتي لمن يحتاج إليها، أي إنسان محتاج قلب، كلية، رئة، قرنية، كبد، أنت ممكن لما تتبرع تفيد ناس كتير مش شخص واحد بس”.

ومع عودة القضية لتتصدر اهتمامات الرأي العام، زاد من جدليتها ظهور بعض الأشخاص الذين أعلنوا بالفعل توثيق تبرعهم بأعضائهم في الشهر العقاري، ليزداد الجدل في هذا الاتجاه بعد أن كانت الكاتبة الصحافية وعضو مجلس النواب المصري فريدة الشوباشي قد أعلنت تبرعها بكل أعضائها بعد الموت قائلة “أوصيت ابني الوحيد بأن يتبرع بكل أعضائي بعد وفاتي”.

وكانت دينا رضا أول سيدة مصرية تحرر إقراراً موثقاً في الشهر العقاري بموافقتها على التبرع بأعضائها لدى وفاتها لمن تثبت حاجته الطبية الماسة لها، وذلك بعد المواطن المصري يوسف رضا حنا، الذي سبقها في الخطوة.

ونص إقرار دينا على سماحها بالتبرع “بعد التثبت من وفاتها ثبوتاً يقينياً تستحيل بعده العودة إلى الحياة، بأي عضو من أعضاء جسدها مثل الكبد والكلى والقلب أو الأنسجة بأنواعها أو العظام وأي عضو آخر يمكن نقله وفقاً للتقدم العلمي، للاستفادة منه في جسم أي شخص آخر للمحافظة على حياته ولعلاجه من أي مرض جسيم، وذلك على سبيل التبرع من دون مقابل”.

وثقت دينا الإقرار قبل أربع سنوات، وخلال تلك المدة سعت لنشر فكرته وتعريف الرأي العام به، إلى أن حظي باهتمام الإعلام خلال الأيام الماضية وهو ما لا تجد له أسباباً سوى مثابرتها في نشر الوعي بأهمية التبرع بالأعضاء. وقالت إنها قوبلت بكثير من العقبات لتحرير الإقرار الموثق، حيث رفض موظفو نحو ستة مكاتب شهر عقاري تحرير الإقرار بذريعة أنهم لم يسمعوا بمثل ذلك الطلب من قبل، وسخر بعض الموظفين من طلبها لكنها أصرت على موقفها حتى تحقق لها ما أرادت، مؤكدة أنه يتوافق مع القانون.

ثقافة التبرع

ترى دينا أن الوعي هو العقبة الأساسية أمام نشر ثقافة التبرع بالأعضاء، لأن كثيرين ما زالوا يرونه حراماً شرعاً على الرغم من حسم المسألة منذ سنوات من جانب دار الإفتاء ومجمع البحوث الإسلامية، مستندين لفتاوى بعض الشيوخ مثل محمد متولي الشعراوي.

وللشعراوي، وزير الأوقاف المصري الأسبق، فتوى شهيرة تحرم التبرع بالأعضاء باعتبارها “ملكاً لله وليس البشر”، ودائماً ما تبرز إلى الواجهة عند إثارة القضية.

وطالبت دينا بعدم استضافة الإعلام الأصوات الدينية التي تعارض الرأي الرسمي الذي حسم مسألة التبرع بالأعضاء لصالح إباحتها شرعاً، مضيفة أنه لا يصح إثارة بلبلة في الإعلام الذي يتابعه المواطنون من جانب تلك الأصوات، كما نادت بتركيز الدراما والإعلام على زيادة الوعي بقضية التبرع بالأعضاء لما لها من دور كبير في إنقاذ حياة كثيرين.

وأشارت إلى أن 16 شخصاً آخرين حرروا إقرارات مماثلة في الشهر العقاري بحسب علمها، وقد يكون هناك آخرون لا تعرفهم، مطالبة بتوجيه الموظفين بتسهيل تحرير الإقرارات وفق القانون، ودعت كل من يحرر إقرار التبرع بالأعضاء للإعلان عن نفسه سعياً لنشر الوعي، موضحة أن تلك الإقرارات تسلم إلى لجنة نقل وزراعة الأعضاء في المجالس الطبية المتخصصة التابعة لوزارة الصحة.

قانونية القضية

وعلى الرغم من تجدد الجدل المستمر حول قضية التبرع بالأعضاء في مصر بعد الوفاة، فإن المسألة محسومة قانونياً منذ عام 2010، إذ أجازت الدولة في قانونها رقم خمسة الأمر لكنه لم يطبق بعد.

ونص القانون على أنه “لا يجوز نقل أي عضو أو جزء من عضو أو نسيج من جسم إنسان حي إلى جسم إنسان آخر إلا إذا كان ذلك على سبيل التبرع في ما بين الأقارب من المصريين حتى الدرجة الرابعة”، مشددة على أنه في جميع الأحوال يجب أن يكون التبرع صادراً عن إرادة حرة خالية من عيوب الرضا وثابتاً بالكتابة”.

وحددت اللائحة التنفيذية الخاصة بقانون نقل الأعضاء شروطاً للتبرع، من بينها أن يكون هناك موافقة كتابية للمتبرع، وألا يكون المستفيد من خارج نطاق الأسرة، ولا يجوز التبرع من طفل، كما تم تحديد مستشفيات معينة بمواصفات ومقاييس معينة لنقل الأعضاء من دون غيرها، ولا بد أن يكون للمتوفى وصية مكتوبة بالموافقة لنقل عضو من أعضائه بعد الوفاة.

ونصت المادة 17 من القانون ذاته على أنه “يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه (نحو ألف دولار أميركي) ولا تزيد على 100 ألف جنيه (نحو خمسة آلاف دولار أميركي) كل من نقل عضواً بشرياً أو جزءاً منه بقصد الزرع، بالمخالفة لأي من أحكام المواد 2، 3، 4، 5، 7 من هذا القانون، وإذا وقع هذا الفعل على نسيج بشري حي تكون العقوبة السجن لمدة لا تزيد على سبع سنوات، وإذا ترتب على الفعل المشار إليه وفاة المتبرع تكون العقوبة السجن المشدد وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه (نحو خمسة آلاف دولار) ولا تجاوز 200 ألف جنيه (نحو 10 آلاف دولار).

كذلك تحدثت المادة 61 من الدستور المصري الحالي عن كيفية التبرع بالأنسجة والأعضاء، ونصت على أن “التبرع بالأنسجة والأعضاء هبة للحياة، ولكل إنسان الحق في التبرع بأعضاء جسده”. وبحسب قانونيين فإن المادة 61 من الدستور تلزم الدولة “بإنشاء آلية لتنظيم قواعد التبرع بالأعضاء وزراعتها وفقاً للقانون”، كما أنه وفقاً لنص القانون خمسة لسنة 2010، فإن التبرع يجب أن يكون صادراً عن إرادة حرة خالية من عيوب الرضا ومثبتاً بالكتابة”.

“توجه رسمي داعم”

وكان لافتاً، وسط زخم القضية في الأوساط المصرية، إصدار المؤسسات الرسمية من الدولة بعضاً من الإشارات التي أوحت لكثيرين بدعمها الخطوة، من بينها إعلان محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية، إنه يتم حالياً دراسة إضافة اختيار التبرع بالأعضاء في بطاقة الرقم القومي على غرار ما هو معمول به في كثير من بلاد العالم.

وقال تاج الدين، بحسب التصريحات التي نقلتها عنه وسائل إعلام محلية، إن “المتبرع يستطيع أن يتراجع عن رغبته في أي وقت وكذلك أسرته التي يمكن أن ترفض بعد وفاة الابن تنفيذ رغبته في التبرع بأعضائه، ووقتها سيتم الاستجابة لرغبتهم وطلبهم من دون أدنى مشكلة”، مؤكداً أنها لن تكون إجبارية حتى لو تم تدوين الرغبة قبل الوفاة.

وأوضح أن هناك حاجة لعمليات زرع للكبد والكلى وفي المستقبل القريب ستكون هناك طلبات أخرى لزراعة الرئة ما يحتاج لوجود كثير من هذه الأعضاء، والوسيلة الوحيدة المتاحة حالياً لزرع الأعضاء هي نقل عضو من إنسان حي لآخر حي ولم نصل بعد لنقل الأعضاء من المتوفين للأحياء.

من جانبه، وجه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في الـ26 من سبتمبر (أيلول) بإنشاء أكبر مركز إقليمي لزراعة الأعضاء في مصر والشرق الأوسط وأفريقيا داخل المدينة الطبية الجديدة التي تقوم الحكومة بتنفيذها ضمن مشروع تطوير “معهد ناصر”، وهي الخطوة التي رحب بها أستاذ جراحة القلب خالد سمير، ووصفها بالجيدة، لكنه أكد أنها يجب أن تتبعها خطوات أكبر في توفير عديد من مراكز التبرع وزراعة الأعضاء في مختلف أقاليم مصر.

ووفق تصريحات للمتحدث باسم وزارة الصحة المصرية، حسام عبدالغفار، تلت إعلان الرئيس إنشاء مركز مصري لزراعة الأعضاء، فإن المركز سيكون متصلاً بشبكة كبيرة من المتبرعين والمرضى وفقاً للمعايير العالمية.

جدلية الشرع

في الأثناء وكحال أغلب القضايا، يدخل علماء الدين على الخط وسط انقسام في الرأي بين مؤيدين ومعارضين، وذلك على الرغم من أن الحكم الشرعي للتبرع بالأعضاء حسمه مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي منذ نحو 35 عاماً، وتحديداً خلال اجتماعه في عمان عام 1986، حيث أقر بجواز التبرع بأعضاء الجسد للأقارب وغيرهم.

وقبل فتوى مجمع الفقه الإسلامي، أصدر شيخ الأزهر ومفتي مصر الأسبق، الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، أطلق أول فتوى رسمية في هذا الشأن في ديسمبر (كانون الأول) 1979، قال فيها إنه يجوز نقل عضو أو جزء عضو من إنسان حي متبرع لوضعه في جسم إنسان، مؤكداً أن الإنسان لديه ولاية من الخالق على أعضائه، ويمكن للولي التصرف لإنقاذ حياة شخص آخر. وذكر كذلك أنه يجوز أيضاً قطع العضو أو جزئه من الميت إذا أوصى بذلك قبل وفاته، أو بموافقة عصبته، إذا كانت شخصيته وأسرته معروفة، وإلا فبإذن النيابة العامة.

وفي مصر كذلك أكد مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الموقف نفسه عام 2009، وهو ما مهد لصدور قانون نقل وزراعة الأعضاء في العام التالي، حيث أصدر المجمع بياناً ينص على أن “تبرع الإنسان البالغ العاقل المختار غير المكره بجزء من جسده جائز شرعاً بين الأقارب وغيرهم ما دام التبرع يقول بنفعه الأطباء الثقات على أساس قاعدة الإيثار وبشروط منها ألا يكون العضو المتبرع به أساسياً لحياة صاحبه، وألا يكون حاملاً للصفات الوراثية ولا من العورات المغلظة، وألا توجد وسيلة أخرى تغني عن نقل الأعضاء”.

وقرر بيان المجمع أن الشخص يعتبر ميتاً بإحدى علامتين، هما “توقف القلب والتنفس توقفاً تاماً وحكم الأطباء أن هذا التوقف لا رجعة فيه، وإذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً وحكم الأطباء أن هذا التعطل لا رجعة فيه وأخذ دماغه في التحلل”.

ومع عودة الجدل الشرعي حول القضية، خرج أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية ليعيد التأكيد أن التبرع بالأعضاء بعد الوفاة يعد من الصدقات، معتبراً في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية أنها تأتي من باب الصدقة الجارية، وعودة النفع على الغير، لافتاً إلى أن ذلك يكون بشروط حددتها الإفتاء والقانون.

وبحسب عمران، فإن شروط التبرع بالأعضاء بعد الوفاة تتمثل في ضرورة التأكد من موت الشخص موتاً حقيقياً وليس إكلينيكياً، وأن يكون التبرع من خلال وصية مؤكدة ويشهد عليها طبيب، وأن يبتعد العضو المتبرع به عن شبهة خلط الأنساب (يمنع التبرع بالأعضاء التناسلية)، مشيراً إلى أن التبرع يكون به ثواب جار للمتوفى.

غير أن الرافضين يستندون إلى رأي سابق لوزير الأوقاف الراحل والداعية الشهير محمد متولي الشعراوي، حين قال إن أعضاء الإنسان ليست ملكه حتى يتصرف فيها، وهي أمانة عليه إيصالها لخالقها كما هي. وهاجم الشعراوي الذين “يخلعون عيناً ليضعوها في إنسان، ويخلعون كلية ليضعوها في إنسان، ويخلعون طرفاً ليضعوه في إنسان، متبرعين بها من دون مقابل”، قائلاً “بعدم جواز التبرع ولا الشراء لأن التبرع بالشيء فرع الملكية له، وبيع الشيء فرع الملكية له، وما دمت لا تملك ذاتك ولا أبعاضك فلا يصح أن تتصرف فيها لا بالتبرع ولا بالبيع”.

ومن بين أبرز المشايخ الحاليين الذين تبنوا هذا الاتجاه أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، الذي شدد على عدم جواز التبرع بالأعضاء البشرية من أحياء إلى الأحياء أو من موتى إلى أحياء، مؤكداً أنه “ممنوع وحرام ومخالف للشريعة الإسلامية”، استناداً إلى أن “الإنسان لا يملك جسده ولا يملك التصرف فيه، وعقود التبرع بالأعضاء باطلة لأن جسد الإنسان ملك لله وحده”. وهو الموقف ذاته الذي تبناه أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر عبدالمنعم فؤاد الذي أكد في تصريحات تلفزيونية عدم جواز نقل الأعضاء لأنها “ملك للخالق وليست ملكاً للإنسان”، في تصديق على رأي الشيخ الشعراوي.

غياب الفاعلية

وعلى الرغم من كل هذا الجدل القديم المتجدد في مصر في شأن قضية التبرع بالأعضاء، فإن حالات التبرع في الدولة العربية الأكثر تعداداً للسكان بأكثر من 100 مليون نسمة تبقيها بين أقل الدول التي تشهد رواجاً للفكرة. في وقت تحتل البلاد مكاناً متقدماً في عدد الوفيات بسبب حوادث الطرق التي تعد مصدراً مهماً للتبرع بالأعضاء حول العالم، إذ سجلت الإحصاءات الرسمية نحو 12 ألف حالة وفاة في حوادث الطرق عام 2019.

ويقول أستاذ جراحة القلب بجامعة عين شمس وعضو مجلس نقابة الأطباء سابقاً خالد سمير، إنه على الرغم من وجود قوانين تنظم عملية التبرع بالأعضاء في مصر، فإن هناك غياباً لمثل هذه الثقافة “نظراً إلى اعتقادات عن قدسية جسد المتوفى متوارثة منذ العهد الفرعوني، ولا يختلف فيها المسلم عن المسيحي، بالتالي يرفض أي مساس بالجسد وأعضائه بعد الوفاة، على الرغم من أن المؤسسات الفقهية الإسلامية حسمت الجدل لصالح إباحة التبرع بالأعضاء، وخطت دول إسلامية كثيرة خطوات كبيرة في نقل الأعضاء، لكن مصر ما زالت متخلفة عن الركب بسبب أزمة الوعي لدى المصريين، وكذلك ما يسميه غياب الإرادة السياسية في تفعيل قانون نقل وزراعة الأعضاء، حيث إن البنية التحتية الطبية اللازمة لحفظ أعضاء الموتى غير كافية، بخاصة أن بعض الأعضاء تحتاج إلى الحفظ في درجات حرارة تصل إلى سالب 70.

وبحسب سمير، فإن أعضاء متوفى واحد قد تفيد 58 شخصاً على قيد الحياة من خلال 58 جزءاً في الجسد يمكن نقلها ما بين أعضاء وأنسجة وعظام وغيرها، مشيراً إلى أن التوسع في زراعة ونقل الأعضاء يوفر كثيراً من تكلفة الرعاية الطبية على الدولة، فعلى سبيل المثال مرض الفشل الكلوي لم يعد علاجه الغسيل الكلوي في معظم بلدان العالم إلا في مراحله الأولى، ويتم زراعة الكلى كعلاج حاسم للمرض، لكن مصر بعيدة عن تلك الممارسات العالمية.

وبحسب عضو مجلس نقابة الأطباء سابقاً، فإن هناك نحو 600 ألف شخص يموتون في مصر سنوياً، قد يكون تبرع 20 في المئة منهم فقط بأعضائهم كافياً لحل مشكلات طبية كثيرة للمرضى، كما أنه ينهي تجارة الأعضاء التي تنشط بسبب عدم وجود إطار شرعي للتبرع بأعضاء المتوفين أو نقل أعضاء الأحياء، الأمر الذي يضع مرضى الكبد مثلاً عرضة لابتزاز من يبيعون أعضاءهم بمقابل يصل أحياناً إلى 250 ألف جنيه (12793 دولاراً).

وكان جراح القلب المصري البريطاني الشهير مجدي يعقوب قال في تصريحات سابقة، إن التبرع بالأعضاء عند وفاة المخ موجودة في كل دول العالم، باستثناء مصر، مؤكداً أنه يتمنى دخول عمليات زراعة القلب إلى مصر، لكن الناس “يخافون حتى من التشريح” للجثمان بعد الوفاة في مصر.

من جانبه، وبحسب حديث هاشم عبدالفتاح أستاذ الرمد بجامعة القاهرة، فإن “ثقافة التبرع بالأعضاء سواء في الحياة أو الموت باتت ثقافة مقبولة في كثير من أنحاء العالم، وأن ما تحتاج إليه مصر الآن هو مزيد من الاهتمام من القائمين على وزارة الصحة ولجنة زراعة الأعضاء الحالية لتنفيذ الإجراءات الموضوعة أساساً من قبل وتسهيل العمل بها”.

وذكر عبدالفتاح أنه على الرغم من “توافر كل الإجراءات الطبية والإدارية في مصر من الأطقم الطبية التي من المفترض أن تنقل الأعضاء وأماكن تنفذ عمليات زرع الأعضاء فإن هناك قلة في عدد الراغبين في التبرع”، مرجعاً الأمر لعدم تقبل المصريين بعد لمثل هذه الثقافة، فضلاً عن البعد الديني المهمين على كثير من سلوكيات حياتهم.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here