ليلى سويف.. الإضراب عن الطعام محطةً إضافية في سيرة النضال

1
ليلى سويف.. الإضراب عن الطعام محطةً إضافية في سيرة النضال
ليلى سويف.. الإضراب عن الطعام محطةً إضافية في سيرة النضال

أفريقيا برس – مصر. في التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني 2011، كان باب منزل الأكاديمية والناشطة السياسية ليلى سويف والمحامي الحقوقي الراحل أحمد سيف الإسلام، في حي الدقي بمحافظة الجيزة في مصر، مفتوحاً على مصراعيه لاستقبال المتضامنين مع نجلها الناشط، علاء عبد الفتاح، ضد محاكمته أمام القضاء العسكري، لاتهامه بـ”التورط في أحداث ماسبيرو”. كانت سويف، قد أعلنت إضرابها عن الطعام قبل ذلك بيومين فقط، بينما كان سيف الإسلام يحتسي قهوته وهو يستقبل المتضامنين من كل حدب وصوب. أما منى، شقيقة علاء، فكانت ضمن المنظمين للوقفة الاحتجاجية التي دعت إليها مجموعة “لا للمحاكمات العسكرية” أمام سجن طرة لرفض محاكمة المدنيين ومنهم علاء عبد الفتاح، أمام القضاء العسكري. مع كلّ هذه الأحداث، فقد كان البيت ينبض بالحياة وبدعم محبي هذه العائلة التي اتخذ الأب فيها من النضال السياسي والحقوقي سبيلاً لحياة عادلة للجميع بلا استثناءات.

ليلى سويف تضرب عن الطعام

بعد مضي أكثر من أربعة عشر عاماً من هذا التاريخ، تكرر المشهد مجدداً، بإضراب ليلى سويف عن الطعام، للمطالبة بالحرية لابنها علاء الذي أصرت السلطات المصرية على التنكيل به وإبقائه في السجن رغم انتهاء محكومتيه. وكان من المفترض أن ينهي علاء عبد الفتاح، في التاسع والعشرين من سبتمبر/أيلول الماضي، فترة محكوميته المقدرة بخمس سنوات، في القضية رقم 1356 لسنة 2019 حصر أمن دولة، بتهمة “نشر أخبار كاذبة”، والتي نسبت إليه بسبب منشوراته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكن أوراق تنفيذ الحكم احتسبت مدة الحبس من تاريخ التصديق على الحكم الصادر عليه في 3 يناير/كانون الثاني 2022، وليس من تاريخ القبض عليه في 29 سبتمبر/أيلول 2019، ومعنى ذلك أنّ علاء سيظل بالحبس حتى 3 يناير 2027.

وأبت السلطات المصرية أن تتجاوب مع مناشدات الأسرة المتكررة لإطلاق علاء عبد الفتاح، ما اضطر والدته للدخول في إضراب عن الطعام منذ ذلك الحين قبل أن يتردى وضعها الصحي لتقرر أول من أمس، كسر الإضراب عن الطعام.

وعانت ليلى سويف في الأشهر الماضية من وضع صحي حرج تطلب دخولها المتكرر إلى المستشفى في لندن، من دون أن يمنعها ذلك من التمسك بالإضراب وإن كانت انتقلت إلى الإضراب الجزئي قبل أن تظهر ابنتها منى في 11 يوليو/تموز الحالي في بث حي على فيسبوك أطلقت فيه مناشدة لوالدتها بشكل علني لإنهاء الإضراب بسبب اقترابها من الموت مع تسجيل تدهور غير مسبوق في تركيزها وكلامها مطالبة محبي ليلى سويف بالضغط عليها. وليلى سويف، إن أدركت أن في إضرابها عن الطعام كل المخاطر على حياتها، لكنها في نفس الوقت كانت تدرك أنه لا محطة أخيرة للنضال حتى وإن خسرت حياتها، وهو ما جعلها تصر على الاستمرار في إضرابها عن الطعام للمطالبة بالحرية لابنها علاء، اعتقاداً منها أنه ربما يمضي حياته كاملة في السجون إذا لم تطالب الآن بإنفاذ القانون والإفراج عنه فوراً بعد قضاء مدة محكوميته كاملة، لكن المناشدات التي انهالت في الأيام الماضية دفعتها إلى كسر الإضراب لتبدأ مرحلة جديدة في المستشفى تتعلق بإعادة التغذية التدريجية مع ما تحمله من مخاطر عليها بعد انقطاعها عن الطعام لقرابة 290 يوماً.

وعاشت ليلى سويف (68 عاماً) منذ بدأت إضرابها عن الطعام على القهوة والشاي والأكياس المخصصة لتعويض السوائل في الجسم منذ سبتمبر/أيلول 2024، وفقدت منذ بدأت إضرابها ما يقارب من نصف وزنها. وظهرت في الآونة الأخيرة على كرسي متحرك بعد أن تعرضت للسقوط المتكرر بسبب ضعف جسدها.

وكانت ليلى سويف قبل انتكاستها الصحية الأخيرة تتنقل، رغم وهنها، بين القاهرة حيث كانت تواظب على زيارة علاء في السجن وبين لندن (ولدت فيها في مايو/أيار 1956 أثناء رحلة عمل أكاديمي لوالدتها)، للضغط على رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إلى التدخل لدى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من أجل الإفراج عن ابنها الذي يخوض بدوره إضراباً جزئياً عن الطعام.

وكان علاء حصل على الجنسية البريطانية في عام 2022 من خلال سويف المولودة في المملكة المتحدة. وكانت سويف التقت منتصف فبراير/شباط الماضي، ستارمر، الذي تعهد بذل “كل ما في وسعه” لضمان إطلاق سراح علاء عبد الفتاح. وقبل اللقاء، كانت تتظاهر بشكل شبه يومي أمام مقر رئيس الوزراء في داونينغ ستريت، في لندن. كما التقت وزير الخارجية ديفيد لامي الذي زار القاهرة في يناير/كانون الثاني الماضي، للمطالبة بالإفراج عن عبد الفتاح.

كما وجهت 500 سيدة مصرية نداء إلى انتصار السيسي، زوجة السيسي، في الرابع من فبراير الماضي، لـ”التدخل من أجل إنقاذ حياة الدكتورة ليلى سويف، المضربة عن الطعام، للمطالبة بالإفراج عن ابنها الناشط السياسي علاء عبد الفتاح”.

وكانت عائلة علاء عبد الفتاح قد وجّهت رسالة إلى السيسي، في نوفمبر 2022، بعد شهر من بدئها اعتصاماً أمام مقر رئاسة الحكومة البريطانية، طلبت فيه من الرئيس المصري أن يصدر قرارا استناداً إلى الدستور المصري الذي يجيز للرئيس العفو عن العقوبة، أو تخفيفها. وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، عادت العائلة لتكشف عن تقديم طلب عفو رئاسي جديد عن شقيقها من خلال وسيط إلى رئاسة الجمهورية، دون استجابة، كما تعهدت العائلة بمغادرة علاء مصر إذا ما تمّ الإفراج عنه.

هجرة شبه إجبارية

وتعيش العائلة اليوم موزعة بين القاهرة حيث لا يزال علاء عبد الفتاح في السجن، أما الابنة الكبرى منى، ففي هجرة شبه إجبارية إلى إنكلترا لترعى ابنتها الوحيدة لانا، بينما تقضي سناء، الابنة الصغرى، أيامها متنقلة ما بين القاهرة لزيارة علاء في سجنه، ولندن حيث تقيم مع شقيقتها.

ويشكل الإضراب عن الطعام الذي خاضته سويف جزءا من حياة حافلة عاشتها بين أروقة النيابات وقاعات المحاكم وأماكن انتظار الزيارات في السجون، منذ أن دخل زوجها، الحقوقي الراحل أحمد سيف الإسلام، المعتقل عام 1983، لاتهامه ومحاكمته خمس سنوات بتهمة “الانضمام إلى التنظيم الشيوعي المسلح”.

لكن إدراكها لتشابكات الحياة السياسية والحقوقية، وتعرفها إلى محطات النضال الطويلة، سبق بسنوات حبس سيف الإسلام، فهي ابنة رائد العلوم الإنسانية، ومؤسس قسم علم النفس في كلية الآداب بجامعة القاهرة، مصطفى سويف، الذي أسس فيما بعد أكاديمية الفنون المصرية وأصبح أول رئيس لها، كما شغل منصب رئيس الجمعية المصرية للدراسات النفسية عامي 1970 و1971. أما والدتها فكانت، أستاذة الأدب واللغة الإنكليزية والمترجمة، فاطمة موسى، التي عاشت لتمد جسوراً بين أدب الغرب وأدب الشرق.

علاقة ليلى سويف بالمجال العام، لم تتوقف عند حدود نشأتها في أسرة مثقفة ومتعلمة من طراز رفيع، ولا عند تأسيسها أسرة حقوقية خالصة، بل امتدت أيضاً لحياتها الأكاديمية الحافلة بالنضال والعلم معاً، فقد كانت من مؤسسي مجموعة العمل من أجل استقلال الجامعات المعروفة بـ”حركة 9 مارس”، وكذلك ساهمت في تأسيس الجمعية المصرية لمناهضة التعذيب.

وواصلت سويف، حياتها الأكاديمية في مصر، بعد أن درست بجامعة بواتييه الفرنسية وحصلت على درجة دكتوراه الفلسفة في مجال الرياضيات (إشراف مشترك) سنة 1989، وظلّت تعمل أستاذة مساعدة في كلية العلوم بجامعة القاهرة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here