تجاهل روسي أوكراني لمقترح مصري بالتوسط

11
تجاهل روسي أوكراني لمقترح مصري بالتوسط
تجاهل روسي أوكراني لمقترح مصري بالتوسط

أفريقيا برس – مصر. منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا جرت محاولات عدة للوساطة بينهما ضمن مسعى لوقف الحرب، بينها محاولات لدول في الشرق الأوسط، منها الإمارات و”إسرائيل” وتركيا ومصر. وفيما رد الطرفان على بعض هذه الدعوات، فإنهما تجاهلا تحديداً ما صدر عن القاهرة.

ويفسر مراقبون وخبراء مصريون عدم تعاطي الجانبين الروسي والأوكراني مع دعوة مصر إلى التوسط بأنه نتيجة عدم ثقة الطرفين في الموقف المصري الذي يعتقد كل طرف أنه موال للجانب الآخر.

مصر الآن ليست محل ثقة عند الروس الذين يتصورون أنها من الممكن أن تنحاز لأوكرانيا

وبدأت محاولات الوساطة من قبل كل من الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني، أولاف شولتز. وبعد ذلك عرض الوساطة كل من رئيس الوزراء ال”إسرائيل”ي نفتالي بينت، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وسط تأكيد هؤلاء التزامهم الحياد في هذه الحرب، مما يجعل دولهم في موقف جيد لأداء دور الوسيط بين الطرفين.

مصر كانت أيضاً من ضمن من عرضوا الوساطة، إذ أجرى الرئيس عبد الفتاح السيسي اتصالاً بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء الماضي، أكد خلاله “ضرورة تغليب لغة الحوار مع دعم مصر المساعي الدبلوماسية التي من شأنها سرعة تسوية الأزمة سياسياً من أجل الحد من تدهور الموقف، والحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين”.

وقال السيسي إن مصر مستعدة “لدعم هذا التوجه من خلال تحركاتها الحثيثة في هذا الصدد سواء ثنائياً، أو على الصعيد المتعدد الأطراف”، لكن الدعوة المصرية لم يتم التجاوب معها من أي طرف حتى الآن.

وقال دبلوماسي مصري سابق، في حديث خاص لـ”العربي الجديد”، إن “روسيا وأوكرانيا، استجابتا لدعوات للوساطة من قبل دول، تعلم كل منهما أنها قد تكون منحازة لطرف على حساب الآخر، لكنها مع ذلك تعرف أنه يمكن الاستفادة من هذه الأطراف، رغم انحيازها، في مسائل عدة، وهذا ما لم يحدث مع مصر”.

وأوضح المصدر أنه “عندما تتعامل إحدى الدول مع أي طرف وهي تعرف جيداً موقفه منها شيء، وعندما تتعامل مع طرف لا تعرف بشكل محدد ما هي انحيازاته ومصالحه شيء آخر. وهذا تقريباً ما حدث مع مصر ودعوتها للتوسط بين روسيا وأوكرانيا”.

وقال المصدر إن سبب ذلك الالتباس في الموقف المصري، هو “تعاملها الدبلوماسي الخطأ مع الأزمة منذ اللحظة الأولى. فبعد فترة صمت طويلة لم تتبن فيها القاهرة أي وجهة نظر في القضية، فجأة صوتت في الجمعية العامة للأمم المتحدة مع قرار إدانة الحرب الروسية، وفي الوقت ذاته أصدرت بياناً بدا كأنه ضد إدانة روسيا. وهو ما أوقعها في منطقة ضبابية، وأفقدها ثقة جميع الأطراف، الروسية من جهة، والغربية والأميركية والأوكرانية، من جهة أخرى”.

وأكد المصدر أنه “عقب حدوث ذلك، من الصعب التعامل مع دعوة الوساطة المصرية بشكل جدي”. وأشار المصدر إلى أن “المواقف المصرية مع الروس من جهة، ومع الأوكرانيين من جهة أخرى، والدعوة الصادرة من القاهرة للوساطة، لم يكن لها ما يسندها على أرض الواقع”.

وقال إن “مصر الآن ليست محل ثقة عند الروس، الذين يتصورون أنها من الممكن أن تنحاز لأوكرانيا. وهو ما عبّر عنه بوضوح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في تصريحاته في مؤتمر صحافي عقده بعد جلسة مباحثات مع نظيره الأوكراني دميترو كوليبا في أنطاليا التركية قبل أيام، عندما قال صراحة “إن الولايات المتحدة الأميركية، تدفع دولاً مثل (مصر والهند ودول شرق آسيا) لتنفيذ العقوبات على روسيا. وهو لا يجوز أن يحدث مع دول لها تاريخ واحترام مثل تلك الدول”، وهو ما يؤكد عدم ثقة الروس بالموقف المصري”، بحسب المصدر.

وأضاف المصدر أنه “في المقابل لا يحظى الموقف المصري أيضاً بأي ثقة لدى الأوكرانيين الذين يعتبرون أن القاهرة تدعم الموقف الروسي بوضوح، وبالتالي لن تكون طرفاً محايداً في أي وساطة محتملة”.

وقال المصدر إنه “بالإضافة إلى كل ذلك فإن الطرفين (أوكرانيا وروسيا) لا يعولان كثيراً على أن لمصر أي تأثير أصلاً على الطرف الآخر”.

أوكرانيا وروسيا لا تعولان كثيراً على أن لمصر أي تأثير أصلاً على الطرف الآخر

وأشار إلى أن “أي محاولة لصنع السلام يكون هدفها في الأصل، الحفاظ على المصالح مع الأطراف المتحاربة، وفي الحالة المصرية فإن مصر تستورد من روسيا وأوكرانيا نحو 80 في المائة من احتياجاتها من القمح، وهي أكبر مستورد للقمح في العالم، وتقول الحكومة إن المخزون الاستراتيجي من القمح يكفي لستة أشهر فقط”.

وقال المصدر إنه بينما “يغيب الدور المصري السياسي في الأزمة الحالية، تحضر قوى أخرى إقليمية تعتبر منافسة لمصر، وبينها حكومة الاحتلال ال”إسرائيل”ي التي أطلق رئيس وزرائها نفتالي بينت وساطة في النزاع بين روسيا وأوكرانيا، وزار موسكو قبل أن يتوجه إلى برلين ويجري اتصالاً هاتفياً مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

ويضاف إلى ذلك تركيا التي أعلنت، منذ اليوم الأول لبدء الحرب الروسية على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي، أنها ستظل في حالة تنسيق مع الغرب وحلف شمال الأطلسي، لكنها في الوقت ذاته، لن تتجه إلى المخاطرة في علاقاتها مع روسيا، من خلال إبداء أي نوع من الاصطفاف الكلي مع أوكرانيا”.

وأشار المصدر أيضاً إلى أنه “من ضمن الوساطات التي لا يمكن التعويل عليها هي وساطة دولة الإمارات، التي امتنعت عن التصويت على مشروع قرار أميركي وألباني في مجلس الأمن يدين الغزو الروسي لأوكرانيا ويطالب موسكو بسحب قواتها، لكن بعد عدة أيام صوتت لصالح قرار يدين الغزو في الجمعية العامة للأمم المتحدة”.

من جهته، قال خبير في القانون الدولي إن “الوساطة الدولية تعد أحد أهم أدوات التسوية الدبلوماسية السلمية للنزاعات الدولية، لكن المواثيق الدولية فرضت على الوساطة شروطاً ومتطلبات قانونية لا يجوز تجاهلها عند ممارسة الوسيط الدولي جهوده التوسطية”. وأشار إلى أن “الوساطة مقارنة بالقضاء الدولي، لا تعد وسيلة إلزامية لتسوية النزاع الدولي بين أطرافه من الدول”.

وأوضح المصدر أن “مُقترح الوسيط الدولي على أطراف النزاع الدولي لا يَصير حلاً للنزاع إلا بموافقة الدول المتنازعة كافة على ذلك المقترح”.

وأشار إلى أن “النزاعات الدولية بها أمثلة كثيرة رُفضت فيها العروض التي قامت بها الدول للوساطة بين الدول المتنازعة، فقد رفضت تركيا الوساطة التي اقترحتها الولايات المتحدة الأميركية لتسوية النزاع التركي ال”إسرائيل”ي على خلفية حادثة “السفينة مافي مرمرة” في عام 2010، كما رفضت إثيوبيا وصف الجهود التوفيقية التي قامت بها الولايات المتحدة عامي 2019 و2020 لتسوية النزاع حول سد النهضة بأنها وساطة دولية، ورفضت إثيوبيا أخيراً الوساطة الرباعية التي اقترحتها السودان وأيدتها مصر لتسوية النزاع المتفاقم حول سد النهضة”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here