في ذكرى تنحي مبارك.. ماذا عانت مصر من إهمالها لأفريقيا؟

13
في ذكرى تنحي مبارك.. ماذا عانت مصر من إهمالها لأفريقيا؟
في ذكرى تنحي مبارك.. ماذا عانت مصر من إهمالها لأفريقيا؟

أفريقيا برس – مصر. في تسعينيات القرن الماضي، نادى المفكر المصري الشهير جمال حمدان بضرورة أن يكون لأفريقيا مكان هام في السياسة المصرية، لمصلحة الاقتصاد والتنمية وحماية للأمن القومي ولمواجهة التوغل ال”إسرائيل”ي في القارة.

لكن دعوة حمدان التي جاءت في كتابه “نحن وأبعادنا الأربعة” ودعوات غيره من المفكرين والسياسيين لم تلق آذانا صاغية لدى نظام الرئيس الراحل حسني مبارك الذي انتهج سياسة مناقضة وأوغل في إهمال أفريقيا، لتزداد العلاقات سوءا مع دولها وتفقد القاهرة مكانتها الكبيرة في القارة، بحسب باحثين ومعارضين.

وفي الذكرى الـ 11 لتنحي مبارك بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، يتجدد الحديث عما سماه معارضون “مساوئ” نظام حكمه داخليا وخارجيا وعلى رأسها إهمال العلاقات الأفريقية، مما أدى إلى إضعاف دور مصر الرائد والتاريخي، ومهد طريق إثيوبيا إلى بناء سد النهضة.

تلك الرحلة من التجاهل انتهت إلى الاتفاقية الإطارية لدول حوض نهر النيل، المعروفة بـ “اتفاقية عنتيبي” التي تم توقيع إطارها التأسيسي عام 2010 بين إثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا وكينيا، وهي من دول منابع النيل التي تجمعت لديها الكثير من الأسباب التي تدفعها بعيدا عن القاهرة.

وتنص “اتفاقية عنتيبي” على إنهاء الحصص التاريخية لدولتي المصب مصر والسودان (55.5 مليار متر مكعب، 18.5 مليارا) وهو ما ساهم في فتح الباب أمام إثيوبيا للبدء في بناء سد يهدد بشكل جدي حصة القاهرة بل سيجعل أديس أبابا متحكمة منفردة بالنهر خلال سنوات الجفاف.

علاقات متناقضة

بالعودة إلى تاريخ العلاقات المصرية الأفريقية منذ النصف الثاني من القرن العشرين، نجد أنها شهدت مراحل مختلفة اتسمت بالتناقض الشديد، ففي عهد الرئيس جمال عبد الناصر الذي حكم في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، كانت مصر تحظى بمكانة كبرى في القارة بعد دعمها القوي لحركات التحرر الأفريقية، واستضافتها لعدد من الثوار والزعماء.

وعمل عبد الناصر على توطيد علاقاته بالدول الأفريقية، وكسب شعوبها عبر التبادل التجاري، وإرسال البعثات وإقامة المشروعات وتوظيف القوة المصرية الناعمة المتمثلة في الأزهر الشريف والكنيسة القبطية، حتى بات للقاهرة وجود ثقافي واقتصادي وسياسي واسع في هذه القارة.

لكن العلاقات القوية تراجعت في عهد الرئيس أنور السادات الذي قاد البلاد في سبعينيات القرن الماضي واتجه صوب المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة، لتصل العلاقات إلى حد التهميش والعداء المستتر في ظل حكم الرئيس حسني مبارك الذي بدأ عام 1981 واستمر لنحو 30 عاما.

سياسة الإهمال

بدأ مبارك عهده بمحاولات لتعزيز العلاقات مع الدول الأفريقية في ظل المقاطعة العربية لمصر التي انتخبت مرتين لرئاسة منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي لاحقا) عامي 1989 و1993.

ووفق دبلوماسيين وخبراء بالشأن الأفريقي، فإن محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا عام 1995 مثلت منعطفا حادا في العلاقات المصرية الأفريقية، ومهدت لسنوات من الإهمال والفتور التام في العلاقات، إذ تغير موقف النظام المصري كليا تجاه القارة وغاب التمثيل الرئاسي للقاهرة عن القمم الأفريقية.

ويذكر الدبلوماسي المصري السابق بلال المصري -في دراسة “الدبلوماسية المصرية: عوامل تحد من قدرتها علي حل أزمة سد النهضة”– أن مصر اكتفت خلال عهد مبارك بسياسة أفريقية تقوم بمعظمها سفارات تعاني ضعف الإمكانيات، بجانب إحجام وزراء الخارجية المصريين ووزراء المجالات الفنية كالزراعة والطاقة والبترول والري عن القيام بزيارات رسمية للدول الأفريقية إلا نادرا.

ويكشف المصري -الذي عمل سفيرا لدى أنجولا وساوتومي والنيجر- أنه حتى في التعامل مع دول حوض النيل، فإن القيادة السياسية في عهد مبارك فضلت “النظام البريدي” عن الاتصالات المباشرة في التعامل مع قضية مياه نهر النيل، واكتفت بإرسال خطابات رسمية أو شفهية عن طريق السفارات.

بدوره، يؤكد أستاذ العلوم السياسية صلاح البنداري أن أزمة مصر، مع دول حوض النيل، كانت نتاج تراكم أخطاء السياسة الخارجية المصرية.

ويوضح البنداري -في دراسته “مشكلة سد النهضة وإعادة صياغة توجهات السياسة الخارجية المصرية في الدائرة الأفريقية”– أن مصر مارست سياسة تحمل قدرا من “التعالي والتجاهل والإهمال” تجاه هذه الدول، وهو ما دفع عددا منها لتوقيع “اتفاقية عنتيبي” التي أعطت إثيوبيا إشارة البدء لبناء سد النهضة.

وخطت أديس أبابا خطوات واسعة في بناء “النهضة” وأعلنت منتصف يناير/كانون الثاني الماضي أنها بصدد البدء في سلسلة إجراءات استعدادا لبدء الملء الثالث للسد خلال مايو/أيار ويونيو/حزيران المقبلين.

تراجع اقتصادي

على الجانب الاقتصادي، اندفع غالبية المستثمرين المصريين صوب الدول الأوروبية وأهملوا القارة الأفريقية، بفعل التوجه السياسي للدولة ومجاملة للرئيس مبارك، وفق البنداري.

وقد تراجع التبادل التجاري بين مصر وبلدان القارة بشكل كبير، حتى أنه لم يتجاوز عام 2010 نسبة 1% من إجمالي العلاقات التجارية بين مصر والعالم الخارجي.

وأدى هذا التراجع بالعلاقات التجارية المصرية في وقت تكالبت فيه الدول الكبرى على موارد القارة وأسواقها، إلى التأثير على قدرات مصر التفاوضية مع دول حوض النيل، وقلل من فرصها في زيادة حجم تجارتها بوجه عام، بحسب دراسة “الأخطاء السبعة للسياسة المصرية تجاه أفريقيا” التي أعدها أستاذ العلوم السياسية محمود أبو العينين.

على الجانب العسكري، لم تكن هناك علاقات عسكرية بين مصر ودول القارة أو حوض النيل باستثناء السودان، وبدأ مبارك بعد عام 1995 دعم انفصال إريتريا، ودعم انفصال جنوب السودان، مما أدى لتوتر العلاقات مع الخرطوم وأديس أبابا.

وفي تصريحات صحفية سابقة، يقول محمد محمود محيي الدين عضو اللجنة الثلاثية الدولية التي شكلت لدراسة تأثيرات سد النهضة “مصر التي خرجت من أفريقيا منتصف السبعينيات بمحض إرادتها، ليست مصر التي ترغب في أن تعود بعد 40 سنة إلى أفريقيا والتي هي أيضا ليست أفريقيا اليوم”.

“إسرائيل” تتغلغل

تراجع دور مصر بالقارة الأفريقية وخاصة داخل حوض النيل في عهد مبارك، مما فتح الطريق أمام عدوها التاريخي “إسرائيل” للتوغل ولعب دور سياسي وعسكري واقتصادي أكثر تأثيرا في القارة التي تعتبر -بحسب البنداري- مسرحا إستراتيجيا لإدارة صراعات تل أبيب مع الدول العربية وخاصة مصر.

وعملت “إسرائيل” على تقوية علاقاتها مع الدول الأفريقية وفي مقدمتها إثيوبيا، ووقعت معها اتفاقين إستراتيجيين عامي 1998 و1999 منحا “إسرائيل” تسهيلات عسكرية واستخباراتية بالأراضي الإثيوبية.

وبجانب المساعدات الأمنية والعسكرية وصفقات الأسلحة، يشير البنداري إلى أن “إسرائيل” ساعدت إثيوبيا بأكثر من 30 مشروعا تنمويا، وقدمت شركات يمتلكها جنرالات سابقون بالموساد مساهمات في مشروعات زراعية وبناء سدود.

ويرى خبراء ودبلوماسيون أن الدور الذي تلعبه “إسرائيل” في القارة الأفريقية ودول حوض النيل، بشكل خاص، جاء نتيجة للفراغ الذي أحدثه تراجع الدور المصري في تلك المنطقة، وخاصة خلال حكم مبارك.

ويؤكد مراقبون أن تل أبيب لعبت دورا كبيرا في دفع إثيوبيا على المضي قدما في بناء سد النهضة وتهديد أمن مصر المائي، للضغط على القاهرة ودفعها للموافقة على توصيل المياه إلى “إسرائيل” عبر ترعتي السلام وسرابيوم اللتين تصلان إلى شبه جزيرة سيناء.

ووصل التغلغل ال”إسرائيل”ي في أفريقيا مداه حتى أن رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي، أعلن الصيف الماضي قبول تل أبيب كمراقب بالاتحاد من دون الرجوع إلى أعضائه.

ورغم أن القمة الأفريقية الـ 35 -التي عقدت في أديس أبابا مطلع فبراير/شباط الجاري- علقت قرار منح “إسرائيل” صفة مراقب، إلا أنها أعلنت تشكيل لجنة لبحث الأمر وهو ما قد يعني احتمال قبوله مستقبلا، في خطوة تهدد العمق الحيوي والإستراتيجي لمصر.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here