“الحوار الوطني” في عرف السيسي.. “تحلية رمضانية” أم حديث مع النفس؟

6
“الحوار الوطني” في عرف السيسي.. “تحلية رمضانية” أم حديث مع النفس؟
“الحوار الوطني” في عرف السيسي.. “تحلية رمضانية” أم حديث مع النفس؟

أفريقيا برس – مصر. أقوال صعبة، وبلغة شديدة ودقيقة وحتى فظة، قالها عمرو موسى في بداية لقاء “الحوار الوطني” في مركز المؤتمرات في القاهرة الأربعاء الماضي: “الشعب يتساءل، أين سلم الأولويات في اختيار المشاريع؟ أين مبادئ الشفافية؟ ما وضع الدين المتراكم؟ كيف سنسدده؟ الشعب يتساءل عن الحريات وضمانها، وعن البرلمان ونشاطاته، عن التعليم الذي يجب أن يكون بالمجان، وبالأساس جودته”.

عمرو موسى (87 سنة)، الذي كان وزير الخارجية في فترة ولاية الرئيس حسني مبارك، ثم السكرتير العام للجامعة العربية، تنافس بدون نجاح، في الانتخابات الراسية في 2012، عكس في أقواله ملخص الانتقاد في الخطاب العام الذكي في مصر. ورغم عدم ثقته بنظام عبد الفتاح السيسي، فإنه لا يدخر فرصة لإسماع أقواله، بالتحديد في هذا المشهد المتميز.

“الحوار الوطني” مشروع بادر إليه السيسي قبل سنة على وجبة الإفطار في شهر رمضان، حيث أعلن بأن الحوار يهدف إلى فتح قناة اتصال مباشرة بين الجمهور والحكومة. وقد تم تعيين الصحافي والمثقف ضياء رشوان رئيساً للمشروع، الذي كان حتى هذه السنة يشغل منصب رئيس نقابة الصحافيين. مهمة هذا المشروع هو تأسيس اللجان التي ستناقض المواضيع الأساسية، مثل الأمن والاقتصاد ومحاربة الإرهاب والتعليم. كان يمكن أن تجمع اللجان ملاحظات المشاركين في الحوار، أحزاباً، ومنظمات حقوق إنسان، ورجال أعمال ومواطنين عاديين – الذين يمكنهم طرح الأسئلة مباشرة للجان اللوائية أو في صفحة الفيسبوك التي أنشئت لغرض الحوار بشكل خاص.

“الحوار الوطني” لا يعدّ موضوعاً جديداً؛ فقد كان في فترة الرئيس أنور السادات والرئيس حسني مبارك، خصوصاً عندما يستخدم ضغط عام أو ضغط خارجي على مصر بسبب قضايا حقوق الإنسان أو المس بالديمقراطية أو بسبب أزمة اقتصادية. لم تكن للحوارات نتائج تثير الانطباع. بعد فترة قصيرة على الحوار الذي أجراه السادات، أمر باعتقال 1500 ناشط في منظمات حقوق الإنسان وصحافيين ومثقفين. الحوار الوطني الذي أجراه مبارك بدون شفافية كاملة انتهى بإعلان “مشترك” أدان تدخل الغرب في شؤون مصر الداخلية.

السيسي، الذي يقع تحت الضغط الدولي، ولا سيما الأمريكي، من أجل تحسين وضع حقوق الإنسان في مصر والكف عن قمع من ينتقدونه وإطلاق سراح آلاف السجناء السياسيين، لا يحتاج وبحق إلى الحوار الوطني؛ فلديه القوة المطلقة لتغيير سياسة القمع، وبالتأكيد إطلاق سراح السجناء. إضافة إلى ذلك، إجراء مثل هذا الحوار يدل أكثر من أي شيء آخر على عجز البرلمان، الذي كما يبدو يمثل الجمهور وينتقد الحكومة والرئيس ويسن قوانين تعدل مكانة الرئيس الاستبدادية. ولكن عندما يكون البرلمان مجرد تمثيل خاطئ لسلطة تشريعية حرة، وتكون قدرته على مراقبة سلوك الحكومة والميزانية العسكرية محدودة جداً، فإن دعوة الجمهور لسماع ادعاءاته ينظر إليها كمناورة أمام نظام الحكم ربما تستهدف تبديد الضغط الخارجي دون أن تضمن أي تغيير كبير. وتدل أيضاً على أن الرئيس لا يعتبر البرلمان ممثل الجمهور.

السيسي في الواقع أطلق سراح نحو 1000 سجين سياسي قبل بداية الحوار. ولكن سرعان ما امتلأت السجون بسجناء جدد، بعضهم اعتقل قبل جلسة الافتتاح. قبل يومين على بدء اللقاء، نشرت المنظمة المصرية لحرية التفكير وحرية التعبير تقريرها السنوي الذي جاء فيه بأنه على الرغم من الخطوات التي اتبعها النظام لإظهار نيته لتحسين وضع حقوق الإنسان، فإن “هذه التغييرات ليست إلا كلاماً فارغاً”. القوانين التي وعد بطرحها للنقاش مثل قانون حرية المعلومات وقانون المكانة الشخصية أو تعديلات بشأن الاعتقال قبل المحاكمة، لم تُطرح للنقاش في البرلمان. واللجان التي تم تعيينها لاقتراح أسماء سجناء يجب إطلاق سراحهم، تعمل ببطء وبدون أي نتائج حقيقية.

آلية الحوار الوطني تجري بوتيرة مصرية. في النصف الثاني من السنة الماضية، عقد أعضاء مجلس أمناء المشروع 18 جلسة، نوقشت فيها بالأساس مواضيع إجرائية، مثل تحديد مواضيع النقاش وتشكيلة اللجان والجدول الزمني للجلسات وطريقة تنظيم المواضيع التي ستأتي من الجمهور. في الوقت نفسه، وضعت الحكومة قوانين بشكل أحادي الجانب وبدون انتظار بدء الحوار، وبالتأكيد عدم انتظار انتهاء النقاشات. من الصعب عدم المقارنة بين الحوار المصري و”محادثات التفاهم الواسعة” التي تجري في بيت رئيس الدولة في إسرائيل، مع فرق جوهري واحد، وهو أن لجان الحوار الوطني في مصر ستقدم توصياتها للرئيس، وهو الذي سيقرر ما سيقبل منها. وبعد ذلك ستحول إلى النقاش في البرلمان، الذي يتوقع أن يصادق عليها. الشفافية كاملة، الرئيس هو المشرع. مشهد الحوار مع الجمهور لا يضلل أحداً، حتى عندما تشارك فيه أحزاب المعارضة والحركات المدنية. فالكلمة الأخيرة للسيسي. في إسرائيل يؤمنون حتى الآن بأن “لقاءات التفاهم” ستبعد تهديد الانقلاب النظامي، وستقضي على الطموحات اللانهائية لمن يؤيدون النظام الاستبدادي، وستقطع ذراع سيطرة رئيس الحكومة على الإجراءات التشريعية وعلى تشكيل صورة جهاز القضاء.

المصدر: هآرتس

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here