
أفريقيا برس – مصر. لا تراهن الأغلبية على الوزراء الجدد الذين وقع الاختيار عليهم ولا القدامى في تجاوز، النكبة الاقتصادية، التي يشوي لظاها الجميع، باستثناء حفنة من المحظوظين، الذين تربحوا في كل العصور. فيما حرص العديد من الكتاب لدفع المواطنين للتحلي بالصبر، مشيرين إلى أن “المحنة” أكبر من أن تتصدى لها الحكومة بمفردها، ولم يسلم منها العديد من البلدان، حسبما أشارت صحف يومي السبت والأحد 13 و14أغسطس/آب.
كما مثل يوم أمس الأحد حدثا مؤلما على المصريين، حيث تصدر حادث احتراق كنيسة أبوسيفين في حي إمبابة، الذي خلف 41 قتيلا و17 مصابا معظم الصحف وبادر رموز الدولة ورجال الدين بتوجيه التعازي، وإعلان الدعم للكنيسة وشعبها. وبدوره قال الدكتور حسام عبدالغفار المتحدث الرسمي لوزارة الصحة والسكان، إنه تم نقل الضحايا لمستشفى إمبابة العام، ومستشفى العجوزة. وأضاف أنه تم الدفع بـ 30 سيارة إسعاف لنقل المصابين. ومن جانبه أجرى الرئيس السيسي، اتصالا هاتفيا مع قداسة البابا تواضروس، حيث قدم تعازيه في ضحايا حادث كنيسة الجيزه. وأكد الرئيس خلال الاتصال قيام مؤسسات الدولة كافة بتقديم الدعم اللازم لاحتواء آثار هذا الحادث الأليم، وقال السيسي، إنه يتُابع عن كثب تطورات الحادث الأليم، ووجه أجهزة ومؤسسات الدولة المعنية باتخاذ كل الإجراءات اللازمة، وتقديم كل أوجه الرعاية الصحية للمصابين.. وبحسب بيان لوزارة الداخلية أسفر الحريق عن إصابة ضابطين و3 أفراد من قوات الحماية المدنية.
ومن أخبار مؤسسة الرئاسية: قال السفير بسام راضي المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، إن الرئيس عبدالفتاح السيسي، شدد على الوزراء الجدد للتحلي بالتجرد والموضوعية والتفاني وبذل أقصى جهد لإعلاء مصلحة الوطن في المقام الأول.. ومن تصريحات رجال الدين: وجّه الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية السابق، رسالة قوية لقاتلي الطالبتين نيرة أشرف وسلمى بهجت، قائلا: «استحوذ عليهما الشيطان، وأحاط بهما بكل جانب، وأخذهم في حوزته أي في دائرته، وهذا يسمى بالضلال البعيد»، مستشهدا بقوله تعالى: «سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ أن كَيْدِي مَتِينٌ». وأضاف علي جمعة، «العيال اللي قتلوا البنات دول فيهم حاجة غلط، سابوا نفسهم بنفسهم زي الحيوان البري، مفيش تربية وقيم وأخلاق، هو صورته إنسان فقط».. ومن الأبحاث الطبية: أكد الدكتور جمال شعبان استشاري أمراض القلب والأوعية الدموية ورئيس المعهد القومي للقلب سابقا، أنه وفقا لكلية القلب الأمريكية ACC2022، فإن تناول 3 فناجين من القهوة يوميا قد يحمي من خطر الإصابة بالفشل الكلوي.
شهادات مؤلمة
استمع نبيل عمر في “الأهرام” لشكاوى مؤلمة عن الغلاء: لي سَمَّاك صديق في حى المندرة، اعتدت التردد عليه كلما كنت في الإسكندرية، العروس التي شوهها أربابها، ثم سرقوا بحرها من الناس، فصارت رؤية البحر هبة الله للبشر بفلوس، وتركوا بضعة شواطئ متناثرة مجانية اسما، لكن السماسرة دوما يبيعون الشمس في زجاجات، ولا أعرف بلدا في العالم يُباع فيها البحر لمواطنيه. حين رآني ضحك وقهقه وقال: لا تسألني على الجندوفلي، في سوق الجملة بمئة جنيه، وهو مجرد قزفزة. ضحكت معه: لست مجنونا إلى هذه الدرجة. كانت تقف بجواري سيدة في ثياب شعبية سوداء، تقلب في السمك البلطي، زعقت فيه: الكيلو بأربعين جنيها؟ فرد بالضحكة نفسها: بكرة يبقى بسبعين. اغتاظت السيدة علا صوتها عليه، كادت تنشب خناقة، تجمع أولاد الحلال، صبوا كلمات باردة أوقفت الاشتعال. بررت السيدة غضبها: يعنى 2 كيلو سمك مع أرز بالزيت فوق المئة جنيه، حرام. أضاف رجل عجوز بجلباب نصف عمر: حتى صينية السردين بقت بمئة جنيه. هذا المشهد الواقعي يتكرر بصور متشابهة وتفاصيل مختلفة في سوق الخضار، قطعا الناس العاديون لا يفهمون أسباب الحرب الروسية في أوكرانيا، ولا معدل التضخم ولا تقلص الاحتياطي الدولاري. العاديون يهمهم أمر بسيط للغاية: كيف يعيشون مستورين عند الحد الأدنى؟ كيف يتعاملون مع أسعار الزيت والفول والطماطم والسكر والجبن والباذنجان والبطاطس والطعمية والبصارة والعدس، على قدر ما في جيوبهم من جنيهات تقل قيمتها الشرائية كل يوم تقريبا؟
فلسفة التعويم
اعترف نبيل عمر بأن مصر شعب كبير، مئة مليون نسمة، عبء مخيف، وعليه أن يعيد حساباته في الزيادة السكانية، حتى يضبط حجم إنتاجه البشري مع حجم موارده، وإلا ستحمل له الأيام مزيدا من المعاناة مهما زرع وصنع وشيد وتاجر، نعم الناس لا تفهم في النظريات الاقتصادية، وروشتات البنك الدولي وإرشادات صندوق النقد، ولا فلسفة تعويم الجنيه ولا فاتورة دعم الطاقة، ولا توحش الدين العام، هذا شغل الحكومة، وإنما تريد أن تعيش بدرجة لا تتسع فيها المسافة دوما بين احتياجاتهم والواقع الذي يواجهونه، فكلما زادت المسافة، قل رضاهم. وبعد حديث مع مصريين بسطاء هنا وهناك، أدهش الكاتب قولهم إن ثمة تجارا كبارا محتكرين هم الذين يسودون عليهم عيشتهم، ووصف طالب في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الوضع بأن هؤلاء التجار أعلنوا علينا حرب الجيل الرابع في الأسعار. قد يكون في كلامه كثير من المبالغة، فالأسعار جنت في العالم أجمع، لكن من المؤكد أننا في حاجة إلى ضبط أسواقنا، ولا تكفي وسائلنا التقليدية القديمة في حماية المستهلك. وفكرة أن ندع الأسواق لقانون العرض والطلب كأداة فاعلة في الضبط والربط، فكرة خبيثة من الذين ينادون بها في أسواق مشوهة لا تعترف بأي قواعد علمية، فالعرض مثلا أكثر من المطلوب في سوق العقارات، وعلى الرغم من هذا لا تنخفض الأسعار، ولا تتوقف عن الارتفاع، لأن الملاك لأسباب كثيرة يخزنون العقار والأرض الفضاء لسنوات. وهو التشوه نفسه السائد في أسواق سلع كثيرة، ومنها سلع غذائية أساسية، بسبب الاحتكار، وإن كانت القواعد الاقتصادية تتسلل أحيانا إلى تلك الأسواق لكن في ظروف خاصة جدا. لكن الأهم من ضبط الأسواق والأسعار أن نفكر جديا في الإجابة عن سؤال أهملناه طويلا: كيف نزيد من إنتاج السلع والخدمات في بلادنا، لنحد من استنزاف مواردنا في الاستيراد من الخارج؟
صحافة مستبعدة
حسم مجلس النواب التعديل الوزاري بالموافقة على جميع الحقائب الواردة إلى المجلس، بخطاب رئيس الجمهورية كما أوضح محمد أمين في “المصري اليوم”.. لم يعترض على وزير واحد.. وطبقا للدستور الحالي، لا بد من عرض التشكيل الوزاري على مجلس النواب، وإلا يُعتبر التعديل غير دستوري، ولذلك تم استدعاء المجلس من الإجازة البرلمانية لعقد جلسة طارئة لإقرار التعديل. لم تشارك الصحافة في التعديل الوزاري بالرأي.. ربما كان لها رأي سابق في فترة سابقة.. وربما تتفق في كثير مما جاء في التعديل، وتم تأجيل التعديل حتى حدث فجأة مؤخرا.. وتبين أن المشاورات جرَت بين الرئيس ورئيس الوزراء لاختيار الوزراء الجدد بهدف تطوير الأداء.. خطر على ذهن الكاتب في سياق التشكيل السؤال التالي الذي شاركه فيه الكثير من المتابعين لقرار التشكيل الوزاري الجديد: أين محافظ البنك المركزي من التعديل؟ وأود التأكيد أن محافظ البنك المركزي لا علاقة له بأي تغيير وزاري، فهو ليس مستهدفا بالتغيير، وليس عضوا في التشكيل الوزاري، وهو مستقل في تعيينه عن الحكومة وعمله مستقل طبقا لقانون البنك بدرجة نائب رئيس وزراء، وسيظل موجودا حتى نوفمبر/ تشرين الثاني بعد المقبل. الحمد لله أن التعديل كان مفاجئا وإلا كنا قد سمعنا شائعات وتكهنات بلا حدود.. وربما كانت قد تناولت اسم رئيس الوزراء أيضا وطارق عامر وحقائب سيادية.
غير مغضوب عليهم
المؤكد كما أشار محمد أمين أن التغيير سُنة الحياة، وأن الكل سيغادر منصبه، يوما ما، ولكن في الوقت المناسب.. وقد أعجبنى أن نبيلة مكرم قد أعلنت عن مغادرتها منصبها كأول وزيرة تغادر، ولكنها قالت: دعواتي لبلدي، هذه هي الروح التي ينبغي أن تسود.. فالوزراء حين يخرجون يكونون قد أدوا خدمة للوطن.. ولا يعني أنهم خرجوا أنهم مغضوب عليهم.. ولكنها محاولة لتطوير الأداء، وضخ دماء جديدة وتحريك بعض الملفات. وأظن أن التشكيل الجديد يعطي هذا الانطباع في ملفات التعليم والصحة والري والسياحة والطيران، وإن كنت قد تأثرت بمغادرة الوزير خالد العناني، فقد كان نشيطا ومثقفا وأكثر الوزراء تواصلا مع الإعلام والصحافة، إلا أنه كان هناك رأي آخر في النهاية. في مقالات سابقة أكدت أن الحكومة الجديدة ستكون برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي.. ويبدو أن ما توقعته كان في محله لأسباب تتعلق بطبيعة المرحلة، وطبيعة أداء الدكتور مدبولي، وبداية الانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة.. وأعتقد أنها ستبقى عامين آخرين على الأقل، لنبدأ مرحلة جديدة مع حكومة جديدة لها مهام جديدة.. يا ترى مين يعيش؟ طول عمر الوزارة في الحكم مرتبط بطبيعة المهمة الموكلة إليها.. وأعتقد أن حكومة مدبولي ستكون من أطول الحكومات عمرا.. وأذكر أن عاطف صدقي ترأس حكومة مصر عشر سنوات لأنها السنوات التي قام فيها بإجراءات الإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد.. وحكومة مدبولي تشبه حكومة صدقي.. واليوم، تنطلق الحكومة الثانية لمدبولي بخبرة أكبر ورؤية أعمق، ونتمنى له التوفيق ودعواتنا لبلدنا بالخير والتقدم والرقي.
من يسمع؟
هذه صرخة قرر الدكتور أسامة الغزالي حرب أن يطلقها في “الأهرام” بصوت عال حتى تصل إلى كل من يهمهم أمر هذا الوطن ومستقبله: صرخة أحسست برغبة جارفة في إطلاقها بعد أن رأيت تفاصيل اللقاء مع أوائل الثانوية العامة لهذا العام. هل سمعتم الطالبة ملك عبدالفتاح الأولى على الثانوية علمي التي قالت إنها اعتمدت بشكل كامل على الدروس الخصوصية، ولم تذهب مطلقا للمدرسة طيلة العام الدراسي تجنبا للإرهاق وإضاعة الوقت؟ هل قرأتم ما قالته الطالبة زينب أكرم الأولى على الثانوية العامة أدبي من أنها لم تلتزم بالذهاب إلى المدرسة، واعتمدت أساسا على الدروس الخصوصية؟ أما الأول على الثانوية العامة علمي رياضة عمر شريف فأكد أيضا أنه: حصل على دروس خصوصية. عدم الذهاب إلى المدرسة، والاكتفاء بالدروي، القاسم المشترك بين أسباب التفوق التي تحدث عنها أوائل الثانوية العامة.. التعليم خرج من المدارس إلى إشعار آخر، ومجانية التعليم صارت مثل خيال المآتة. التعليم الآن يتكفل به المدرسون في دروسهم الخصوصية، وبدلا من البيت الشعري البليغ القائل: قف للمعلم وفه التبجيلا…كاد المعلم أن يكون رسولا، يبدو أنه سوف يصبح ادفع للمعلم وفه التمويلا… كاد المعلم أن يكون مليونيرا، وهم يتوحشون وينفردون بالطلاب في مجموعات الدروس الخاصة والسناتر، التي أنهت وجود المدارس الأميرية التي يتعلم فيها مجانا، الغالبية العظمى من أبناء الشعب. من الظلم أن يحمل وزير التعليم منفردا مسؤولية تعليم ما يقرب من 25 مليونا من التلاميذ في مصر، وقد فهمت سبب إحجام الوزير عن إعلان نتيجة الثانوية في مؤتمر صحافي مثلما كان يحدث في أيامنا الخوالي فالرجل كان منطقيا مع نفسه، لأنه لم يسهم فعليا في تعليم هؤلاء التلاميذ، وإنما اكتفى بوضع عدد من الإحصائيات للنتائج المعلنة. هذه الصرخة للدعوة إلى عقد مؤتمر قومي لبحث قضايا التعليم في مصر، الآن وليس غدا.
توابع الترشيد
أحسنت الحكومة، حينما قررت اتخاذ إجراءات كثيرة لترشيد استهلاك الكهرباء، حتى يتم توفير الغاز، وبالتالي تصديره للخارج والحصول على العملة الصعبة اللازمة لتخفيف فاتورة الاستيراد المتعاظمة. السؤال الذي أرق عماد الدين حسين في “الشروق”: ما هي الآليات الموجودة لدى الحكومة كي تترجم هذا التوجهات والقرارات إلى واقع يلمسه الجميع على الأرض؟ من سوء الحظ أن الجهاز الإداري للدولة المنوط به تحويل التوجهات والقرارات والإجراءات إلى واقع عملي، ليس في أفضل حالاته ويعاني أمراضا وأوجاعا وترهلات متعددة، بسبب سياسات حكومية متعاقبة عمرها عشرات السنين. نعلم جميعا أن المحليات وهي صلب الجهاز الإداري تعاني أوضاعا صعبة كثيرة، ومن سوء الحظ أنها ـ وهي في هذه الحالة ـ تتداخل في معظم الخدمات التي تهم الناس. فالمفترض أنها من يطبق القانون الحكومي، خصوصا في تراخيص البناء وكل ما يتعلق بالبنية التحتية من كهرباء ومياه وغاز وخلافه. الطبع لا أعمم أو أتهم كل العاملين في المحليات بالفساد ـ حاشا لله ـ ولكن أتحدث عن المناخ الذي نعلمه جميعا، وقاد إلى حبس المئات من رؤساء الأحياء والمهندسين والموطفين بتهم فساد متنوعة. وبالتالي فالسؤال هو: كيف يمكن لهؤلاء أن يطبقوا الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الأسبوع الماضي؟ لشرح ذلك، علينا تذكر كيف أنه حينما تزيد أسعار الوقود ويقوم أصحاب وسائقو سيارات الأجرة برفع التعريفة بأكثر من نسبة الزيادة في الوقود، فإن بعض القائمين على أمر هذه المواقف والتاكسيات لا يستطيعون السيطرة على هؤلاء السائقين، والأمر نفسه موجود في عدم تمكن بعض مفتشي وزارة التموين من السيطرة على جشع بعض تجار التموين، أو فشل الأجهزة المحلية في محاربة جشع العديد من التجار في الأسواق المختلفة.
إهدارها جريمة
ذات يوم قال مسؤول كبير لعماد الدين حسين، إن هذا الجهاز الإداري متداعٍ وشبه منهار ويحتاج إلى من يراقبه وهو يراقب الناس وبعض العاملين في هذا الجهاز يعتقدون أن الرشاوى والإكراميات والبقشيش في مختلف أنواعه صار حقا مكتسبا لهم لأن مرتباتهم متدنية، نحتاج لتدريب مكثف لكل من سيقوم بعملية متابعة تضييق هذه الإجراءات. ونحتاج إلى أن نعلمهم أن هذه أموال عامة تخص الجميع، وأن إهدارها جريمة كبرى ينبغي التصدي لها بكل الطرق، نحتاج إلى أن نبدأ في تعليم الأطفال من أول الحضانة حتى طلاب الجامعة معنى الأموال العامة، وأنها ليست مستباحة، وينبغي الحفاظ عليها بكل الطرق، وأن يتعلموا معنى الترشيد وحاجتنا إلى كل مليم خصوصا في هذه الأيام الصعبة، والسؤال، هل الجهاز الإداري الموجود لدينا يدرك معنى هذه الأفكار والقيم ويؤمن بها وإذا كانت الإجابة بنعم، فهل لديه الإرادة والآليات لتطبيقها. مرة أخرى ما أطرحه من تساؤلات وأفكار ليس دعوة لبث اليأس والإحباط، بل محاولة للتفكير بصوت عال حتى يتم تطبيق الإجراءات الحكومية الجديدة على أرض الواقع بدلا من تطبيقها جزئيا، أو تحولها إلى مجرد تصريحات نرددها اليوم، ثم تدخل في كهف النسيان غدا، كما حدث لعشرات الحملات والدعوات السابقة. ونتمنى أن يكون التعديل الوزاري الجديد خطوة في هذا الطريق الصعب والطويل.
دولاب أكاذيب
تفرض مهنة محمد درويش عليه متابعة صفحات الرأي ليتحقق من المعلومات في”الأخبار”: أبحث دائما من مصدر موثوق، سواء كان موقعا إخباريا أو شخصية لها اعتبارها، وكثيرا ما دخلت في نقاش مع صاحب أو صاحبة المقال؛ لإقناعه بأن ما تداوله في مقاله وحدد رأيه فيه ليس صحيحا. ذات يوم تناول كتاّب كبار ومشهورون بما نسب زورا إلى هيلاري كلينتون عن كتابها «خيارات صعبة» منها ما يتعلق بمصر وتراجع الأسطول السادس وحكايات لا يصدقها عقل، استعنت بمتخصصين قرأوا النسختين الإنكليزية والعربية، وأكدوا لي أن الكتاب ليس فيه هذا الهراء. تمكنت من منع النشر في جريدتنا، لكن كنت أطالعه في صحف أخرى بأقلام كتاب مرموقين- منهم نقيب صحافيين عربي- نقلوه عن صفحات الفيسبوك ولم يفكر أحدهم في توثيق المعلومة، وما أسهل ذلك في هذا الزمان مع محرك البحث “غوغل”. تذكرت هذه الواقعة وغيرها وأنا أطالع على صفحات زملاء صحافيين وغيرهم ممن نطلق عليهم الصفوة أو النخبة وهم يتحسرون في تعليقاتهم «بوستات الفيسبوك» على الأخلاق والقيم بعد أن انتشر كالنار في الهشيم خبر لم ينسب إلى أي جريدة حتى لو تحت بئر السلم أو وكالة أنباء، الخبر عبارة عن ملصق يدعي أن طبيبا مصريا يعمل في السعودية انتظر عروسه في مطار الرياض التي طلب من أمه أن تختارها له، وأرسل توكيلا لواحد من أفراد أسرته لعقد القران، وعندما رآها في المطار قال لها “أنت تخينة وأمى لم تقل لى ذلك.. سلامو عليكو”، انهارت العروس وانخرطت في البكاء وجمع لها الناس ثمن التذكرة للعودة إلى مصر. أستحلفكم بالله هل هذه حكاية تدخل الدماغ، وهل وصلت الحقارة بالطبيب إلى هذه الدرجة، أضعف الإيمان كان اصطحبها لفندق حتى يحجز لها تذكرة العودة، مع افتراض صدق الرواية.. المدهش أن طبيبا مشهورا مثل الدكتور جمال شعبان، العميد السابق لمعهد القلب، خرج على صفحته ينتقد الطبيب ساخرا بقوله هو أنت بتشتري ثلاجة أون لاين، وطبعا لأن له آلاف المتابعين الذين «عاموا على عومه» وهم ينعون الأخلاق والشهامة والمروءة والرجولة. لا أوجه نصيحة لبسطاء الفيسبوك وهم بالملايين، ولكنني أوجهها للنخبة والصفوة وأذكرهم بالمثل القائل: إذا زل عالم بكسر اللام زل بزلته عالم بفتح اللام.
عيش عزيز
أكد الدكتور محمود خليل في “الوطن” أن “أكل العيش مُر”.. وقد يدفع في أحوال الابن – رغما عنه – إلى غُبن أبيه. ذلك أحد الدروس التي يمكن أن يخرج منها الإنسان وهو يتأمل حياة الفنان عزيز عثمان.. هل تذكر الرجل؟ عزيز عثمان هو صاحب أغنية «بطلوا ده واسمعوا ده.. ياما لسه نشوف وياما.. الغراب يا وقعة سودة.. جوزوه أحلى يمامة» في فيلم «لعبة الست» للعظيم الراحل نجيب الريحاني. هو في الأصل مطرب له قدراته الصوتية والأدائية، ورث الطرب والغناء عن أبيه الموسيقى الكبير محمد عثمان الذي شدا بألحانه أعظم مطربي مصر في القرن التاسع عشر وعلى رأسهم عبده الحامولي، لكنه كان موجودا في عصر أشهر ما تميز به هو مجموعة الحناجر الذهبية التي كانت تغذي الأذن المصرية بأجمل الأغاني والموشحات، وتتسابق على الإبداع في تلاوة القرآن الكريم والإنشاد الديني. وصف كمال النجمي في كتابه «تراث الغناء العربي» صوت عزيز عثمان بالأجش والمنفر، رغم أن آخرين لم يروه كذلك، فكل صوت وله مذاقه. وأمام زهد السميعة في صوته وإيثارهم لصوت أبيه محمد عثمان، الذي تألق بالغناء ونافس صوت الحامولي، اضطر الرجل إلى العمل في السينما، مستخدما قدراته الكوميدية اللامعة. اعتمد عزيز عثمان في أدائه الكوميدي على السخرية من فن الدور الذي مثَّل القالب الغنائي الشائع في هذا الزمان، مثل الأدوار التي كان يؤديها أبوه. استوقفه كمال النجمي ذات يوم بعد أن سمعه في أوبريت «اللي يقدر على قلبي» يغنى ساخرا من قالب الدور على عود محمد عبدالوهاب ويقول: «مربوط ع الدرجة التامنة.. والناس درجات.. ومرشح آخد التاسعة.. غير العلاوات»، عاتبه النجمي وقال له: أنت تسخر بهذا الأداء من أبيك محمد عثمان، فرد عليه: أكل العيش مر يا صاحبي. تكرر هذا الموقف بين النجمي وعزيز أكثر من مرة، وكان يقدم له الرد نفسه. لم يكن عزيز عثمان يغبن أباه ولا الفن الذي قدمه الرائد الكبير، لكنه كان ابن وقته، ويريد أن يعيش بالقواعد والقوانين التي تحكم زمانه.
ينتظره الأسوأ
من قبل أن يدخل البيت الأبيض رئيسا لأمريكا، كان ترامب وفق ما رأى جلال عارف في “الأخبار” يواجه تهمة الاحتيال الضريبي، وهي من أكبر الجرائم في أمريكا. وظلت التهمة تطارده طوال سنوات رئاسته وهو يرفض نشر إقرار الذمة المالية الخاص به، كما فعل كل رؤساء أمريكا حتى خرج من البيت الأبيض وفقد الحصانة لينفتح الطريق أمام احتمال تقديمه للمحاكمة مع ابنه وابنته، اللذين يتوليان إدارة شركاته. مع نهاية سنوات رئاسته، كان يواجه التحقيقات الأهم في مسؤوليته عن اقتحام الكونغرس ومحاولة تعطيل انتقال الرئاسة إلى بايدن الفائز في الانتخابات. وإذا كانت التحقيقات هنا ما زالت في الإطار السياسي وفي يد مجلس النواب، فإن تحويلها للمحاكمة الجنائية ليست مستبعدة حتى الآن. الآن.. يدخل ترامب إلى ما هو أخطر، بعد مداهمة المباحث الفيدرالية لمنزله ومصادرة الوثائق الرسمية – ومنها ما هو بالغ السرية – التي أخذها عند رحيله من البيت الأبيض، بدلا من إيداعها في الأرشيف الوطني كما تفرض القوانين. ووفقا للبيان الرسمي الذي أذيع فإن الأمر لا يتعلق فقط بسوء التصرف أو إخفاء وثائق أو إتلافها، وإنما أيضا بالتحقيق في انتهاك ترامب لقانون مكافحة التجسس. التهم خطيرة، وترامب ومحاموه لم يعترضوا على نشر البيان الرسمي حول اقتحام منزله. وموقف ترامب القانوني صعب، فهو حتى الآن يردد أن الاتهامات سياسية، ولا ينفي الاستيلاء على الوثائق أو خطورتها، ويقول إنه رفع «السرية»، عن الوثائق ولكن دون وجود قرار رسمي بذلك، وتبقى المفارقات ومنها، أن مدير المباحث الفيدرالية التي اقتحمت منزل ترامب هو من اختيار الرئيس السابق، وأن أحد قرارات ترامب وهو في البيت الأبيض كان رفع عقوبة إخفاء الوثائق الرسمية إلى السجن خمس سنوات، بدلا من سنة واحدة..أما المفارقة الأهم فهي أن «الجمهوريين» يتبارون في دعم ترامب، ليس حبا فيه، وإنما خوفا من تأثير سقوطه على الانتخابات التشريعية المهمة في نوفمبر/تشرين الثاني.وأمام أمريكا شهور من الصراع بين لعبة السياسة وحكم القانون.
أحلاهما مر
الدنيا كما أكد سليمان جودة في “المصري اليوم” مقلوبة في “واشنطن”، حيث أعلن ترامب غضبه العارم مما جرى معه، ووصف بلاده بأنها تحولت لإحدى «جمهوريات الموز».. وهذا تعبير شاع في وقت من الأوقات عن دول كثيرة في أمريكا اللاتينية، حيث لم تكن فيها عدالة ولا قانون. والغريب أن ترامب رفض الحديث أمام المدعي العام في نيويورك، وكان رفضه بناء على نصيحة من محاميه الخاص.. ولكن الأغرب من رفضه الحديث أنه في غمرة انفعاله قال إن تفتيش بيته في فلوريدا عملية ملفقة. والمعنى أنهم إذا ضبطوا شيئا في البيت فسوف يكون هذا الشيء من تلفيق الشرطة. القضية الآن أن المدعي العام هناك لم يصدر بيانا عن سبب تفتيش البيت، ولم يتم نشر شيء عن إذن النيابة بمداهمة بيت الرئيس السابق، الذي كلما علق على المداهمة قال إنها عملية ملفقة.. ولأنه لا يزال يردد هذا الكلام، ولا يزال أنصاره في الحزب الجمهوري يضغطون ويروجون لما يقوله، فإن المدعي العام لم يجد مفرّا من الذهاب إلى المحكمة طالبا الإذن بأن يتكلم ويكشف ما عنده. وكانت المفاجأة أن المحكمة أفهمت المدعي العام أن كلامه مرهون بموافقة ترامب نفسه، وأنها لا تستطيع أن تأذن له بالكلام إلا إذا وافق ترامب، باعتباره المتهم في القضية. وهكذا يجد ترامب أنه أمام خيارين أحلاهما مُر، فهو إما أن يوافق على أن يتكلم المدعي العام فيعرف الناس كل شيء، وإما ألّا يأذن فيفهم الناس أنه رفض الإذن حتى لا يعرف الرأي العام ماذا بالضبط كان في بيته لحظة مداهمته من رجال مكتب التحقيقات الفيدرالية.. فضلا بالطبع عن أنه إذا رفض إعطاء الإذن للمدعى العام بالكلام، فسيجد نفسه مضطرّا إلى التوقف عن وصف العملية بأنها ملفقة، وسوف يضطر أنصاره كذلك إلى أن يسكتوا ويهدأوا. إننا قد نلعن أمريكا مرة بسبب سياستها التي تكيل بمكيالين في المنطقة، وقد نلعنها مرة ثانية بسبب خلو سياستها تجاه العالم من أي مبادئ أخلاقية، ولكن هذا يجب ألّا يمنعنا من الاعتراف بأن في ديمقراطيتها مزايا ليست موجودة في أي ديمقراطية أخرى.
فتى الثورة
كانت موسيقى نشيد «موطني» تتردد في أذن داليا شمس كما قالت في “الشروق”، وهي تتابع أخبار الهجوم الإسرائيلي الأخير على غزة، الذي أسفر عن قتل 48 فلسطينيا بينهم 16 طفلا و4 سيدات وإصابة 360 آخرين، رغم أنه لم يعد رسميا النشيد الوطني الفلسطيني، إذ اعتمدت مكانه اللجنة التنفيذية لمنظمة فتح منذ مطلع سبعينيات القرن الفائت نشيد «فدائي»، من تأليف الشاعر سعيد المزين (الملقب بفتى الثورة الفلسطينية) ولحن الموسيقي المصري علي إسماعيل، إلا أن قصيدة «موطني» القومية العربية التي كتبها إبراهيم طوقان سنة 1934 ولحنها اللبناني محمد فليفل ظلت نشيدا وطنيا غير رسمي في فلسطين، بل سافرت إلى العراق وسوريا مع اندلاع الحروب، واشتداد الأزمات في دول الجوار، لتكون لسان حال هذه الشعوب.تابعت الكاتبة: رقة وهدوء اللحن والكلمات، دون تكلف، جعلته عابرا للحدود وسهلت انتشاره، إذ يبدأ الشاعر قوله ببساطة: «موطني موطنى، الجلال والجمال، والسناء والبهاء، في رباك في رباك»، ثم يتساءل بعدها بقليل مثله مثل الكثيرين: «هل أراك هل أراك، سالما منعما، وغانما مكرما، هل أراك في علاك تبلغ السماك، موطني موطني».. طبعا صارت كل هذه الأمنيات بعيدة المنال، وكلما يزداد تحقيقها صعوبة مع الوقت، ردد الناس النشيد وظهرت نسخ معدلة منه يؤديها بتوزيعات حديثة على البيانو نجوم برامج مسابقات الغناء، وآخرون مثل السورية فايا يونان واللبنانيتين إليسا وكريستينا صوايا. أما في العراق فقد استخدم رسميا كنشيد وطني بعد الإطاحة بصدام حسين سنة 2003 ليحل محل نشيد «أرض الفراتين» الذي كان معتمدا في عهد الرئيس الراحل، ومن حين لآخر تكون هناك محاولات لاستبدال «موطني» بكلمات شعراء عراقيين ويندلع الجدل في مجلس النواب وتطفو على السطح عدم قدرتهم على الاتفاق حول شيء، بما في ذلك النشيد الوطني.
بلبل فلسطين
قصة إبراهيم طوقان الذي يطلق عليه البعض «بلبل فلسطين» لها بعد ملحمى كما أشارت داليا شمس: شاعر مرهف، ضعيف البنيان معتل الصحة، مات مبكرا وهو في السادسة والثلاثين من عمره بعد صراع مع المرض. لم ينشر أعماله في ديوان وهو حي يرزق، بل تم تجميعها في كتاب عام 1955، يضم 77 قصيدة، بعد مرور أربعة عشر عاما على وفاته، ثم صدر ديوان شعري آخر يحتوي على 36 قصيدة إضافية، ويبلغ عدد القصائد في شتى الكتب المطبوعة بعد هذين الإصدارين 158 قصيدة ومقطوعة. أعماله ساهمت في إلهاب المشاعر ضد الاستعمار، خاصة أن بلاده كانت وقتها تحت الانتداب البريطاني، وأن الثورة الفلسطينية كانت في أوجها بين 1929 و1936، لكن في ظني أن ما جعله حاضرا في الوجدان هو صدق مواقفه، فقد كان يؤكد على أنه شاعر وطن وأن انتماءه ليس لحزب أو زعيم، بل حافظ على بوصلة قضيته وعلى روح الجماعة، وهاجم السماسرة والأحزاب وما جرّته من مآسٍ على فلسطين، قائلا: «إن قلبي لبلادي، لا لحزب أو زعيم، غايتي خدمة قومي، بشقائي أو نعيمي». ربما هذا هو ما شعر به الناس الذين يرون أن الوطن أكبر من كل هؤلاء وراحوا يرددون النشيد، هذا إضافة إلى أنه كان أول من تعرض لشخصية الفدائي الفلسطيني بأبيات قال فيها: «لا تسل عن سلامته.. روحه فوق راحته». قرأ واحدة من أهم قصائده «الثلاثاء الحمراء» عام 1930، في مظاهرة جرت في نابلس، مسقط رأسه، استنكارا لإعدام ثلاثة من الثوار في سجن عكا (محمد جموم وعطا الزير وفؤاد حجازي)، مسجلا بطولاتهم ومعاناتهم. أما قصيدة «موطني»، فقد كتبها في بيروت، حيث درس في الجامعة الأمريكية ومكث فيها ست سنوات إلى أن نال شهادته في الآداب. كانت هذه الفترة بالنسبة له مرحلة حرية وانفتاح وتطور، تعرف خلالها على زمرة من المفكرين والكتاب مثل وجيه البارودي وحافظ جميل وعمر فروخ وكونوا معا حلقة أدبية بعنوان «دار الندوة»، كما توطدت علاقته بالشاعر بشارة الخوري، الملقب بالأخطل الصغير، وكان بالطبع لكل ذلك تأثيره في لغته الشعرية وثقافته، وهو الذي تعلم من بلاغة القرآن منذ الصغر.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس