لدعم الجهد السياسي لوقف الحرب

9
لدعم الجهد السياسي لوقف الحرب
لدعم الجهد السياسي لوقف الحرب

محمود الريماوي

أفريقيا برس – مصر. بعد مضي 12 أسبوعاً على حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزّة، وعلى الدلائل الساطعة لصمود المقاومة، ثمّة حاجة لا مراء فيها لشلّ آلة الحرب الإسرائيلية، وتفويت الفرصة على الاحتلال الفاشي لتدمير ما تبقّى من القطاع، مع دفع المراكز الدولية إلى المشاركة النشطة في تحقيق هذا الهدف. وأية محاولة لقراءة موضوعية للتطوّرات المريعة لهذه الحرب مع نهاية العام لا بد أن تلحظ أن صمود المقاومة أسهم في إثارة تباينات واسعة في المجتمع السياسي والعسكري لدولة الاحتلال، حتى بات هناك رأي شائع بأن مسعى نتنياهو إلى إطالة أمد الحرب يعود إلى أهداف شخصية للرجل. ومع ذلك، ما زال أكثر من نصف الإسرائيليين يؤيّدون استمرارَها، نتيجة التلاقي بين نتنياهو ورموز المؤسّسة العسكرية، يوآف غالانت وبني غانتس وهرتسي هاليفي، على استمرارها، فبالنسبة لهؤلاء معاً، يعتبر تدمير المباني السكنية وكل المرافق الحضرية في عداد الإنجازات اليومية، وهؤلاء معا ما زالوا متعطّشين لتحقيق مزيد من “الانتصارات” الرخيصة كهذه، غير أن العامل الداخلي الأهم ارتفاع مستوى الخسائر في صفوف الجيش، وما يبدو من تناقض بين الأرقام التي يوردها كل من المستشفيات والصحافة والمؤسّسة العسكرية، وزيادة المتاعب الاقتصادية، فضلاً عن المخاطر المتزايدة على الأسرى الإسرائيليين هو ما قد يؤذن بانخفاض تدريجي في نسبة مؤيدي استمرار الحرب. فيما تبدو الإدارة الأميركية على درجة من الاضطراب، إذا امتدّت الحرب إلى أطول مما توقّعت، فيما يلطّخ مسارها المتوحش صورة الإدارة، والرئيس بايدن بالذات، في أنظار الناخبين الأميركيين (وهو ما أسماه وزير الدفاع لويد أوستن بالهزيمة الاستراتيجية الأخلاقية لتل أبيب، وقد فات هذا الرجل أن دولته العظمى شريكة في هذه الهزيمة)، ويؤدّي هذا المسار إلى عزلة دولية لواشنطن التي لم تتراجع بعد عن دعمها هذه الحرب، لكنها تعيش مرحلة التشكك، وتلتمس مخرجاً، ولو مؤقتا، تسمّيه تقليص الحرب، وهي وصفة ملتوية لتسويغ استمرار العدوان.

في ظل هذه الأجواء، نشطت اتصالات مصرية قطرية أميركية، لم يكن الأردن بعيدا عنها، من أجل بلورة مقترحات لإيقاف الحرب، وصولاً إلى مقترحاتٍ أساسية، وإن كانت أولية، وهو ما تم نشره على نطاق واسع من مقترح المراحل الثلاث. وقد حرصت القاهرة على تظهير الورقة وتسريبها على أنها أفكار ومقترحات غير رسمية وغير نهائية، من أجل استدراج ردود الفعل عليها وتفحصّها والبناء عليها، قبل الانتقال إلى مرحلة التبنّي الرسمي. وقد تجنّب مجلس الحرب الإسرائيلي إبداء رد فعل علني، مع الاكتفاء بتكرار التصريحات عن حربٍ متواصلة تستمر أشهرا. أما حركة حماس (ومعها الجهاد الإسلامي)، فقد أبدتا انفتاحا على هذه الأفكار مع تحفّظ على مقترح حكومة التكنوقراط، كي يقرّرالفلسطينيون اختيار من يشاؤون لقيادة المرحلة المقبلة، علماً أن المرحلة التالية للحرب سوف تكون مرحلة إغاثة بامتياز .. إغاثة تشمل توفير الغذاء والماء والدواء والكهرباء والإيواء ومستلزمات فصل الشتاء ورفع الأنقاض، وتأمين مدافن لائقة لمن ما زالوا تحت الركام، بأكثر مما هي مرحلة قيادة سياسية، وقد التقت السلطة الوطنية في رام الله مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي في رفض حكومة الخبراء، وبداعي أن منظمة التحرير يجب أن تكون المظلّة التي تستظل بها أية حكومة مرتقبة على أنقاض غزّة، مع أن المقترح المصري يلحظ وجوب تحقيق توافق فلسطيني مسبق على تشكيل مثل هذه الحكومة، وقد أبدت القاهرة تجاوبها مع هذا التحفظ للسلطة، ورأت أن أي حكومة يجب أن يتصل بناؤها ومرجعيتها بالشرعية الفلسطينية.

أما واشنطن، فلم تعقّب على المقترح المصري، رغم أنها كانت في صورته منذ البداية، وهي راغبةٌ، بألا تخرج بموقف خلافي مع نتنياهو، وبخاصة أنها شاركت بالذراع والباع في هذه الحرب المقيتة التي انتهكت كل القواعد. وتحاول واشنطن الاستناد إلى رأي عام إسرائيلي رافض استمرار هذه الحرب، وهو ما لم يتبلور بعد، فيما يتم استخدام الكنيست، بأكثريته اليمينية المتطرّفة، منبرا للخطاب الحربي العنصري، فيما تزداد مخاوف البيت الأبيض من تنامي الوقوف ضد بايدن في صفوف الحزب الديمقراطي، ولدى جمهور عريض ممن هم من أصل عربي وإسلامي.

وتشتد عزلة الموقف الأميركي مع انضمام فرنسا إلى الداعين إلى وقف دائم لإطلاق النار، فيما تبحث حكومة المحافظين في لندن عن مخرج انتهازي من وقوفها مع نتنياهو في حربه القذرة. وبينما تصدّ واشنطن روسيا عن “التدخل” في الحرب، فقد خطا نتنياهو خطوة نحو موسكو بدعوتها إلى الانضمام إلى جهود تأمين الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، بمن فيهم ثلاثة من الإسرائيليين الروس، وقد سارع الرئيس فلاديمير بوتين للاستجابة للطلب، وعيّن نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف لهذه المهمة، ما يسمح لموسكو بطرح رؤيتها للإفراج عن الأسرى ضمن خطة أشمل لوقف الحرب والانتقال إلى الحل السياسي.

تسمح مجمل هذه الظروف للأطراف العربية المعنيّة التي نأت بنفسها عن مجرى الحرب، وفي مقدمها مصر، بأن تنهمك هذه المرة في شلّ آلة الحرب الإسرائيلية، وإنقاذ ما تبقّى من قطاع غزّة عبر مقترحات جدّية، وقد أبدت “حماس” انفتاحاً على هذه المساعي، ما دامت تحقق الهدف المعلن، وهو وقف العدوان، علما أن الأمر لن يتوقّف هنا، فلسوف تكون هناك حاجة عملية ضاغطة لدور مصري لا غنى عنه بحكم الجوار والمصالح المصرية، في رعاية وقف إطلاق النار وفي التأمين الإداري لعمليات الإغاثة الأولى. وتُحسن “حماس” صنعاً بتفادي اتخاذ أي موقف سلبي من المقترحات، مع الحقّ في إبداء ملاحظات بعيدا عن الأضواء، حتى لا تتلقّفها حكومة الحرب الإسرائيلية لتغطي به موقفها الرافض للجهود الإقليمية والدولية لوقف الحرب، ومن أجل التصدي لمواقف الصقور المتصهينين في واشنطن الداعين إلى تقليص الحرب بدلاً من وقفها.

وسواء تم طرح المبادرة المصرية والتباحث العاجل بشأنها بصورة مباشرة مع الأطراف، أو تم تصعيدها دبلوماسيا إلى مجلس الأمن، لاتخاذ قرار بشأنها، فإن من الأهمية بمكان أن تتمسّك القاهرة بقوة، وبما تمتلكه من وزن سياسي وعسكري، ومن خبرة دبلوماسية وتفاوضية، بدورها هذا، في وضع حد لهذه التراجيديا، من أجل تخييب أمل نتنياهو بما يسمّيها “هجرة طوعية” للغزيين، ومن المهم أن تنتصر إرادة الصمود والمقاومة في هذه المرحلة كما في نهاية المطاف، لكن إرادة الحياة والحقّ في الحياة لمليوني غزّي يتحمّلون فوق ما تتحمّله الجبال الرواسي، تستحق أيضاً أن تنتصر وأن تُراعى، وأن تمثّل البوصلة الهادية في هذه الأيام.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here