مصطفى عبد السلام
أفريقيا برس – مصر. مجدداً يهدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب قناة السويس، ويمارس البلطجة ضد شريان التجارة الدولية، والسرقة العلنية لإيرادات الدولة المصرية، والابتزاز الرخيص وعلى نطاق واسع ضد أهم ممر مائي في العالم، ويعتدي بشكل مباشر على السيادة المصرية والقانون الدولي، وهنا يصبح التجاهل الرسمي في مصر لهذا التهديد والتحرش الفج غير مفيد بشكل مطلق، بل يعد نوعاً من أنواع الضعف والتفريط في القرار الوطني لصالح ترامب وإدارته العنصرية.
مساء أمس السبت الماضي خرج علينا ترامب بتصريح مستفز قال فيه إنه “يجب السماح للسفن الأميركية العسكرية والتجارية بالمرور مجاناً عبر قناة السويس”، زاعماً أن القناة المصرية وقناة بنما ما كانتا لتوجَدا لولا الولايات المتحدة، رغم أن مصر انتهت من حفر القناة عام 1869، أي قبل 156 عاماً، في حين كانت الولايات المتحدة خارجة للتو من حروب أهلية شرسة اندلعت في الفترة من عام 1861 إلى 1865.
لم يكتف ترامب بالتصريح الصادم، بل تحرك لتنفيذه وتحويله إلى أمر واقع، حيث طلب من وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، أن يتولى فوراً العمل على تحقيق هدف السماح بمرور السفن الأميركية عبر قناة السويس مجاناً، ووضع أوامره قيد التنفيذ.
كما أوعز إلى مستشار الأمن القومي الأميركي، مايكل والتز، ليخرج علينا بتصريح مثير قال فيه إن الولايات المتحدة ليس عليها أن تدفع رسوماً لمرور سفنها في قناة تدافع عنها، ولم يقدم “والتز” تفاصيل حول نوعية تلك الحماية، وإن كان الاحتمال الأقوى أنه يقصد ما تقوم به القوات الأميركية من مهاجمة جماعة الحوثي اليمنية التي تهدد الملاحة في البحر الأحمر عبر استهداف السفن الإسرائيلية والأميركية، وسفن الدول الداعمة للاحتلال في حرب الإبادة على غزة.
ليس هذا هو التهديد الأول من ترامب ضد قناة السويس أحد أهم الروافد التجارية العالمية كما قال في تصريح سابق، ومحاولة فرض الإتاوات على الدولة المصرية، بل المساس بسيادتها، فقبل أسابيع، أعلنت لجنة الشحن البحري الفيدرالية الأميركية فتح تحقيق حول “نقاط الاختناق البحرية العالمية”، الذي يشمل قناة السويس، بهدف تقييم الظروف غير المواتية للتجارة الأميركية، التي قد تسبّبها دول.
وجاء التحرك كما قلت في مقال سابق في محاولة من ترامب للضغط على الدول مالكة الممرات الملاحية العالمية، ومنها قناة السويس، لتخفيض رسوم المرور للسفن الأميركية، أو مرورها مجاناً وبدون دفع أي رسوم. كما أكد سابقاً ضرورة حماية المصالح الأميركية في وجه التهديدات التي قد تعوق حركة الملاحة الدولية سواء في البحر الأحمر وقناة السويس أكثر الطرق البحرية ازدحاماً وازدهاراً، أو قناة بنما.
تهديد ترامب قناة السويس أمر في منتهى الخطورة، فهو أولاً يمثل اعتداء صارخاً على السيادة المصرية، باعتبار أن القناة مملوكة لمصر وهي من تتولى إداراتها وفق القانون الدولي، وطلبه يفتقر إلى أي أساس قانوني أو منطقي. كما أنه يعد تهديداً مباشراً للتجارة الدولية، حيث تُعتبر قناة السويس شرياناً مائياً حيوياً يمر عبره ما يزيد عن 12% من التجارة البحرية العالمية.
اقتصادياً، إن تحركات ترامب تأتي في وقت يعاني فيه الاقتصاد المصري أزمات حادة لأسباب محلية وخارجية، ومن ثم في حالة خضوع الإدارة المصرية لهذا الابتزاز فإنه يفتح الباب على مصراعيه أمام الدول الأخرى للمعاملة بالمثل.
وهنا تفقد مصر ما تبقى من إيرادات قناة السويس التي خسرت بالفعل 60% خلال العام الماضي، أي ما يعادل خسارة قدرها 7 مليارات دولار، وهذا وحده كفيل بعودة الاضطرابات إلى سوق الصرف الأجنبي في مصر والضغط مجدداً على الجنيه المصري وفتح الباب أمام تعويمات جديدة، خاصة أن القناة تشكل أحد أبرز مصادر النقد الأجنبي للدولة، وربما هذا ما تريده إدارة ترامب من تحركها الأخير، لأنها تدرك حساسية القناة للمصريين واقتصادهم ومواردهم الدولارية.
وحتى لو اقتصر الأمر على حرمان قناة السويس من الإيرادات الأميركية فقط فإن هذا يؤثر سلباً على حصيلة النقد الأجنبي المتدفقة على خزانة القناة والتي تمثل سيولة دولارية حيوية للموازنة المصرية، حيث تقدر تلك الإيرادات بما يتراوح بين 500 مليون ومليار دولار سنوياً. إذ يمر بالقناة ما بين ألف وألفي سفينة أميركية في السنة.
تمتلك إدارة ترامب العديد من الأسلحة لتحويل تهديداتها الخاصة بقناة السويس إلى أمر واقع عبر قطع المساعدات الاقتصادية والعسكرية والبالغ قيمتها 1.55 مليار دولار عن مصر، وزيادة الرسوم الجمركية على الصادرات المصرية لأميركا، وتجميد اتفاقية الكويز التي تضم مصر وإسرائيل وأميركا، وتسمح للسلع المصرية بالدخول إلى الولايات المتحدة من دون جمارك بشرط أن يدخل فيها مكون إسرائيلي، فماذا عن الأسلحة المضادة التي تمتلكها الدولة المصرية في مواجهة بلطجة الرئيس الأميركي؟
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس