جولات أميركية في القارة الأفريقية.. تطبيق استراتيجية “الشراكة”

8
جولات أميركية في القارة الأفريقية.. تطبيق استراتيجية
جولات أميركية في القارة الأفريقية.. تطبيق استراتيجية "الشراكة"

أفريقيا برس – مصر. تُعيد الولايات المتحدة رسم استراتيجيتها السياسية في القارة الأفريقية، عبر وضعها على قائمة أولوياتها الخارجية. فبعد عقود من التركيز الأميركي على قارّتي أوروبا وآسيا، بالإضافة إلى أقاليم الشرق الأوسط والشرق الأوروبي والشرق الآسيوي وأميركا الجنوبية وإهمال أفريقيا، أجرت إدارة الرئيس جو بايدن تحوّلاً جوهرياً في سياستها تجاه أفريقيا، عبر تفعيل العلاقات السياسية والاقتصادية انطلاقاً من استراتيجية جديدة في البيت الأبيض.

وهو أمر تجاوز سقف التعاون السابق بين واشنطن والقارة الأفريقية، المبني على ركيزة الأمن، خصوصاً بعد اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول 2001، التي طاولت مقرّات أميركية في واشنطن ونيويورك.

القمة الأفريقية ـ الأميركية

وتُعدّ القمة الأفريقية ـ الأميركية، التي عُقدت في واشنطن بين 13 ديسمبر/كانون الأول الماضي و15 منه، نقطة محورية في الاستراتيجية الأميركية. فقد شارك فيها 49 دولة من أصل 54 (غابت بوركينا فاسو وغينيا ومالي والسودان بسبب تجميد عضويتهم في الاتحاد الأفريقي، أما إريتريا فتملك علاقات محدودة مع الولايات المتحدة). ويُشكّل عدد الدول المشاركة في القمة مؤشراً إيجابياً للأميركيين في تأسيس الشراكة النوعية.

وقبل القمة الأفريقية ـ الأميركية، أوصت وثيقة استراتيجية الدفاع الوطني الأميركية، التي كُشف النقاب عنها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بضرورة تحول نهج التعامل مع أفريقيا إلى شريك بدلاً من منطقة تُملي عليها الولايات المتحدة الأوامر.

وفي السياق، ذكّر تقرير نشره معهد “أتلانتيك كاونسيل” قبل أيام وتطرق إلى وعود بايدن في القمة الأفريقية الأميركية وكيفية البناء عليها، بتصريحات أطلقت في 2022 لقائد القيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) السابق، الجنرال ستيفن تاونسند، أعرب فيها عن اعتقاده بأنّ “هناك بالفعل مجالاً في القارة لنا جميعاً للقيام بأعمال دولنا”. وأضاف أن “الصين، من خلال المساعدة في دوريات مكافحة القرصنة، أدت دوراً مفيداً أيضاً”.

وبحسب التقرير فإن هذه التصريحات “أضفت مصداقية على تأكيد إدارة بايدن بأنها لا تسعى إلى تحويل أفريقيا إلى مجال للتنافس بين القوى العظمى. ولن تضطر أفريقيا إلى الاختيار بين الشركاء المحتملين”.

ومع إعادة فرنسا التفكير في تركيزها الأمني في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل، ووسط تراجعها العسكري، وتركيز أوروبا على شمال أفريقيا، بدت الولايات المتحدة في موقع متقدم، عبر مهادنة الصين ومواجهة روسيا في القارة.

وبدأت الإدارة الأميركية تطبيق استراتيجتها الجديدة تجاه أفريقيا، بزيارتين لمسؤولتين رفيعتي المستوى في واشنطن: مندوبة الولايات المتحدة الدائمة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، ووزيرة الخزانة جانيت يلين.

ومع بدء يلين جولتها الأربعاء الماضي، التي تستمر 11 يوماً وتشمل السنغال وزامبيا وجنوب أفريقيا، فإن توماس غرينفيلد، ستبدأ زيارتها غداً الأربعاء، من كينيا، على أن تزور أيضاً غانا وموزمبيق.

ومن المفترض أن تمهّد الزيارتان إلى جولة لبايدن لدول جنوب الصحراء الأفريقية، في موعد لم يتم تحديده بعد، في العام الحالي، وفقاً لتعهّده خلال القمة الأفريقية ـ الأميركية.

وفي حال حصول هذه الزيارة فإنها ستكون الأولى من نوعها لرئيس أميركي منذ جولتي سلفه باراك أوباما، في عامي 2013 و2015. لكن المفارقة في جولة توماس غرينفيلد، تكمن في أنها تبدو شكلاً كردّ فعل على زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لجنوب أفريقيا، أمس الاثنين، لأن “رد الفعل” الأميركي تكرر للمرة الثانية، فلافروف زار مصر وإثيوبيا وأوغندا وجمهورية الكونغو، في يوليو/تموز الماضي، ما دفع بايدن إلى إرسال توماس غرينفيلد إلى أوغندا وغانا والرأس الأخضر في أغسطس/آب الماضي.

وللتسريع الأميركي في تفعيل الشراكة مع الأفارقة أسبابه المتعددة. فقد أعلن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أن لافروف “سيقوم في الفترة من يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط (من العام الحالي)، بزيارتين إلى القارة الأفريقية تتضمنان زيارة ثماني دول، بما في ذلك المغرب”.

وأوضح كذلك أنه “من المقرر هناك أن تجري اتصالات ثنائية مع وزراء خارجية الدول العربية، بما فيها طبعاً، دول شمالي أفريقيا العربية”. كما أعلنت مؤسسة “روس كونغرس” الروسية، المسؤولة عن تنظيم المؤتمرات، منذ نحو أسبوعين أن “القمة الروسية الأفريقية الثانية ستعقد في الفترة بين 26 يوليو المقبل و29 منه”. مع العلم أن القمة الأولى عُقدت في عام 2019.

ومع أن الأميركيين مقتنعون بوجوب الاستثمار السياسي والاقتصادي في أفريقيا، غير أن الغزو الروسي لأوكرانيا، والسعي الأوروبي للاستفادة من موارد الطاقة المتوفرة في أفريقيا، دفع واشنطن إلى تخصيص الجهود للقارة الأفريقية. فحين بدأت القوات الروسية اجتياح الأراضي الأوكرانية في 24 فبراير الماضي، سعت الولايات المتحدة إلى بناء تحالف لمواجهة الروس، لكنها اصطدمت بممانعة أفريقية في إدانة الغزو الروسي في مجلس الأمن، خصوصاً أن 30 في المائة من أصوات الجمعية العامة تعود إلى دول أفريقية.

ومع أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن سعى إلى تليين المواقف الأفريقية عبر قيامه بزيارات متعددة إلى دولها في العام الماضي، إلا أن الأمر لم يسر وفقاً لرغبة بلاده، خصوصاً أن جنوب أفريقيا، واصلت تطوير علاقاتها مع روسيا في سياق تحالف “بريكس”، الذي يضمّهما، بالإضافة إلى الهند والبرازيل والصين.

محورية جنوب أفريقيا

كما أن شبكة “روسيا اليوم” الحكومية الروسية، تقترب من افتتاح مركز إعلامي لها في بريتوريا، إحدى عواصم جنوب أفريقيا الثلاث (العاصمتان الأخريان هما كيب تاون وبلومفونتاين).

ومن المقرر أيضاً أن يستضيف جيش جنوب أفريقيا تدريباً عسكرياً مشتركاً مع نظيريه الروسي والصيني على الساحل الشرقي للبلاد، في الفترة بين 17 فبراير المقبل و27 منه.

وتتزامن تلك التدريبات مع الذكرى الأولى لانطلاق الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير الماضي. لكن للإدارة الأميركية خطة أخرى، فقد أعلنت في القمة الأفريقية ـ الأميركية عن استثمار ما لا يقل عن 55 مليار دولار في أفريقيا على مدى السنوات الثلاث المقبلة. وهي بذلك تنضمّ إلى خطط الاستثمار الصيني بتقديم 40 مليار دولار، وتعهّد اليابان بضخّ 30 مليار دولار، وتخصيص الهند 150 مليار دولار بحلول عام 2030.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here