جوامع إسطنبول تقضي رمضانها الأول وحيدة منذ قرون

15

مصر – افريقيا برس. لم يترك فيروس كورونا لجامع السلطان أحمد في إسطنبول إلا اسمه وفخامة المكان وعبق التاريخ، أما روحه فتكاد تختنق مع غياب المصلين والزوار الذين كان يستضيفهم بالآلاف في ليل رمضان ونهاره على السواء.

وللشهر المبارك تقاليده الخاصة في الجامع الذي بناه المهندس محمد آغا بين عامي 1609 و1616، فمنذ ذلك التاريخ لم تنقطع صلاة التراويح بين جدرانه الضخمة وتحت مآذنه الست المشرفة على قصور السلاطين في مجمع “توب كابي” أو “الباب العالي”.

ينثر الجامع روحانية العبادة على كل ركن داخله، فبين أعمدته الراسية أشهر كثير من الأوروبيين إسلامهم في رمضان، وأمام المصلين كانت تقام مسابقات تلاوة القرآن الكريم وحفظه، ومن أهمها مسابقات القرآن الدولية للمكفوفين التي كان يشهدها الجامع في كل عام خلال الشهر الكريم.

غابت كل تلك الصور عن داخل المسجد بعدما أغلق أبوابه الخمسة ونوافذه الـ200 كي لا يتسلل وباء “كوفيد 19” إلى المصلين والزوار، وطال الغياب فجر الجمعة الرمضانية الأولى.


محيط المسجد تغير
لم يغب المصلون وحدهم عن ساحات الجامع، بل اختفت بسط الزنبق الملون “اللالي” التي كانت تفرش في المكان طيلة أيام شهر أبريل/نيسان في موسم التوليب التركي الشهير، ليحل مكانها رجال الشرطة المنتشرين بكثافة لمنع الناس من التجول في الساحات.

ووضع انتشار الفيروس حدا لأضخم مائدة إفطار رمضانية كانت تمتد في ساحة الجامع طيلة أيام الشهر الكريم، وكانت تقدم طعام الإفطار لأكثر من 20 ألفا من كل أنحاء العالم في كل يوم، كما غيبت موسيقى “المهتران” التي كانت تسبق الإفطار.

وقالت سلطة الشؤون الدينية التركية إنها لن تقيم أي إفطار جماعي خلال شهر رمضان الحالي تماشيا مع إجراءات الحجر المنزلي المعمول بها لمواجهة انتشار فيروس كورونا في البلاد، مؤكدة أنه سيتم استبدال هذه الإفطارات بتوزيع وجبات على بيوت الصائمين من الفقراء داخل تركيا وخارجها.

وقال رئيس السلطة علي أرباش في ندوة متلفزة إن الشؤون الدينية ستوزع عشرات آلاف من السلال الغذائية وألبسة العيد للأيتام في 35 دولة، وستركز على توزيع وجبات الإفطار وبطاقات تسوق للمحتاجين داخل تركيا تشمل المواد الغذائية والملابس طيلة شهر رمضان.

وأغلق انتشار كورونا بازارات الصناعات الغذائية التقليدية والأعمال اليدوية ومعارض الكتب التي كانت تفتح في ساحات الجامع، وفرّق عشاق المسرح الذين كانوا يجتمعون قبل الإفطار لمشاهدة عرض اليوم المسرحي قريبا من المكان.

حزن في كل جانب
وكحال السلطان أحمد، يلف الحزن أسوار جامع الفاتح الذي ما زال بالإمكان دخول ساحاته الخارجية دون الوصول إلى حرم الصلاة بعدما أغلقت أبوابه في وجوه المصلين.

فلأكثر من نصف قرن، ظل الجامع يجذب مصلي التراويح إليه من كافة أنحاء المدينة، وكانت الصلاة فيه أشبه بالملتقى العالمي للمسلمين من كافة بقاع الأرض، قبل أن يرحل عنه الجميع خشية إصابتهم بالوباء.

وتكتظ شوارع منطقة الفاتح في المركز الأوروبي بإسطنبول بالمساجد العريقة التي لم يتح الفيروس لها أن تعيد رواية قصتها هذا العام، فمن السليمانية إلى شيخ زاده مرورا بجامع بايزيد و”والدة السلطان” وإسكندر باشا، وحتى جامع “سلطان مهرما” في منطقة أديرنا كابي، يلف الحزن أجواء الجوامع الإسطنبولية في هذا العام مع غياب المصلين.

لكن أكثرها حزنا هو جامع “السلطان أيوب” الذي بالكاد كان يتسع لموطئ قدم من بين الزوار الذين يحضرون في كل عام ليقرؤوا سورة الفاتحة على قبر الصحابي الجليل “أبي أيوب الأنصاري”.

أما جامع “الخرقة الشريفة” في منطقة “أمنيات فاتح” فلن يفتح أبوابه هذا العام لمئات الآلاف من الزوار الذين كانوا يحضرون ليلة السابع والعشرين من رمضان من كل أرجاء تركيا وولاياتها ليشاهدوا عمامة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وعباءته وشعراته الشريفة التي يعرضها وقف الصحابي أويس القرني على الناس مرة واحدة في كل عام.


الأولوية للأرواح
في حديثه الهاتفي مع الجزيرة نت، عبّر إمام مسجد حي بلاط في إسطنبول بيرات إكسوز عن حزنه العميق لتوقف الناس عن التوجه إلى المساجد للصلاة في رمضان بسبب إغلاقها، قائلا إن المصلين في تركيا يشعرون بالحزن في كافة المساجد وليس في المساجد الكبرى والتاريخية وحدها.

لكنه رأى أن إغلاق المساجد الآن يهدف إلى تخفيف تجمع الناس لحفظ أرواحهم من انتشار الفيروس، موضحا أن ذلك يتماشى بالأساس مع جوهر العقيدة في الحفاظ على الروح الإنسانية، على حد تعبيره.

وقال الإمام إكسوز إن هدف أي عبادة شرعها الله هو تحقيق التقوى، مبينا أن تعبّد الإنسان في منزله في هذا الوقت يحافظ على أرواح المسلمين ويحقق التقوى التي يطلبها الدين من العبادة.

وأكد أنه لا يوجد مسلم يشعر بالسعادة عند إغلاق أي جامع، وأن العالم الإسلامي اهتز لإغلاق الحرم المكي والمسجد النبوي، لكن حماية أرواح المسلمين اليوم هي الأولوية لدى الجميع.

المصدر : الجزيرة

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here