دعوات 11/11؛ ماذا يحدث في مصر؟

13
دعوات 11/11؛ ماذا يحدث في مصر؟
دعوات 11/11؛ ماذا يحدث في مصر؟


عصام عبد الشافي

أفريقيا برس – مصر. شهدت مصر في الأشهر القليلة الماضية، وتحديداً منذ نهاية إبريل/ نيسان 2022، عدة تحولات وأحداث سياسية واقتصادية، قادت، في نهاية المطاف، إلى خروج دعوات إلى التظاهر اليوم، 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، بالتوازي مع استضافة مصر مؤتمر المناخ من الـ6 إلى الـ18 من الشهر نفسه.

وفي إطار التحوّلات والأحداث، جاءت البداية مع حفل إفطار الأسرة المصرية في 26 إبريل/ نيسان، ودعوة عبد الفتاح السيسي إلى حوار وطني يشمل كل التيارات السياسية من دون إقصاء، وتفعيل لجنة العفو الرئاسي، ثم تراجع عن فكرة كل التيارات مستثنياً جماعة الإخوان المسلمين، بدعوى من “تلطخت يده بالدماء والعنف ضد الوطن”، إلا أن الدعوة ومخرجاتها ظلت تراوح مكانها من دون إنجاز ملموس رغم مرور أكثر من ستة أشهر عليها.

وفي أغسطس/ آب 2022، نشر الإعلامي المقرّب من النظام، عماد الدين أديب، عدة مقالات، أولها بعنوان “14 سبباً لسقوط الحكام والأنظمة”، استشعر كثيرون أنه موجه ضد النظام المصري، وأن هناك أزمة داخلية بين السيسي مع داعميه، لأن أديب لا يكتب من تلقاء نفسه، وإنما يعبّر عن توجهات من يقف خلفه. وسرعان ما تراجع أديب عما ذهب إليه في المقال الأول لينشر مقالاً ثانياً من ثلاثة أجزاء، بعنوان “وصيتي الأخيرة لبلادي ورئيسي”، وكانت الدلالة من هذه المقالات أن هناك رسالة، أراد داعمو السيسي إيصالها إليه، وحققت هدفها في حينه.

وبين دعوة السيسي إلى الحوار الوطني والدعوات الشعبية إلى التظاهر في 11/11، جرى رصد مواقف وأحداث، بعضها محدود في الأهمية والتأثير، ولكنه يستكمل جانباً من جوانب المشهد السياسي في مصر، وما يمكن أن تؤول إليه تطوّرات الأحداث. ومن هذه المواقف، الكم الكبير من التسريبات للسيسي ووزرائه وأركان نظامه وحتى أفراد أسرته، وانتشار عشرات الفيديوهات عبر شبكات التواصل الاجتماعي من مواطنين غاضبين وناقمين من النظام، في تحدٍّ واضح لرأس النظام واستهداف مباشر له، وهو ما جرى النظر إليه نوعا من الجرأة وكسر لحاجز الخوف الذي عانى منه المصريون في السنوات التسع الماضية منذ انقلاب 3 يوليو (2013).

كذلك برز تحوّل كبير في الخطاب الإعلامي الموالي للنظام، حيث أصبح التوتر والانفعال إلى درجة الانفلات في الترهيب والتخويف من الدعوات إلى التظاهر، إلى الدرجة التي أوصلت الرسالة إلى كثيرين أن هناك مخاوف حقيقية لدى أركان النظام وإعلامه من هذه الدعوات. وبرزت أيضاً حملات الاعتقالات وتفتيش أجهزة الهواتف للآلاف في الميادين العامة، واعتقال عشرات منهم، وقيام الأجهزة الأمنية بحملات واسعة على المقاهي الشعبية، تحسّباً لخروح تظاهرات في أعقاب إحدى المباريات الرياضية، بل إن النظام أوقف مباريات الدوري المصري لكرة القدم أسبوعين، بدعوى تنظيم مؤتمر المناخ.

وفي السياق ذاته، ومع انهيار العملة المصرية أمام الدولار وارتفاع التضخّم، وتضخّم الأسعار، ومع عجز النظام عن إدارة الأزمة، اتجه إلى ترضية المواطنين عبر الإعلان عن منحة 300 جنيه (12 دولاراً) شهرياً تحت مسمّى مواجهة غلاء الأسعار.

في هذا الوقت، استغل السيسي المؤتمر الاقتصادي العالمي (23 و25 أكتوبر/ تشرين الأول 2022) لنفي تحمّل المسوؤلية عن الأوضاع الاقتصادية التي تتعرّض لها الدولة، ولم يقف حديث السيسي عند كلمته في اليوم الأول، وكلمته في اليوم الأخير، بل إنه اتصل بإحدى القنوات التلفزيونية المصرية، وظل يتحدث نحو 80 دقيقة (25 أكتوبر/ تشرين الأول 2022) موجّهاً رسائل وتهديدات في كل الاتجاهات إلى الداخل والخارج، وإلى كل القوى والتيارات المؤيدة والمعارضة له.

وليس بعيداً عن هذه الأحداث والسياقات، الظهور الإعلامي المكثف لجمال مبارك، نجل الرئيس الراحل حسني مبارك، وما صاحب ظهوره من رسائل تتعاطى معه باعتباره بديلاً يجرى تجهيزه للسيسي، وأنه ليس هناك تحفظات من الفواعل المؤثرة في المشهد المصري، داخلياً وخارجياً، على جمال وعلى صعوده السياسي، وهو ما تكرّر، ولكن بشكل أقل قوةً، مع ظهور الفريق أحمد شفيق، المرشّح الرئاسي السابق في انتخابات 2012، وكذلك في البيانات التي نُشرت على حسابات تقول إنها تابعة لرئيس أركان القوات المسلحة المصرية الأسبق، الفريق سامي عنان.

ترتبط بذلك دعوة رئيس حزب الإصلاح والتنمية في مصر، البرلماني محمد أنور السادات، إلى عدم ترشّح السيسي في انتخابات 2024، وذلك في بيان نشره في الـ19 من الشهر الماضي (أكتوبر/ تشرين الأول)، بعنوان: “هل يفعلها الرئيس 2024″، وهي إشارة لها دلالاتها، ولا تخرج عشوائياً من شخصٍ استخدمه النظام في مرحلةٍ من حملة علاقاتٍ عامة لتحسين صورته الذهنية في دول أوروبية.

وشهدت الشهور الماضية نشر تقارير استخباراتية عن استقالات وإقالات داخل أجهزة الاستخبارات المصرية، من ناحية، وأن ضباطا أعلنوا عن مشروع للتغيير السياسي من ناحية ثانية، وأن هناك اتصالات مباشرة بين شخصيات سياسية وعسكرية في الداخل وشخصيات معارضة في الخارج للتشاور حول تنسيق الجهود والتعاون في مرحلة ما بعد السيسي، من ناحية ثالثة. وفي إطار هذه الاعتبارات، وغيرها تفاصيل كثيرة تستكمل المشهد، يكون السؤال الكبير، ما هي حدود الدعوة إلى التظاهر في 11/11، وهل يمكن بالفعل أن تؤدّي إلى تغيير سياسي في المشهد المصري؟

ترتبط الإجابة بعدة اعتبارات، منها: من يقف خلف هذه الدعوة، حجم الاستجابة الشعبية للدعوة، ردود فعل رأس النظام، طبيعة تعاطي الأجهزة الأمنية والعسكرية مع هذه الدعوة، حدود الدعم الإقليمي والدولي لهذه الدعوة واستعداد داعمي السيسي للقبول ببديل جديد في المرحلة المقبلة، وخصوصا مع حجم التحدّيات الكبيرة التي يعاني منها نظام السيسي، وعدم قدرته على إدارة الأزمات الاقتصادية، رغم مئات المليارات من الدولارات التي تدفقت عليه منذ 2013.

إلا أنه أياً كان السيناريو المتوقع لما يمكن أن يحدث اليوم 11/11، فإنه يجب على دعاة التغيير والمهتمين بالشأن المصري الوعي الكامل بأن عملية التغيير الحقيقي لن تحدُث بين يوم وليلة، وأن هذه الدعوات إلى التظاهر ما هي حلقة من سلسلة حلقات طويلة وممتدة للتغيير، وأن هذه المظاهرات واحدة من عشرات الأدوات التي يمكن أن يتم من خلالها التغيير، وأن الأمر مرتبط بدرجة مركزية بوضوح الرؤى، وضوح الخطط والسياسات، تكاتف الجهود، التنسيق بين مختلف المكونات والتيارات السياسية والاجتماعية، وكذلك تحديد البدائل على مستوى القيادات السياسية والمؤسّسات السياسية التي يمكن أن تقود عملية التغيير في المرحلة الانتقالية.

وفي الأخير، يجب القول إنه إذا جرى التعاطي مع دعوات 11/11 على أن خلفها أركان داخل بنية النظام، وأننا بصدد إنقلابٍ على انقلاب، فستكون حدود الحركة السياسية للقوى المدنية شديدة المحدودية، وسيكون الرهان فقط على تحقيق درجةٍ من الحلحلة في الحالة السياسية الراهنة، وفسح المجال لمستوى أكبر من المشاركة السياسية وحرية الحركة للمعارضة من الداخل، وتحقيق درجة من الانفراج، يمكن البناء عليها مرحلياً، في وضع تصوّرات جادّة لإدارة العلاقات المدنية العسكرية، وتقنين دور المؤسسة العسكرية في الحياتين، السياسية والاقتصادية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here