أفريقيا برس – مصر. رغم التقارب الكبير في العلاقات المصرية الإسرائيلية، خلال السنوات الماضية، الذي مكن القاهرة من لعب دور الوسيط بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي في الاعتداءات المتتالية لجيش الاحتلال على قطاع غزة، إلا أن توترا في العلاقات بين القاهرة وتل أبيب طفى على سطح الأحداث خلال الفترة الأخيرة.
التوتر حسب وسائل إعلام الاحتلال، بدأت بوادره عقب انتهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي استهدف حركة الجهاد الإسلامي، وتراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي عن التعهد بالإفراج عن الأسيرين الفلسطينيين بسام السعدي وخليل عواودة، على الرغم من أن اتفاق الهدنة بين إسرائيل و«حركة الجهاد الإسلامي» تضمن أن تعمل مصر على جهود الإفراج عنهما، بالإضافة إلى عدم التزام رئيس الحكومة الإسرائيلية بطلب الرئيس المصري وقف العمليات العسكرية في الضفة الغربية، تجنباً لتجدد الصدام في غزة.
وسائل إعلام إسرائيلية، قالت إنه في الوقت الذي اتصل فيه رئيس الحكومة الإسرائيلية، يائير لابيد، عقب دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، مع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، كانت هناك عملية أخرى في الطريق للتنفيذ، تستهدف إبراهيم النابلسي القيادي البارز في كتائب شهداء الأقصى، حيث تم اغتياله من طرف الجيش الإسرائيلي، بعد حصاره في أحد المنازل في نابلس والاشتباك معه لساعات.
وأكدت أن عملية اغتيال النابلسي تسببت بغضب مصري كبير، حيث توقعت القاهرة أن المحادثة بين السيسي ولابيد، ستؤدي إلى توجيه تعليمات منظمة للجيش الإسرائيلي، ولكن هذا ما لم يحدث، وعملية نابلس فسرت مثل غرس أصبع في عين السيسي.
عدم التزام الحكومة الإسرائيلية بتعهداتها، صبت مزيدا من الزيت على الغضب المصري، الذي اشتعل في الأيام التي سبقت العدوان على غزة، عندما هددت حركة «الجهاد الإسلامي» بالانتقام على خلفية اعتقال بسام السعدي، حيث قام الجيش الإسرائيلي بإغلاق الشوارع في غلاف غزة أمام الحركة، واستعد في الوقت نفسه لإيقاع ضربة بالحركة، في الوقت الذي توقعت القاهرة أن تعطيها إسرائيل المزيد من الوقت لتهدئة الإجواء.
ومع اقتراب مصر من الاتفاق على وقف إطلاق النار، اغتالت إسرائيل تيسير الجعبري في جنوب القطاع، وأرادت مصر أن تدخل في بيان الاتفاق على وقف إطلاق النار، جملة تقول إنها «ستعمل على إطلاق سراح السعدي وخليل العواودة» لكن إسرائيل رفضت ذلك.
وفي السابع من آب/أغسطس الجاري، أٌعلن بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«الجهاد الإسلامي» في قطاع غزة، تطبيقاً لهدنة تمت بوساطة مصرية، وتبعتها إشادة من الحكومة الإسرائيلية وأطراف دولية، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، بجهود القاهرة خلال القصف المتبادل الذي امتد لثلاثة أيام.
وسائل إعلام إسرائيلية قالت إن تراجع لابيد عن تعهداته للقاهرة، جاء كمحاولة للحفاظ على شعبيته قبل انتخابات الكنيست المقررة في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، بعد أن تصدر نتنياهو وحلفاؤه استطلاعات الرأي. وعلى الرغم من تأييد الإسرائيليين أداء حكومة لابيد في الهجوم على غزة، أظهرت استطلاعات رأي أجريت عقب الهدنة استمرار تفوق معسكر نتنياهو.
واستغل نتنياهو حرب غزة عبر التصريح بأنه إذا ما كان موجوداً على رأس السلطة لما توقف عن ملاحقة المسلحين. وفي المقابل، أراد لابيد ألا يظهر في موقف الضعيف وغير القادر على ضبط الأوضاع، ما دفعه إلى التراجع عن تعهداته للقاهرة.
وفي حزيران/يونيو الماضي، قاد نتنياهو جهود المعارضة بهدف إسقاط الائتلاف الحاكم، عبر عرقلة إقرار قوانين مهمة داخل الكنيست واستقطاب نواب من أحزاب الائتلاف، ونجح في دفع رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت إلى اتخاذ قرار بحل الكنيست والدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة.
إسقاط طائرة مسيرة مصرية
تقارير إعلامية إسرائيلية لفتت إلى أسباب أخرى للأزمة التي أدت إلى إلغاء رئيس الاستخبارات المصرية عباس كامل زيارة كانت مقررة إلى إسرائيل، الأزمة بدأت قبل شهرين حين أعلن الجيش الإسرائيلي عن إسقاط طائرة مسيرة مصرية عبرت الحدود إلى إسرائيل. ولم يكن حادث الطائرة ليمر، حتى كشف الإعلام عن مقبرة جماعية لجنود مصريين قرب القدس، قتلوا في حرب الأيام الستة عام 1967.
ففي تموز/يوليو الماضي، كشف الإعلام الإسرائيلي عن وجود مقبرة جماعية قرب القدس دفن فيها ما لا يقل عن 80 عسكرياً مصرياً من ضحايا حرب يونيو/حزيران 1967 بعد حرقهم أحياء بينما كانوا أسرى، بمخالفة للقوانين الدولية، ما دفع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى إجراء اتصال هاتفي مع يائير لابيد، توافقا خلاله على قيام السلطات الإسرائيلية بتحقيق كامل وشفاف بشأن تلك الأنباء. وتعهد رئيس الحكومة الإسرائيلية بالتعامل بإيجابية وشفافية واطلاع الجانب المصري على مستجدات الأمر، وفق بيانات رسمية من الرئاسة المصرية ورئاسة الوزراء الإسرائيلية.
والخميس الماضي، تقدم النائب محمد سعد الصمودي، عضو مجلس النواب المصري، بسؤال برلماني إلى المستشار حنفي جبالي، رئيس مجلس النواب، حول نتائج التحقيقات التي أجراها الجانب الإسرائيلي في وقائع تاريخية حدثت في حرب عام 1967 متعلقة بجنود مصريين مدفونين في القدس.
وقال النائب: في 10 تموز/يوليو الماضي، تحركت الدولة المصرية بكامل مؤسساتها على أكمل وجه بعد تناول الإعلام الإسرائيلي وقائع تاريخية حدثت عام 1967 تتعلق بدفن جنود مصريين في القدس، وهو تحرك يُحسب لمصر وليس بجديدٍ عنها، وتم تكليف السفارة المصرية في تل أبيب بالتواصل مع السلطات الإسرائيلية لتقصي حقيقة ما يتم تداوله إعلاميا.
وتابع: طالبت مصر بتحقيق لاستيضاح مدى مصداقية هذه المعلومات وإفادة السلطات المصرية بشكل عاجل بالتفاصيل ذات الصلة، وفور التحرك المصري، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد أنه أوعز إلى سكرتيره العسكري، فحص هذه القضية بشكل جذري وإطلاع الجهات المصرية على المستجدات المتعلقة بها.
وقال النائب إنه منذ 10 تموز/يوليو الماضي إلى الآن لم نر أي معلومات أو مخاطبات من الجانب الإسرائيلي حول ما توصلت إليه التحقيقات في هذه الواقعة، ولم تتم موافاة الجانب المصري بأي مستجدات.
وتساءل: ما نتائج التحقيقات التي أجراها الجانب الإسرائيلي في هذه الواقعة، وما نتائج المخاطبات بين السفارة المصرية في تل أبيب والسلطات الإسرائيلية.
تعديل اتفاقية السلام
وأقر وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس بوجود أزمة بين بلاده ومصر، على خلفية العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة.
وقال غانتس في حوار لهيئة البث الإسرائيلية الرسمية: «هناك أيام توتر ناتجة عن انتهاء عملية الفجر الصادق، ونأمل أن تمر الأزمة في الأيام المقبلة».
وأضاف: مصر لاعب إقليمي رئيسي ومن أهم أصدقاء إسرائيل؛ في البلدين وفي بعض الأحيان تكون هناك تقلبات، والطرفان سيجدان الطريقة لإعادة الاستقرار.
وكانت هيئة البث الإسرائيلية أشارت إلى أن رونين بار، رئيس جهاز الشاباك «المخابرات الداخلية» غادر الأحد إلى مصر لبحث الأزمة مع رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل.
ولم يصدر تعليق رسمي من الجانب المصري عن هذه الأزمة أو زيارة رئيس «الشاباك» الإسرائيلي.
وشهدت العلاقات المصرية – الإسرائيلية خلال السنوات الماضية، خطوات غير مسبوقة، إذ زار نفتالي بينيت رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق مدينة شرم الشيخ في أيلول/سبتمبر 2021 وكانت الزيارة الأولى لرئيس وزراء إسرائيلي إلى مصر منذ عام 2011 أعقبتها زيارة أخرى في آذار/مارس الماضي، وفي تشرين الأول/اكتوبر 2021 وهي الزيارات التي مهدت لتعديل مصر وإسرائيل اتفاقية السلام، بما يسمح بتعزيز الوجود العسكري المصري، بزيادة عدد قوات حرس الحدود وإمكاناتها، في منطقة رفح الحدودية شمال جزيرة سيناء، وفق ما أعلنه الجانبان في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 نتيجة لاجتماع اللجنة العسكرية المصرية – الإسرائيلية المشتركة.
وقالت القوات المسلحة المصرية إن الاتفاق ضمن مساعي الحفاظ على الأمن القومي المصري وضبط وتأمين الحدود.
وفي 18 آب/اغسطس 2021 التقى رئيس المخابرات المصرية عباس كامل، برئيس الوزراء الإسرائيلي، في تل أبيب، ووجّه للأخير خلال اللقاء، دعوة رسمية باسم السيسي، لزيارة القاهرة.
ومهد لقاء السيسي وبينيت رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، لقمة النقب، التي استضاف فيها وزير الخارجية الإسرائيلي نظراءه من مصر والإمارات والمغرب والبحرين بحضور وزير الخارجية الأمريكي، في آذار/مارس الماضي، وهي القمة التي ناقشت ما عرف بتحالف الناتو العربي تحت القيادة الأمريكية، وبمشاركة الكيان الصهيوني.
وهو التحالف الذي أعلنت المعارضة المصرية ممثلة في «الحركة المدنية الديمقراطية» التي تضم عددا من أحزاب المعارضة في بيان، رفضها «القاطع والنهائي» المشاركة في أية مشروعات للدفاع الجماعي العربي تحت القيادة الأمريكية، وبمشاركة الكيان الصهيوني، وذلك «أياً كانت مُسمياتها أو ذرائع ترويجها».
ومصر هي أول دولة عربية وقّعت معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1979 لكن العلاقات ظلت على المستوى الرسمي فحسب، وسط فتور ورفض شعبي. وتم تسيير رحلة الطيران الأولى لشركة «مصر للطيران» الحكومية إلى إسرائيل، بعد عقود من استخدام شركة تابعة تسمى «سيناء للطيران» وهي الخطوة التي وصفتها إدارة الطيران الإسرائيلي بـ«السابقة التاريخية».
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس